بريطانيا تتسلم ملفًا بشأن جرائم حرب ارتكبتها قوات الدعم السريع في السودان

في تطور بارز على الساحة القضائية الدولية، تسلّمت الشرطة البريطانية، ممثلة بوحدة مكافحة الإرهاب (SO15) التابعة لشرطة العاصمة “ميتروبوليتان”، ملفًا يحتوي على أدلة موثقة حول جرائم حرب يُزعم أن قوات الدعم السريع السودانية ارتكبتها.

وقد أعدّ الملف فريق من المحامين المتخصصين في القانون الدولي، ويقيمون في لندن. ويقع في 142 صفحة، ويتضمّن توثيقًا لانتهاكات خطيرة تشمل القتل والتعذيب والعنف الجنسي ضد المدنيين. ويؤكد التقرير أن هذه الجرائم نُفذت بشكل ممنهج من قبل قوات الدعم السريع، بدعم مزعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة.

حرب أهلية دامية

يأتي هذا التحرك القانوني في ظل استمرار الحرب الأهلية في السودان، والتي اندلعت في نيسان/أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان. وأسفرت هذه الحرب عن مقتل الآلاف، وتشريد أكثر من 10 ملايين شخص، ودفع أكثر من 12 مليونًا إلى حافة المجاعة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

وفي سياق ذي صلة، كشف تحقيق مستقل أجرته مؤسسة Raoul Wallenberg Centre عن “أدلة واضحة ومقنعة” تشير إلى أن قوات الدعم السريع، إلى جانب ميليشيات عربية متحالفة معها، ارتكبت جرائم إبادة جماعية بحق قبيلة المساليت، وهي جماعة أفريقية سوداء تقطن ولاية غرب دارفور.

وقد تحولت هذه الولاية إلى ساحة لموجة من الهجمات العنيفة ذات الطابع العرقي، شملت مذابح وعمليات تهجير قسري استهدفت أفراد الجماعة بشكل ممنهج.

الإمارات تحت المجهر القضائي

تتزامن هذه التطورات مع دعوى قانونية رفعتها الحكومة السودانية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها دولة الإمارات بتقديم دعم مالي وعسكري مباشر لقوات الدعم السريع، الأمر الذي يشكل – بحسب الاتهامات – خرقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

وتعتبر الخرطوم أن هذا الدعم الإماراتي يُعد تواطؤًا في الجرائم المرتكبة. في المقابل، تنفي الإمارات هذه الاتهامات جملةً وتفصيلًا، مشيرة إلى أن المحكمة تفتقر إلى الصلاحية للنظر في القضية، بسبب تحفظها على المادة التاسعة من الاتفاقية. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة قرارها حول الولاية القضائية في وقت قريب.

دعم قانوني بارز ومطالبة بمحاسبة القيادات

حظي تقديم الملف إلى السلطات البريطانية بدعم كبير من شخصيات قانونية مرموقة، من أبرزهم القاضي البريطاني السابق في المحكمة الجنائية الدولية، السير هوارد موريسون، الذي أثنى على “النهج الجديد والجريء” الذي تتبعه وحدة مكافحة الإرهاب (SO15)، معتبراً أنه يُعزز فرص تحقيق العدالة لضحايا النزاع في دارفور.

ويُبرز الملف أن “القيادة العليا لقوات الدعم السريع كانت على دراية بوقوع جرائم الحرب، وبالتالي تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة بموجب القانونين الدولي والإنساني”.

عنف جنسي موثق في تقارير أممية وإعلامية

في ما يخص الجرائم المرتكبة بحق النساء والفتيات، أورد تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية أدلة على مجموعة واسعة من الانتهاكات الجنسية التي نفذتها قوات الدعم السريع، بما في ذلك الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، والاستعباد الجنسي.

وقد تقاطعت هذه الشهادات مع ما نشره موقع Middle East Eye، والذي أشار إلى أن نساء وفتيات – بعضهن لم يتجاوزن 12 عامًا – تعرضن لاعتداءات جنسية مروعة في مناطق متعددة من دارفور، نفذها رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع.

وسبق للولايات المتحدة أن اتهمت هذه القوات بارتكاب “فظائع ممنهجة”، وفرضت عقوبات على قائدها حميدتي، في إطار جهود دولية متصاعدة لمحاسبة الأطراف المتورطة في النزاع السوداني.

الأمم المتحدة: طرفا النزاع مسؤولان عن جرائم حرب

وفي عام 2024، خلص تقرير صادر عن بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن السودان إلى أن كلا طرفي النزاع – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – ارتكبا انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ترقى إلى جرائم حرب، ما يسلط الضوء على تعقيد الوضع الميداني، ويعزز الحاجة إلى تدخل دولي فعال لإحقاق العدالة.

أمل بملاحقة قضائية دولية

أعربت المحامية الرئيسية المشاركة في إعداد الملف، لوشيا بريسكوفا، عن أملها في أن يكون تقديم هذا الملف نقطة انطلاق نحو ملاحقة المسؤولين قضائيًا، قائلة: “نعتقد أن هذا التحرك يمثل خطوة مهمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب، وتحقيق قدر من العدالة للضحايا الذين عانوا طويلًا في دارفور والسودان”.

المصدر: ميدل إيست آي

اقرأ أيضًا:

• تحقيق سكاي نيوز: طائرات مسيرة تقتل نازحين وأطفالًا في السودان
• فيلم وثائقي جديد السودان.. تذكّرون يعرض قريبًا في دور السينما البريطانية
• تداعيات النزاع في السودان: ما الذي يحدث؟ وما خيارات الدعم الإنساني؟