إلغاء هيئة NHS إنجلترا.. ماذا يعني ذلك للمرضى؟
في خطوة أثارت جدلًا واسع النطاق، أعلن رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر إلغاء هيئة (NHS England)، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا باستقلالية عن الحكومة. وقالت الحكومة: إن القرار يستهدف خفض البيروقراطية وتوجيه مزيد من الموارد إلى الخدمات الأساسية، في حين يحذر الخبراء من تأثيراته على الموظفين وإدارة القطاع الصحي. فماذا يعني هذا القرار؟ وما تداعياته على مستقبل (NHS)؟
ما هي (NHS) في إنجلترا؟
أُسِّست هيئة (NHS) في إنجلترا في عام 2013 في عهد حكومة حزب المحافظين، بقرار من وزير الصحة آنذاك أندرو لانزلي، بهدف منح النظام الصحي استقلالية عن الحكومة المركزية. وأُنشئت كـ”كوانغو” (Quango)، أي كيان ممول من الأموال العامة لكنه لا يخضع مباشرة لسيطرة الحكومة.
وتتولى الهيئة مسؤوليات متعددة، من بينها:
• تقديم رعاية صحية عالية الجودة.
• دعم العاملين في القطاع الصحي.
• الإشراف على الإنفاق الحكومي لضمان تحقيق أفضل قيمة مقابل المال.
• التعاون مع الحكومة لوضع سياسات التمويل وتحديد الأولويات الصحية.
ويعمل ضمن الهيئة حاليًّا نحو 15,300 موظف، مقارنةً بـ3,300 موظف فقط في وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية (DHSC)، الجهة الحكومية المسؤولة عن وضع السياسات الصحية في إنجلترا.
لماذا قررت الحكومة إلغاءها؟
وقال ستارمر: إن القرار يستهدف إعادة الخدمات الصحية إلى “سيطرة ديمقراطية مباشرة” عبر دمج إدارة (NHS) داخل وزارة الصحة، ما يتيح توجيه مزيد من التمويل إلى الأطباء والممرضين والخدمات الأساسية، وتقليل البيروقراطية التي تقف حجر عثرة أمام التطوير السريع للقطاع الصحي.
وأوضح ستارمر أن أحد أسباب الإلغاء هو “التكرار غير الضروري”، مشيرًا إلى وجود فرق اتصالات واستراتيجيات منفصلة لكل من (NHS) في إنجلترا ووزارة الصحة، ما يؤدي إلى إنفاق مضاعف بلا جدوى. وأضاف: “نريد تحرير تلك الأموال وإعادة توجيهها إلى حيث يجب أن تكون، وهو الخطوط الأمامية للرعاية الصحية”.
بدوره قال وزير الصحة ويس ستريتينغ: إن الحكومة لا يمكنها تبرير وجود جهاز بيروقراطي معقد بوجود جهتين تؤديان المهمات نفسها. وأضاف: “نحن بحاجة إلى مزيد من العاملين في الميدان، لا إلى مزيد من الإداريين”.
ماذا سيحدث بعد الإلغاء؟
سيُعاد دمج (NHS) في إنجلترا داخل وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، وهي عملية من المتوقع أن تستغرق عامين، مع هدف توفير 100 مليون باوند من التكاليف الإدارية، وفق ما أعلنه ستريتينغ.
وتراهن الحكومة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقمنة لتوفير ما يصل إلى 45 مليار باوند على المدى الطويل. كما عيّنت الحكومة فريقَ قيادة جديدًا للإشراف على الانتقال، تزامنًا مع مغادرة ثلاثة من كبار مسؤولي (NHS) في إنجلترا مناصبهم خلال الأسابيع المقبلة.
وبهذا الصدد قال السير جيمس ماكي، الذي سيتولى منصب الرئيس التنفيذي المؤقت للهيئة خلال عملية الدمج: إن القرار قد يسبب “اضطرابًا للموظفين”، لكنه اعتبره أيضًا فرصة لتحقيق “وضوح أكبر” في إدارة النظام الصحي.
أما الرئيسة الجديدة للهيئة الصحية الوطنية بيني داش، فأكدت أنها ستعمل على “دمج وظائف (NHS) في إنجلترا مع وزارة الصحة؛ للحدّ من الازدواجية وتحسين الكفاءة”.
ضربة قاسية للموظفين
وقد أثار القرار ردود فعل متباينة؛ فبينما أشاد بعض الناس بجهود تقليص البيروقراطية، حذّر آخرون من تداعياته على الموظفين وكفاءة إدارة القطاع الصحي.
ووصفت رئيسة مؤسسة نوفيلد ترست ثيا شتاين القرار بأنه “مدمّر للموظفين على جميع المستويات”، رغم اعترافها بأن إزالة التكرار الإداري قد يكون أمرًا منطقيًّا. لكنها حذّرت قائلة: “يجب أن نضع في اعتبارنا التكلفة البشرية لهذه التغييرات”.
أما مركز الأبحاث “هيلث فاونديشن” فاعتبر أن القرار يُمثّل “لحظة فارقة” في إدارة (NHS)، لكنه حذّر من أن إلغاء الهيئة قد يؤدي إلى تشتيت جهود القادة الصحيين في وقت يجب أن يكون التركيز فيه على تحسين الخدمات الطبية”.
وأضاف المركز: “إصلاح البيروقراطية ليس بحدّ ذاته إصلاحًا للرعاية الصحية، وعلى الحكومة أن تضمن ألا تؤثر هذه التغييرات سلبًا على المرضى”.
إصلاحات سابقة: هل يعيد التاريخ نفسه؟
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها هيئة الخدمات الصحية الوطنية تغييرات هيكلية كبرى. ففي عام 2012، أقرّت حكومة المحافظين والديمقراطيين الأحرار “قانون الصحة والرعاية الاجتماعية”، الذي أدى إلى:
• إنشاء مجموعات التكليف السريري (CCGs).
• إلغاء صناديق الرعاية الأولية والسلطات الصحية الاستراتيجية.
• إنشاء هيئة “الصحة العامة إنجلترا”.
لكن الحكومة الحالية ترى أن تلك التعديلات أضافت طبقات بيروقراطية مرهقة دون وجود خطوط واضحة للمساءلة.
ووصف وزير الصحة ويس ستريتينغ عملية الإصلاح السابقة بأنها “كارثية”، قائلًا إنها أدت إلى “أطول فترات انتظار للمرضى، وأدنى معدلات رضا وأعلى تكاليف تشغيلية في تاريخ (NHS).
هل سينجح الإصلاح الجديد؟
ويُعَدّ إلغاء (NHS) إنجلترا تحولًا جذريًّا في طريقة إدارة النظام الصحي البريطاني، لكنه يأتي في ظل تحذيرات من أن التغيير قد يؤدي إلى اضطراب إداري قد يؤثر على جودة الرعاية الصحية.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن القرار سيساعد في توجيه الأموال إلى الخدمات الأساسية، يرى بعض الناس أن تفكيك هيئة مستقلة دون رؤية واضحة للإدارة قد يزيد من الصعوبات التي يواجهها النظام الصحي البريطاني بالفعل.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال قائمًا: هل سيحقق هذا القرار تحسنًا حقيقيًّا في (NHS)، أم أنه سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في قطاع يعاني بالفعل من ضغوط هائلة.
المصدر: سكاي نيوز
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
أخبار ذات صلة
7°C
