غزة تخطف الأضواء في غلاستنبري: المهرجان الموسيقي يتحول إلى ساحة تضامن وتحد للرقابة
في مشهد غير مسبوق، تحوّل مهرجان غلاستنبري، أحد أبرز المحافل الموسيقية في بريطانيا والعالم، إلى منصة سياسية وفنية للتضامن العلني مع فلسطين، وسط تصاعد الغضب الشعبي تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
هتافات.. رايات فلسطينية.. فنانون يرفعون صوتهم بلا مواربة.. وجمهور يردّ باهتمام بالغ ورسائل واضحة… كلها مؤشرات على أن غزة لم تكن غائبة عن خشبة المهرجان، بل كانت حاضرة في كل زاوية وصوت.
“الموت لجيش الاحتلال الإسرائيلي” يهزّ أرجاء المسرح
في تحدٍ صريح للحكومة البريطانية وشبكة بي بي سي المتهمة بالتواطؤ مع إسرائيل، هتف المغني المعروف بوب فيلان أمام أكثر من 200 ألف شخص في مهرجان غلاستونبري: “الموت للجيش الإسرائيلي… فلسطين يجب أن تكون، وستكون، إن شاء الله، حرّة.”
جاء ذلك بعد منع قناة بي بي سي عرض فقرة فرقة نيكاب… pic.twitter.com/Psf9XIxqkO
— AUK العرب في بريطانيا (@AlARABINUK) June 29, 2025
افتتحت فرقة (Bob Vylan) البريطانية المشهد الغاضب بعرض صاخب على مسرح West Holts، حيث قاد المغني الرئيسي هتافًا ردّده آلاف الحاضرين: “الموت للـIDF (جيش الاحتلال الإسرائيلي)”، فيما رفرفت الأعلام الفلسطينية فوق الحشود التي تفاعلت بانسجام مع الرسائل السياسية للعرض.
وما أثار الانتباه أن قناة BBC نقلت العرض مباشرة دون رقابة مسبقة، قبل أن تتراجع لاحقًا وتحجبه عن منصاتها، مشيرة إلى أن بعض العبارات كانت “مسيئة للغاية” في نظرها—رغم أنها تعكس شعورًا عامًا بالرفض الشعبي لجرائم موثقة تُرتكب بحق المدنيين في غزة.
فرقة نيكاب تتحدّى الرقابة الرسمية
فرقة (Kneecap) الإيرلندية، المعروفة بأدائها باللغة الإيرلندية ومواقفها المناهضة للاستعمار، أثارت عاصفة سياسية منذ لحظة الإعلان عن مشاركتها.
أحد أعضاء الفرقة، ليام أوغ أو هاناي، المتهم بمخالفة قانون الإرهاب بعد رفعه علم حزب الله في عرض سابق، صعد إلى خشبة المسرح مرتديًا كوفية فلسطينية وقميصًا كُتب عليه:
“كلنا بال أكشن”، في إشارة إلى الجماعة التي تسعى الحكومة البريطانية لحظرها.
وخاطب الجمهور قائلًا:
“أنا رجل حر، رغم أن رئيس وزرائكم قال إنه لا ينبغي لنا أن نؤدي هنا.”
ثم انطلقت الهتافات: «فلسطين حرة، حرة!»، وسط صيحات استهجان لسياسات كير ستارمر، الذي وصف في وقت سابق مشاركة الفرقة بأنها “غير مناسبة”.
دموع نادين شاه
وفي اليوم الأخير من المهرجان، اعتلت الفنانة البريطانية نادين شاه خشبة “The Other Stage” في عرض مؤثر حوّل الموسيقى إلى شهادة حية على معاناة أطفال غزة. أدّت عرضها أمام شاشة ضخمة تُظهر صورًا لمدينة غزة المدمّرة، واختتمته بتشغيل رسائل صوتية لأطفال فلسطينيين يقول بعضهم ببساطة: “أنا ما زلت حيًّا”. وبدت شاه متأثرة بشدة، إذ انهمرت دموعها على المسرح بينما كانت أصوات الأطفال تُبث في الخلفية.
شاه، المعروفة بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، ارتدت شارة تحمل علم فلسطين، وقرأت على المسرح رسالة مفتوحة من “فنانون من أجل فلسطين – المملكة المتحدة”، عبّرت فيها عن رفضها لقرار الحكومة البريطانية المزمع تصنيف جماعة Palestine Action كمنظمة “إرهابية”. وقالت بصوت واضح:
“نرفض تجريم العمل المباشر اللاعنفي… التهديد الحقيقي للديمقراطية لا يأتي من فلسطين أكشن، بل من محاولات وزيرة الداخلية لحظرها.”
وأضافت بنبرة تحذيرية: “لو قرأت هذه الرسالة بعد 4 يوليو، قد أُعرض نفسي للملاحقة القضائية.”
وقد اختتمت عرضها بأغنية أخيرة، وقفت بعدها إلى جانب فرقتها بينما استمر تسجيل الأطفال الفلسطينيين في الصدح عبر مكبرات الصوت. مشهد اختصر كيف أصبحت غزة في هذا المهرجان ليست مجرد قضية، بل ضميرًا حاضرًا يهتف، يبكي، ويُجبر العالم على الإنصات.
لحظة تتجاوز الفن
لم يكن ما حدث مجرّد عرض فنّي عابر، بل انعكاسًا لتحوّل متنامٍ في الوعي العام البريطاني تجاه القضية الفلسطينية.
فما كان يُهمّش أو يُتجاهل في السابق، بات اليوم في قلب المشهد الفني والجماهيري، مدفوعًا بغضبٍ لا يمكن كتمه، وتعاطف شعبي يتزايد رغم محاولات الدولة والإعلام كبحه.
ورغم التضييق الرسمي ومحاولات فرض الرقابة، أصر الفنانون—من Bob Vylan إلى Kneecap، مرورًا بـ نيلوفر يانيا وغالية بن علي—على أن تكون غزة جزءًا من صوت المهرجان، لا هامشه.
ماذا لو لم تكن فلسطين؟
هذا القدر من التدقيق، من المطالبة بالإلغاء، من مساءلات لهيئة الـBBC، ومن البيانات الوزارية… لم يكن ليحدث لو أن الموضوع لم يخص فلسطين.
لو كانت الهتافات ضد أي جيش آخر، أو الرسائل موجهة لقضية بعيدة، لما اهتزّت الحكومة، ولا خرجت تصريحات من رئيس الوزراء، ولا تدخّلت الشرطة.
لكن حين يُذكر اسم فلسطين، تُستفَزّ المؤسسات، وتُكسَر القواعد، وتظهر ازدواجية المعايير بوضوحٍ سافر.
وربما لهذا السبب، كانت غزة نجمًا مركزيًا في غلاستنبري 2025، لأنها كسرت جدار الصمت، وانتزعت مساحة في أحد أكبر المهرجانات الثقافية في العالم.
لم يكن مهرجان غلاستنبري هذا العام مجرّد احتفاء بالموسيقى، بل تحوّل إلى معركة رمزية بين حرية التعبير والرقابة، بين صوت الفن وسيف السياسة.
وفي هذه المعركة، انتصرت غزة—ولو مؤقتًا—بهتاف، بعلم، وبحشد لم يتردد في قول الحقيقة بصوتٍ عالٍ.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
