العرب في بريطانيا | وداع يحملنا ولقاء ينتظرنا

1447 جمادى الأولى 22 | 13 نوفمبر 2025

وداع يحملنا ولقاء ينتظرنا

ريمArtboard-2-copy (1)
ريم العتيبي August 29, 2025

لحظات الوداع للأهل تحمل في طياتها عبقًا خاصًا لا يشبه أي شعور آخر؛ فهي مزيج من حنين يسكن القلب، وامتنان يغمر الروح، وتطلع نحو غدٍ يزهو بالأمل. وحين يقترب موعد العودة إلى بريطانيا، حيث تنتظرنا مقاعد الدراسة لأبنائنا ومسيرة العمل واستقرار الحياة، يتجدد الإحساس بمعنى التوازن بين جذورٍ نغترف منها القوة، وأجنحةٍ تحملنا نحو المستقبل.

الوداع ليس فراقًا بقدر ما هو تجديد عهدٍ بالحب؛ فكل لحظة نقضيها مع الأهل تترك بصمة لا تزول، وكأنها زاد روحي نحمله معنا في رحلتنا. تلك الدعوات الصادقة، وتلك الابتسامات الممزوجة بالدموع، هي وقود الأيام المقبلة، تضيء لنا الدرب مهما ابتعدت المسافات.

وفي المقابل، فإن العودة إلى مكان الإقامة والعمل تحمل بين ثناياها معنى آخر؛ معنى المسؤولية والجد والاجتهاد. إنها محطة نستكمل فيها البناء، ونفتح لأبنائنا أبواب العلم، ونغرس في قلوبهم أن الغربة ليست فقدًا بل فرصة، وأن كل عودة للأهل بعدها ستكون أعمق حبًا وأغنى أثرًا.

هكذا يصبح الوداع جسرًا بين عالمين: أحدهما يمدنا بالحنان، والآخر يفتح لنا آفاق التقدّم. وما بينهما قلب مطمئن بأن اللقاء قادم، وأن المسافات لا تنال من قوة الروابط بل تزيدها رسوخًا.

ولعل أجمل ما في الوداع أنه يعلّمنا قيمة اللقاء، ويشعرنا بأن ما نعيشه بين أهلنا ليس أمرًا عابرًا، بل هو نعمة تستحق الشكر في كل لحظة. وحين نتأمل نظرات الأمهات والآباء، ونستمع إلى كلماتهم التي تخرج من القلب لتستقر في القلب، ندرك أن جذورنا أعمق من كل سفر، وأننا مهما ابتعدنا سنعود حاملين شغف البقاء بينهم. إن الغربة، مهما طالت، لا تستطيع أن تنتزع من أرواحنا حنين الوطن، ولا أن تُضعف دفء العائلة الذي يرافقنا في تفاصيل أيامنا.

فلنمضِ مبتسمين، نحمل في حقائبنا شيئًا أثمن من كل شيء: دفء الأهل ودعواتهم، وذكريات ستحفر في الذاكرة ملامح وجوه نحبها أكثر من أنفسنا. بإيمانٍ بأن كل وداع هو وعدٌ بلقاء أجمل، وأنه ما هو إلا محطة سرعان ما يتبعها لقاء جديد يمتلئ بفرحٍ مضاعف بإذن الله تعالى.

اللهم إنا استودعناك أهلنا وأحبابنا فاحفظهم بحفظك،
اللهم اجعل لقاءنا بهم متجددًا عامرًا بالفرح، واجعل الفراق بيننا قصيرًا برحمتك، وبارك في أعمارهم فيما يرضيك،
اللهم هيئ لنا ولأبنائنا سبل العلم والعمل الصالح، وافتح لنا أبواب التوفيق حيث كنا، وقرّ أعيننا برؤية ثمار جهدنا وبسلامة أهلنا ودوام وصلنا،

يا رب كما جمعتنا على مائدة المحبة وسهرات الدفء في بيت العائلة بيت الأمان، فاجمعنا دومًا على طاعتك، وبلّغنا لقاءً قادمًا يحمل من الفرح أضعاف ما حمل وداعنا من دموع.

اللهم آمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة