اليمين المتطرف في بريطانيا يشن هجومًا على الذبح الحلال في منشور مليوني

لم يكن الجدل الدائر في بريطانيا حول الذبح الحلال وليد اللحظة، بل يأتي في سياق طويل من الاستهداف المنهجي للمسلمين ومعتقداتهم تحت ذرائع مختلفة. فبينما تواجه البلاد أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة، يبدو أن بعض الساسة اليمينيين وجدوا في الإسلاموفوبيا أداة جاهزة لحشد الدعم وصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية.

روبرت لو، النائب السابق عن حزب الإصلاح اليميني المتطرف (Reform UK)، أحد هؤلاء الساسة الذين سعوا في الأسابيع الأخيرة إلى إعادة إحياء خطاب الكراهية الموجه ضد المسلمين، عبر استهداف الذبح الحلال. ففي 7 مارس 2025، غرّد عبر منصة “إكس” قائلاً:

“الذبح الحلال هو طريقة وحشية ومؤلمة للغاية لموت الحيوان – هذا العذاب القاسي لا يمكن تبريره. يجب أن تكون رعاية الحيوان فوق الذبح الحلال. بصفتي مزارعًا، أعتقد أن الحيوانات يجب أن تُذبح بأكثر الطرق الإنسانية الممكنة، دون ألم غير ضروري.”

لم تلبث هذه التغريدة أن أشعلت موجة من الجدل، متجاوزة حاجز 3 ملايين مشاهدة، وسط سيل من الانتقادات التي اتهمت لو بازدواجية المعايير، متسائلين: لماذا لم يتطرق إلى الذبح وفق الشريعة اليهودية (الكوشير) الذي يتبع أسسًا مشابهة للذبح الحلال؟

أحد المعلقين تساءل قائلاً:

“من المثير للاهتمام أن أمثالكم لا يتحدثون أبدًا عن الذبح الكوشير. يبدو أن القضية ليست رعاية الحيوان، بل مجرد وسيلة أخرى للهجوم على المسلمين.”

ردود الفعل الغاضبة لم تكن مفاجئة، فهذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها قضية الذبح الحلال كأداة سياسية لإذكاء العداء ضد المسلمين في بريطانيا، ضمن تيار يميني متصاعد يسعى إلى استغلال كل ما هو إسلامي لتأجيج المخاوف وإشغال الرأي العام بقضايا زائفة.

ذريعة “حقوق الحيوان”.. غطاء لحملة استهداف ممنهجة

على الرغم من أن أكثر من 80% من اللحوم الحلال في بريطانيا تُذبح بعد الصعق الكهربائي وفقًا للقوانين البريطانية، إلا أن الهجمات على الذبح الحلال تتكرر باستمرار، ويعاد تدويرها في المشهد السياسي كلما اقتضت الحاجة لصناعة عدو مشترك يمكن إلقاء اللوم عليه في مشكلات البلاد المتفاقمة.

لماذا الهجوم المتكرر على الذبح الحلال؟

1. الإسلاموفوبيا تحت قناع الرفق بالحيوان
المطالبات بحظر الذبح الحلال لا تمت بصلة إلى رعاية الحيوان، وإلا لكان هناك دعوات مماثلة لحظر الذبح الكوشير ومحاسبة المسالخ الصناعية على ممارساتها الوحشية.

2. إشغال الرأي العام عن الأزمات الحقيقية
مع تزايد الضغوط الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة، يلجأ الساسة اليمينيون إلى إثارة الجدل حول قضايا هامشية بدلًا من مواجهة المشكلات الحقيقية.

3. استراتيجية انتخابية تقليدية
لا يخفى أن إثارة المخاوف حول المسلمين يُعد تكتيكًا سياسيًا مجربًا، حيث يُستخدم لترسيخ الانقسام داخل المجتمع وكسب الأصوات من الفئات اليمينية الأكثر تطرفًا.

4. لماذا لا يُذكر الذبح الكوشير؟
لم يتجرأ روبرت لو على المساس بالمجتمع اليهودي في بريطانيا، رغم أن الذبح وفق الشريعة اليهودية لا يختلف في أسسه كثيرًا عن الذبح الحلال، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول دوافع هذه الهجمة، وهل هي بالفعل دفاع عن حقوق الحيوان أم استهداف ممنهج للمسلمين؟

روبرت لو.. سجل طويل من الخطاب التحريضي

لم تكن تصريحات لو حول الذبح الحلال حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة من المواقف المعادية للمسلمين التي سعى من خلالها إلى الظهور كأكثر الوجوه اليمينية تطرفًا، خاصة بعد دخوله في صراع مفتوح مع زعيم الحزب اليميني نايجل فاراج.

• استهدف رئيس حزبه، زيا يوسف، وهو مسلم، وسط اتهامات بأن الهجوم ضده يحمل أبعادًا دينية وعنصرية.
• حاول كسب ودّ التيارات الأكثر تطرفًا عبر التصعيد ضد الإسلام، متجاوزًا حتى خطاب نايجل فاراج نفسه.
• يسعى لاستخدام الإسلاموفوبيا كوسيلة للبقاء تحت الأضواء، بعدما تعرض لتهم بتهديد شخصيات بارزة داخل الحزب.

لكن لو ليس سوى جزء من تيار متنامٍ داخل السياسة البريطانية، حيث أصبح الخطاب المعادي للمسلمين وسيلة سهلة لتعزيز النفوذ السياسي في الأوساط اليمينية المتطرفة.

حقيقة الذبح الحلال.. تفنيد للأكاذيب

على عكس الادعاءات التي يروجها اليمين المتطرف، فإن الذبح الحلال يقوم على أسس تراعي الرفق بالحيوان وتضمن تقليل معاناته قدر الإمكان، وهو ما يتجلى في تعاليم النبي محمد ﷺ:

“إذا ذبحتم، فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.”

مقارنة بين الذبح الحلال والذبح الآلي

إذا كان الهدف الحقيقي هو الرفق بالحيوان، فلماذا لا تُطالب الجهات اليمينية المتطرفة بحظر المسالخ التي تستخدم الصعق المفرط، أو تحاسب الشركات التي تتعامل مع الحيوانات كمجرد سلعة تجارية؟

اقرأ أيضًا:

• تربية الأبناء على تدبّر القرآن في رمضان: منهج عملي للأسرة المسلمة في الغرب
• طلاب مؤيدون لفلسطين في بريطانيا يواجهون الطرد لمشاركة منشورات “ميدل إيست آي”!
• لمن تعطي زكاتك في رمضان؟ وكيف نزكّي من بريطانيا؟