أزمة تجسس تهز حكومة ستارمر.. أمريكا تشكك في “موثوقية” بريطانيا الأمنية
حذّرت إدارة البيت الأبيض رئيس حزب العمال البريطاني، {كير ستارمر} من أن عدم محاكمة اثنين من البريطانيين المشتبه بهم بالتجسس لصالح الصين قد يضعف ما يُعرف بـ”العلاقة الخاصة” بين بريطانيا والولايات المتحدة، ويهدد تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة بين البلدين.
وأفادت مصادر مطلعة بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب عن قلقه المتزايد بشأن موثوقية بريطانيا بعد إسقاط التهم عن كريس كاش، الباحث البرلماني السابق (30 عامًا)، وكريستوفر بيري، الأكاديمي (33 عامًا)، بسبب فشل الحكومة في تقديم أدلة تثبت أن الصين تمثل تهديدًا للأمن القومي.
الولايات المتحدة تحذر بريطانيا من مخاطر التجسس الصيني وسط تصعيد ترامب التجاري

وقال مسؤول رفيع في إدارة ترامب: “الولايات المتحدة كانت تحذر حلفاءها منذ تولّي الرئيس ترامب منصبه في 2017 من تهديد الصين لأمننا القومي المشترك. نحن نتوخى أقصى درجات الحذر عند مشاركة المعلومات مع حكومات قد تتعرض للضغط أو التأثير العدائي، لا سيما في الدول التي يمكن لأعدائنا أن يتصرفوا فيها بلا مساءلة.”
وأكد كبار الجمهوريين ضرورة استمرار الملاحقة القضائية، حيث قال جون مولينار، رئيس لجنة الصين في مجلس النواب الأمريكي: “بوصفنا هدفًا للتجسس من الحزب الشيوعي الصيني، آمل أن لا تسمح الحكومة البريطانية بتعثر هذه القضية وأن تتخذ الخطوات اللازمة لإرسال رسالة واضحة وتحقيق العدالة.”
وتشير المصادر إلى أن إدارة ترامب كانت قد حذّرت داونينغ ستريت سابقًا من السماح بإنشاء سفارة صينية ضخمة بالقرب من المراكز المالية الحساسة في لندن، وأن الرئيس ترامب ناقش الأمر شخصيًا مع ستارمر.
وفي الوقت الذي يخفّف فيه رئيس الوزراء البريطاني موقف بلاده تجاه الصين، أعاد ترامب تصعيد حربه التجارية مع بكين يوم الجمعة، برفع الرسوم الجمركية إلى 130% بعد أن منعت الصين تصدير المعادن الأساسية المستخدمة في صناعات الدفاع والتكنولوجيا.
تطورات إضافية في القضية

- كشف وزير حكومي أن إسقاط قضية التجسس كان ضروريًا لإرضاء الصين، وإلا فلن تكون هناك استثمارات إضافية.
- اعتبر رئيس سابق لجهاز MI6 أن استسلام الحكومة للضغط الصيني سيكون “أمرًا لا يُغتفر”.
- واصل جوناثان باول، مستشار الأمن القومي البريطاني، مواجهة الانتقادات لدوره المزعوم في انهيار القضية.
- ذكرت مصادر أن باول كان وراء دفع اتفاق جزر تشاغوس، الذي يتضمن تنازل بريطانيا عن الأراضي لحليف الصين، موريشيوس.
- باول كان عضوًا في نادي 48 جروب، منظمة شبكية تهدف إلى “ربط الصين بالعالم”، ولها علاقات وثيقة مع الحزب الشيوعي الصيني.
- قال السفير الصيني في بريطانيا، تشنغ زيغوانغ، لمسؤولين كبار في وزارة الخارجية البريطانية إن الصين لن تعيد تقديم خططها للسفارة الجديدة ما لم تحصل على ضمانات بالموافقة عليها.
- عرضت شركة جينجي الصينية، المالكة لــBritish Steel، التنازل عن التعويض الذي تطالب به الحكومة البريطانية بقيمة 1 مليار باوند مقابل السماح ببناء السفارة.
انهيار قضية التجسس بسبب ثغرات قانونية وعدم تصنيف بكين كتهديد

وُجّهت التهم إلى كاش وبيري في أبريل 2024 بعد تحقيقات أجراها ضباط مكافحة الإرهاب في سكوتلاند يارد. واتُهم كاش، الذي نشأ في إدنبرة، بانتهاك القسم الأول من قانون الأسرار الرسمية لعام 1911 بين يناير 2022 وفبراير 2023، والذي يتعلق بالحصول أو جمع أو تسجيل أو نشر أو تبادل معلومات قد تكون مفيدة للعدو، مباشرة أو غير مباشرة. ووجهت التهمة نفسها لبيري بين ديسمبر 2021 وفبراير 2023.
وادّعت هيئة النيابة العامة البريطانية (CPS) أن “عميل استخبارات صيني” كلف بيري بتقديم 34 تقريرًا على الأقل حول مواضيع سياسية، عشرة منها اعتُبرت ضارة بأمن بريطانيا القومي. وكان هناك شك لدى المدعين بأن تساي تشي، خامس أكبر مسؤول في الصين، حصل على معلومات من وستمنستر في إطار قضية التجسس.
كان من المقرر أن تبدأ محاكمة كاش وبيري في محكمة وولويتش العليا، اللذين ظلّا يدّعيان براءتهما، لكن صحيفة Sunday Times كشفت أن القضية انهارت بعد أيام من توجيه باول لمسؤولين كبار بعدم وصف بكين بأنها “عدو” في المحاكمة، وهو شرط قانوني ضمن قانون الأسرار الرسمية.
واتهمت CPS والوزراء بعضهم البعض بالمسؤولية. وقال ستيفن باركنسون، مدير النيابات العامة، إن الحكومة فشلت في تقديم الأدلة الحاسمة رغم طلبات عدة. من جهته، قال ستارمر إن الحكومة السابقة لم تعلن الصين تهديدًا للأمن القومي وقت وقوع النشاط المزعوم، إلا أنه تبين لاحقًا أن أجهزة MI5 و MI6 والحكومة اعتبرت الصين تهديدًا خلال الفترة ذاتها.
ضغط برلماني متصاعد على ستارمر وباول بعد إسقاط قضية التجسس الصيني

من المتوقع أن يُعقد نقاش عاجل في مجلس العموم يوم الإثنين المقبل مع تزايد الضغط على ستارمر وباول. وذكرت مصادر أن هناك نقاشات داخلية حول ما إذا كان يجب إقالة باول.
يتذكر أحد الوزراء لحظة تلقيه خبر انهيار قضية التجسس الصيني أثناء مكالمة هاتفية قبل ستة أسابيع، حيث نقل وزير آخر أن القرار تم بدفع من باول مع الخزانة لإرضاء الصين لضمان استمرار الاستثمار. وانتشرت أخبار إسقاط التهم بسرعة بين الوزراء الغاضبين.
وردًا على الاتهامات، قالت كيمي بادينوك ، زعيمة حزب المحافظين: ” أسقطت الحكومة قضية التجسس الصينية عمدًا وحاولت التغطية عليها، ما أدى إلى تضليل الجمهور والبرلمان وتهديد علاقتنا بأقرب حليف لنا. على ستارمر المثول أمام البرلمان فورًا والكشف عن الإجراءات التي اتخذتها حكومته وكيفية تصحيح هذه الكارثة.”
وأكد السير ريتشارد ديرلوف، رئيس MI6 السابق، أن موقف باول يثير أسئلة حول ملاءمته للمنصب، مشيرًا إلى أن أي استسلام للضغط الصيني سيكون أمرًا لا يُغتفر.
جدل حول ستارمر وخطط السفارة الصينية وتعويض British Steel

ويطالب حزب الليبراليين الديمقراطيين بعقد نقاش يوم الإثنين، بينما يستكشف المحافظون إمكانية رفع دعاوى جنائية ضد الحكومة لتضليل العدالة أو التعاون مع دولة أجنبية وفق قانون الأمن القومي الجديد. وقالت بريتي باتيل، وزيرة الخارجية المعارضة، إن من المستحيل أن يكون الوزراء غير متورطين في القرار، مشيرة إلى أنها أسست عملية المجموعة الاستشارية الوزارية التي عقدت اجتماعات أسبوعية لمناقشة قضايا الأمن القومي.
ويواجه ستارمر المزيد من التساؤلات حول الصين مع اقتراب اتخاذ قرار بشأن خطط السفارة الصينية في وسط لندن، إذ تأجل المشروع عدة مرات، ومن المتوقع الموافقة عليه في النهاية. وأفادت مصادر لـSunday Times أن مالكي British Steel الصينيين اقترحوا التنازل عن التعويض البالغ 1 مليار باوند مقابل السماح ببناء السفارة، بينما ترى الحكومة أن المصنع لا يساوي شيئًا تقريبًا بعد أن تولت السيطرة عليه في أبريل وسط مخاوف من تدهور الشركة وفقدان آلاف الوظائف.
القضية تكشف عن اختلالات خطيرة في إدارة الأمن القومي البريطاني وتسلط الضوء على هشاشة الرقابة الداخلية في التعامل مع الملفات الحساسة مثل التجسس الأجنبي. الانهيار المفاجئ للمحاكمة يشير إلى احتمال وجود تداخل مصالح سياسية وتجارية مع الأمن القومي، ما قد يضع ثقة الحلفاء والجمهور على المحك.
كما تُبرز الحاجة إلى تعزيز آليات المراقبة والحوكمة الداخلية في الأجهزة الاستخباراتية والإدارات الحكومية لضمان أن أي قرار مستقبلي يتعلق بالأمن القومي لا يتأثر بالضغوط الخارجية، مع ضمان وضوح وفعالية المساءلة لجميع المسؤولين.
المصدر : The Sunday Times
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇
