الحكومة البريطانية تعقد اجتماعًا سريًا مع أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية

كشفت وثائق رسمية أن الحكومة البريطانية بقيادة حزب العمال عقدت اجتماعًا سريًا مع شركة “إلبيت سيستمز”، أكبر مصنع للأسلحة الإسرائيلية، وذلك بعد أشهر من استخدام طائرة مُسيّرة تابعة للشركة في هجوم أدى إلى مقتل ثلاثة جنود بريطانيين سابقين في غزة.
الاجتماع، الذي حضره مسؤولون في وزارة الداخلية البريطانية، يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقات بين لندن وتل أبيب، خاصةً في ظل تكثيف الجهود الحكومية لقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في بريطانيا.
اجتماع غامض وسط صمت الحكومة
وعُقد الاجتماع في ديسمبر 2024، بحضور ثلاثة ممثلين عن “إلبيت سيستمز” وثلاثة مسؤولين من وزارة الداخلية البريطانية بقيادة إيفيت كوبر. وبينما حصل موقع (Declassified) على وثائق الاجتماع بموجب طلب حرية المعلومات، امتنعت وزارة الداخلية عن الكشف عن تفاصيل المناقشات أو هوية المسؤولين الحاضرين. كما أكدت أن الاجتماع سُجِّل، لكن “بالاتفاق المتبادل” مع “إلبيت”، تقرر عدم نشر التسجيل.
وأثار الاجتماع جدلًا واسع النطاق، خاصةً أنه جاء بعد فترة قصيرة من استخدام القوات الإسرائيلية طائرة مُسيّرة من إنتاج “إلبيت” في هجوم في غزة قتل ثلاثة من قدامى المحاربين البريطانيين أثناء حمايتهم قافلة مساعدات إنسانية. ورغم ذلك، لم تعلن الحكومة البريطانية أي موقف يُدين هذه الضربة، ما يعكس طبيعة العلاقة الوثيقة بين لندن وشركات الأسلحة الإسرائيلية.
ولم يكن هذا الاجتماع الأول بين الحكومة البريطانية و”إلبيت”، إذ كشفت الوثائق أن حكومة حزب المحافظين السابقة عقدت لقاءات مماثلة مع الشركة، بل وحثّت الشرطة البريطانية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد النشطاء المناصرين لفلسطين.
“إلبيت” تدير خلية استخباراتية في بريطانيا
ولم يقتصر نفوذ “إلبيت” على الاجتماعات السرية مع الحكومة، بل كشفت الوثائق أن الشركة تدير خلية استخباراتية خاصة بها في بريطانيا، تُشارك معلومات مع الشرطة البريطانية على أساس منتظم كل أسبوعين. ورغم خطورة هذا الكشف، التزمت الشركة الصمت ولم تردّ على طلب للتعليق.
ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه السلطات البريطانية ضغوطًا متزايدة لكبح جماح الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، ما يثير تساؤلات حول دوافع الاجتماع الأخير بين وزارة الداخلية و”إلبيت”، خاصةً بعد تصعيد غير مسبوق ضد حركة “بال أكشن”، التي تستهدف المنشآت المرتبطة بصناعة الأسلحة الإسرائيلية في بريطانيا.
وفي ربيع 2023، شنّت “بال أكشن” حملة ضد مصنع الطائرات المسيرة (UAV Tactical Systems) في ليستر، المملوك لـ”إلبيت” وشركة الأسلحة الفرنسية “تاليس”. وخلال الحملة، عقد وزير الأمن البريطاني آنذاك، كريس فيلب، اجتماعًا مع نائب قائد شرطة ليسترشاير لمناقشة الاحتجاجات المستمرة.
ووفقًا لتقرير للشرطة حصل عليه (Declassified)، فقد أوصى الاجتماع بضرورة “دعم الأنشطة التجارية المشروعة للشركة”، بما في ذلك التنسيق مع “ميتا” (فيسبوك وإنستغرام) لاتخاذ إجراءات ضد المحتوى المؤيد لفلسطين. كما دعت التوصيات إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد النشطاء واحتجازهم لفترات أطول، مع التركيز على حماية الشركة بدلًا من ضمان الحق في التظاهر السلمي.
تنسيق بين الحكومة وشركة الأسلحة الإسرائيلية
ولم تكن هذه التحركات استثناءً، إذ أظهرت الوثائق أن الحكومة البريطانية تواصلت بشكل وثيق مع “إلبيت” في عدة مناسبات، حيث التقى وزير الخارجية البريطاني السابق، دومينيك راب، في أغسطس 2020 بوزيرة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية آنذاك، أوريت فركاش-هكوهين، التي اشتكت من تصاعد الهجمات على مكاتب “إلبيت” في لندن. وأكد لها راب التزام الحكومة البريطانية بـ”وقف مثل هذه الأنشطة”.
وفي عام 2022، عقدت وزيرة الداخلية آنذاك، بريتي باتيل، اجتماعًا خاصًا مع مارتن فوسيت، الرئيس التنفيذي لـ”إلبيت سيستمز” لمناقشة “الاحتجاجات والأمن”. وكشفت الوثائق أن الاجتماع كان يهدف إلى طمأنة “إلبيت” بأن الحكومة تأخذ التهديدات ضدها على محمل الجد. وعقب الاجتماع، أعربت باتيل عن “قلقها العميق” بشأن تصاعد احتجاجات “بال أكشن”، وقدّمت قائمة مقترحات لم يُكشف عنها بالكامل حتى الآن.
تشديد العقوبات ضد النشطاء
وبعد اجتماع باتيل، أخفقت السلطات البريطانية في تأمين إدانات ضد نشطاء “بال أكشن”، لكن بعد شهر واحد فقط، تدخلت المدعية العامة آنذاك، سويلا برافرمان، في قضية أربعة نشطاء برأتهم المحكمة من إسقاط تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون في بريستول، وأحالتها إلى محكمة الاستئناف.
وأثار تدخلها انتقادات واسعة، حيث وصفه المحامي راج تشادا بأنه “تهديد خطير لنزاهة النظام القضائي”. وأسفر ذلك عن حكم جديد يقضي بأن “إلحاق ضرر كبير بالممتلكات خلال الاحتجاج” لا يتمتع بالحماية بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ما منح السلطات البريطانية صلاحيات أوسع لملاحقة نشطاء “بال أكشن”، وأدى لاحقًا إلى إدانات في صفوفهم.
وفي أبريل 2023، شارك وزير الأمن البريطاني كريس فيلب في اجتماع مع ممثلين عن “إلبيت”، و”تاليس”، والمركز الوطني لتنسيق الشرطة، ووزارة الداخلية. كما حضر الاجتماع نائب مدير مكتب المدعي العام البريطاني، رغم أن النيابة العامة من المفترض أن تبقى مستقلة عن الحكومة.
وكشفت الوثائق أن الاجتماع كان يستهدف طمأنة قطاع صناعة الأسلحة بأن الحكومة “تأخذ تهديدات بال أكشن على محمل الجد”. وفي تلك الفترة، بدأت الحكومة مناقشة تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية.
ورغم أن وثائق داخلية أكدت أن “بال أكشن” لا تفي بمعايير التصنيف كمنظمة إرهابية بدأت الشرطة البريطانية في اعتقال بعض نشطائها بموجب قانون الإرهاب، وهو تصعيد أثار قلق الأمم المتحدة.
وحذّر الخبير الأممي بن ساول في رسالة إلى وزارة الداخلية البريطانية من أن “اعتبار العمل المباشر- حتى لو تضمن بعض العنف- إرهابًا، يُمثل تضخيمًا غير مُبرّر للفعل، ويُشكّل خطرًا على حرية التعبير”.
تصعيد غير مسبوق ضد النشطاء
وبهذا الصدد قالت هدى عموري، المؤسسة المشاركة لـ”بال أكشن”: إن “هناك 18 ناشطًا من الحركة محتجزون حاليًّا بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، في حملة غير مسبوقة ضد المناهضين للإبادة الجماعية”.
وطالبت بالكشف عن جميع الاجتماعات الحكومية التي تناولت أنشطة الحركة، وإجراء تحقيق مستقل في مدى مشروعية الملاحقات القضائية ضدها، خاصةً بعد الكشف عن أدلة تُشير إلى تدخل سياسي مباشر في عمل القضاء.
وعند طلب التعليق، رفضت وزارة الداخلية البريطانية الإدلاء بأي تصريح بشأن القضية، ما يزيد من الغموض حول دور الحكومة في استهداف النشطاء المناصرين لفلسطين في بريطانيا.
المصدر: Declassified UK
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇