العرب في بريطانيا | نعيمة.. قصة مؤثرة لامرأة بريطانية جعلت من حياته...

1447 جمادى الأولى 23 | 14 نوفمبر 2025

نعيمة.. قصة مؤثرة لامرأة بريطانية جعلت من حياتها رسالة لفلسطين

WhatsApp Image 2025-11-14 at 14.02.28
مروة كنيفد November 14, 2025

عندما التقيتُ بنعيمة، لم أكن أتوقع أن أتأثر بقصتها بهذا العمق. حياتها نسيج قوي من الإيمان والرحمة والصلابة، منسوج بتفانٍ لا يتزعزع تجاه شعب فلسطين. وأنا جالسةٌ مقابلها، استطعتُ أن أشعر بالقوة الهادئة لامرأة تخلّت عن الراحة والاستقرار من أجل شيء أعظم بكثير من نفسها.

وُلدت نعيمة في إنجلترا، بالقرب من برمنغهام، في عائلة ذات جذور بريطانية عميقة. وفي يناير 2017، شهدت حياتها تحولًا مهمًا عندما اعتنقت الإسلام. بتأثير من شقيقتها وابنة عمها، فتح اعتناقها للدين قلبها أمام قيم جديدة من التعاطف والصدقة والغاية. أخبرتني: «كان الأمر أشبه بالاستيقاظ. فجأة رأيتُ العالم بشكل مختلف، وأردتُ أن أعيش من أجل شيء ذو معنى.»

قادها هذا السعي إلى التعرف على القضايا العالمية، خصوصًا معاناة الناس في سوريا وفلسطين. ومن خلال تيك توك، شاهدت نعيمة بثًا مباشرًا لشاب يُدعى ريان من شمال غزة، رجل مشرّد بسبب الحرب لكنه لا يزال يطعم مجتمعه. قالت لي: «لم يكن يملك شيئًا، ولكنه كان يعطي كل شيء.» لقد ألهمتها شجاعته لتبدأ في نشر الوعي وجمع التبرعات للفلسطينيين عبر الإنترنت.

لكن تعاطف نعيمة تجاوز الشاشة. كانت ترغب في أن تفهم — ولو قليلًا — ما يشعر به من فقد كل شيء. لذلك تخلّت عن منزلها وبدأت تعيش في خيمة في الريف الإنجليزي. قالت بهدوء: «كنتُ بحاجة لأن أشعر بجزء صغير من معاناتهم.» كانت الحياة في الخيمة بعيدة كل البعد عن السهولة، مع المشي مسافات طويلة لجلب الطعام، وليالٍ قارسة البرودة، وغياب الكهرباء. ومع ذلك، أصبحت تلك الفترة مرحلة من النمو الروحي العميق. قالت لي: «تعلمتُ كم نحن هشّون بدون الأشياء التي نعتبرها عادية، لكنني تعلمت أيضًا كم يمكن للإيمان أن يجعلنا أقوياء.»

وعندما أُغلق موقع التخييم، انتقلت نعيمة للعيش في سيارتها، والتي كانت تُسميها مازحة «منزلًا متنقلًا لقلب متنقل». سمح لها العيش خارج النظام التقليدي بالسفر، واستكشاف الطبيعة، ومواصلة نشر الوعي حول فلسطين. وقالت: «هذا جعلني أقرب إلى الله. كنتُ أستيقظ على صوت الطيور، أصلي، وأشعر بسلام لا يمكن للمال أن يشتريه.» وجدت اللطف في أماكن غير متوقعة. قالت: «المخيّمون غير المسلمون والسكان المحليون أظهروا لي الكثير من التعاطف. لم يفهموا دائمًا اختياراتي، لكنهم احترموها.» بقيت عائلتها، خصوصًا والدتها وشقيقتها، داعمة بصمت، حتى عندما اعتقد البعض أنها “مجنونة”. ابتسمت قائلة: «ربما عليك أن تكوني قليلًا مجنونة لتتبعي غايتك.»

ومن هذه التجارب، وُلدت مبادرة “إسلام كامب”، وهي مبادرة خيرية أسستها لمساعدة العائلات في فلسطين وسوريا بالطعام والدواء والمأوى. جمعت حتى الآن أكثر من 800 باوند، وتحلم بالوصول إلى 1000 باوند أسبوعيًا لدعم 10 عائلات، بما فيها دار الأيتام. عبر تيك توك، تواصلت نعيمة مع عائلات مثل عماد وشقيقه يوسف، اللذين نزحا ويواجهان صعوبة في شراء الدواء لابن يوسف، جود. جمعت ما يكفي لمساعدة جود واستمرت في دعم آخرين في ظروف مشابهة. وامتد تعاطفها أيضًا إلى دار أيتام في أوغندا وأسرة تعاني في نيجيريا. اعترفت لي: «الأمر مرهق عاطفيًا، لكن حتى فعل صغير من اللطف يمكن أن يكون له أثر كبير.»

وخلال عملها الإنساني، التقت نعيمة مجددًا بعماد، من غزة الذي لامست صدقه وصلابته قلبها. ما بدأ باحترام متبادل تحوّل إلى حب، فاتخذت نعيمة القرار الشجاع بالزواج منه رغم البعد وعدم اليقين. قالت لي بهدوء: «لم يكن قرار عقل، كان قرار قلب.»

اليوم، تعيش نعيمة ببساطة، وتبقى على اتصال بغزة من خلال تحديثات زوجها والأخبار. قالت: «الناس الأبرياء يستحقون أن يعيشوا، وأن يحلموا، وأن ينعموا بالسلام.» لقد علّمها إيمانها أن ترى الإنسان قبل السياسة، وأن تتحرك بالحب والرحمة والهدف.

والآن، بينما تواصل نعيمة رحلتها وهي تعيش في سيارتها، أصبحت مهمتها أكثر إلحاحًا. فهي تبحث عن دولة يمكن أن توفر لعائلتها ملاذًا آمنًا عبر الإخلاء الطبي، لدعم ابنتها ذات الأربع سنوات، جوري، التي تعاني من متلازمة بارتر، وترسّب الكالسيوم في الكلى، وحصى الكلى. ومع انهيار النظام الطبي في غزة، تحتاج جوري بشكل عاجل إلى العلاج في مكان آخر. تستعد نعيمة للسفر عبر أوروبا، بدءًا من إيرلندا الأسبوع المقبل، للتحدث مع السفارات على أمل الحصول على المساعدة. وفي الوقت نفسه، تعمل على جمع ما يكفي من المال حتى تتمكن — في حال وافقت دولة ما — من نقل أسرتها إلى بر الأمان.

إنه الفصل التالي من تضحيتها، وإيمانها، ومحبتها الثابتة — شمعة أخرى تُضاء في الظلام.


إقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة