العرب في بريطانيا | صفقات دفاعية مقابل التنازل عن حقوق الصيد: ما ال...

1446 ذو الحجة 20 | 17 يونيو 2025

صفقات دفاعية مقابل التنازل عن حقوق الصيد: ما الذي تخفيه بريطانيا؟

final_image_68074837f38dc3.20221191
رجاء شعباني April 22, 2025

في تطوّر لافت يعكس تحوّلًا في أولويات السياسة البريطانية بعد بريكست، بات رئيس الوزراء كير ستارمر على بُعد خطوات من توقيع اتفاق دفاعي واسع مع الاتحاد الأوروبي يفتح الباب أمام شركات السلاح البريطانية للمنافسة على عقود بمليارات اليوروهات، مقابل تقديم تنازلات لصالح بروكسل في ملف شائك طالما اعتُبر سياديًا: حقوق الصيد في المياه البريطانية.

وتُظهر الوثائق والتصريحات المسربة أن الحكومة البريطانية وافقت على تخفيف موقفها التفاوضي بشأن حصص صيد الأسماك، في محاولة لتأمين انضمامها إلى صندوق دفاعي أوروبي بقيمة 150 مليار يورو، في خطوة أثارت جدلًا داخليًا وانتقادات من قطاع الصيد البحري، في مقابل إشادة من أوساط الصناعات الدفاعية.

صفقة عسكرية بمليارات اليوروهات

Resource: The Times

تسعى بريطانيا، ضمن خطط “إعادة ضبط العلاقات” مع الاتحاد الأوروبي، إلى ضم شركاتها الدفاعية إلى برنامج “العمل الأمني من أجل أوروبا” (SAFE)، وهو صندوق مشترك يستهدف تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية من خلال تمويل مشتريات تشمل الذخائر والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة.

وكانت شركات بارزة مثل “بي إيه إي سيستمز” و”بابكوك” مستبعدة من المشاركة في البرنامج، في حين سُمح لدول مثل النرويج وكوريا الجنوبية واليابان وألبانيا بالانضمام، على خلفية غياب اتفاق أمني بين لندن وبروكسل.

في المقابل، دفع ستارمر نحو إعادة بناء الثقة، ملوّحًا باستعداد لندن لتوقيع اتفاق دفاعي جديد يُمكّن الشركات البريطانية من دخول السوق الأوروبية. وتُعوّل الحكومة البريطانية على قمة مرتقبة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في لندن بتاريخ 19 مايو المقبل، لتكون منصة لإعلان التفاهمات الجديدة.

في كواليس المفاوضات، لعبت فرنسا دورًا محوريًا في ربط الاتفاق الدفاعي بملف حقوق الصيد. وأصرت باريس على أن موافقتها على إدراج بريطانيا في الصندوق الدفاعي تمرّ عبر ضمانات بشأن حصص صيد أسماك الحدوق والرنجة والقد.

وأثار هذا الربط استياء عدد من الدول الأوروبية، أبرزها بولندا ودول البلطيق، التي عبّرت عن دهشتها من “إصرار الفرنسيين على السمك في وقت تمر فيه القارة بأزمة أمنية حادة”. وقالت كايا كالاس، وزيرة خارجية إستونيا والممثلة الدائمة للاتحاد الأوروبي: “أُفاجَأ بأهمية السمك في هذه المرحلة”، في تصريح ردده مسؤولون بريطانيون لاحقًا.

رغم ذلك، أبدى المفاوضون البريطانيون استعدادًا لتقديم تنازلات تشمل توقيع اتفاق متعدد السنوات بشأن حقوق الصيد، بدلًا من المفاوضات السنوية التي كانت تجرى بين الاتحاد الأوروبي والنرويج.

علاقة “استعمارية جديدة” في أعين الصيادين

Resource: The Times

الاتفاق الحالي، المقرر انتهاء صلاحيته في 2026، قلّص حصة الصيادين الأوروبيين في المياه البريطانية إلى 75% من مستويات ما قبل خروج بريطانيا من الاتحاد. لكن تقارير إعلامية كشفت أن نسبة كبيرة من تلك الحصة انتهت بيد شركات أجنبية ترفع العلم البريطاني، مما أثار انتقادات من داخل قطاع الصيد نفسه.

وأظهر تحقيق سابق أجرته BBC في عام 2021 أن نحو 160 مليون باوند من الحصة – ما يعادل 55% من قيمتها السنوية في 2019 – امتلكتها شركات مسجلة في آيسلندا وإسبانيا وهولندا. وقد وصفت “الاتحاد الوطني لمؤسسات الصيد البحري” الوضع الحالي بأنه “علاقة استعمارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي”، محذرًا من أن أي تنازل إضافي سيكرّس التبعية الاقتصادية في أحد أكثر القطاعات حساسية من حيث السيادة الوطنية.

في تبرير هذا التوجه، يشير اقتصاديون إلى الفارق الهائل في العائدات بين القطاعين: فصادرات الصناعات الدفاعية البريطانية سجّلت في عام 2023 ما قيمته 14.5 مليار باوند، في حين لم تتجاوز مبيعات الأسماك 1.7 مليار باوند.

ومع تسارع المفاوضات، باتت لندن مستعدة لتجميد الحصص الحالية بدلًا من تقليصها، وهو ما يُعتبر تنازلًا ضمنيًا لصالح بروكسل، وإن جاء باسم المصلحة العليا للاقتصاد البريطاني.

تنازلات أوسع تشمل الغذاء والانبعاثات

وزارة الدفاع البريطانية

لم يتوقف الأمر عند ملف الصيد، بل شمل مجالات أخرى. إذ وافق ستارمر على تبنّي سياسة “المواءمة الديناميكية” مع قوانين الاتحاد الأوروبي في مجال الغذاء، بما يتيح إزالة القيود الصحية والبيطرية عند الموانئ مثل دوفر. كما قبل بمواءمة بريطانية لنظام “تجارة الانبعاثات”، وهو ما يعني فرض رسوم كربونية متوافقة مع المعايير الأوروبية.

ورغم عدم وجود نص رسمي للاتفاق بعد، إلا أن مصادر أوروبية أكدت لـ The Times أن “بريطانيا تقدم التنازلات المطلوبة، وهو مؤشر نضج لم يكن حاضرًا خلال مفاوضات البريكست”، حسب تعبير دبلوماسي أوروبي.

يبقى أحد الملفات العالقة هو مقترح “برنامج التنقل الشبابي”، الذي تطالب به بروكسل ويهدف إلى السماح للشباب بين 18 و30 عامًا بالإقامة مؤقتًا في بريطانيا. في المقابل، ترفض وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر إدراج هذا البرنامج ضمن إحصائيات الهجرة، وتُصر على أن لا تتجاوز مدة الإقامة عامًا واحدًا، مع فرض سقف للتأشيرات.

لكن وزيرة الخزانة رايتشل ريفز أبدت دعمها للبرنامج، استنادًا إلى دراسات اقتصادية تشير إلى تأثيره الإيجابي في تحفيز النمو.

لا اتفاق بعد… لكن الطريق بات ممهّدًا

Resource: The Times

قال متحدث باسم الحكومة البريطانية إن “قمة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي المقبلة ستتناول ملفات متعددة ضمن إطار بناء علاقة مستقرة وإيجابية بما يخدم المصلحة الوطنية البريطانية”. وأضاف: “لم يُبرم أي اتفاق حتى الآن، وموقفنا واضح في حماية مصالح قطاع الصيد”.

وأكد المتحدث أن بريطانيا لا تزال رائدة في مجال الدفاع والأمن الأوروبي، ومستعدة لتوقيع اتفاق شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد.

في ظل تصاعد التهديدات الأمنية في القارة، وتصاعد الضغوط الاقتصادية، يبدو أن حكومة ستارمر تسير بخطى ثابتة نحو مقايضة حساسة بين السيادة البحرية والمكاسب الصناعية. لكنها مقايضة قد تعيد فتح جراح “بريكست” داخل الشارع البريطاني، وتُثير سؤالًا عالقًا: هل أصبحت المصالح الاستراتيجية تُعاد تعريفها وفق منطق السوق، لا الجغرافيا؟

المصدر: التايمز 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
6:29 pm, Jun 17, 2025
temperature icon 27°C
overcast clouds
41 %
1023 mb
9 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 96%
Visibility 10 km
Sunrise 4:42 am
Sunset 9:20 pm