أزمة طب الأسنان في بريطانيا.. طوابير المرضى تمتد في الشوارع
في مشهد يثير القلق، امتدت طوابير المرضى أمام عيادة أسنان في مدينة بريستول البريطانية، حيث اضطر الكثيرون للانتظار لساعات طويلة في البرد القارس والضباب، بدءًا من الساعة السابعة صباحًا، على أمل الحصول على مكان في قائمة مرضى هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS).
تأتي هذه الصورة القاسية من المعاناة لتسلط الضوء على الأزمة المتفاقمة في القطاع الصحي، خاصة في مجال طب الأسنان.
طوابير انتظار لفرصة نادرة
في مدينة بريستول، التي تعاني من نقص حاد في مقدمي خدمات طب الأسنان التابعين لـ(NHS)، يضطر المرضى إلى الانتظار في طوابير طويلة وسط الأجواء الباردة، بحثًا عن فرصة لتلقي الرعاية الصحية.
بعض المرضى، الذين جاءوا من مسافات بعيدة، وصلوا إلى العيادات بحالات عدوى تهدد حياتهم، بينما اضطر آخرون للبقاء لفترات طويلة دون زيارة طبيب الأسنان.
ومن بين هؤلاء المرضى، العديد من الأطفال الذين لم يزروا طبيب الأسنان منذ ولادتهم، كما أشارت صحيفة (The Mirror) البريطانية في تقريرها الأخير.
حملة “أطباء الأسنان للجميع”
في مواجهة هذه الأزمة، أطلقت الصحيفة حملة بعنوان “أطباء الأسنان للجميع” للتوعية بمحنة ملايين المواطنين الذين يعجزون عن الوصول إلى خدمات الأسنان الأساسية بسبب نقص التمويل.
وتشير الصحيفة إلى أن 96% من أطباء الأسنان في إنجلترا لا يقبلون مرضى جدد تابعين لـهيئة الصحة الوطنية (NHS)، ما يضطر العديد من المواطنين إلى اللجوء إلى العيادات الخاصة، التي تعتبر مكلفة للغاية.
مشهد مأساوي في العيادة
قبل عام، أثار إعلان عيادة (St Paul’s) في بريستول عن فتح أبوابها للمرضى الجدد حالة من الفوضى، حيث استدعيَت الشرطة لاحتواء الحشود الهائلة من المرضى.
وفي خطوة مشابهة مؤخرًا، أعلنت العيادة أنها ستقبل أول 100 مريض فقط بداية من الساعة الواحدة ظهرًا يوم الخميس، ما دفع المرضى للانتظار في الطوابير منذ السابعة صباحًا، رغم الظروف المناخية القاسية.
من بين هؤلاء المنتظرين كان واين جونز، البالغ من العمر 51 عامًا، الذي كان يصر على تسجيل طفليه في العيادة، بعد محاولات فاشلة في التسجيل بمختلف العيادات التابعة لـ (NHS) منذ ولادتهما.
وقال جونز إنه حاول التسجيل في كل مكان دون جدوى، مضيفًا أنه لا يجب أن يكون الحصول على هذه الخدمة الأساسية بهذا القدر من الصعوبة.
تزايد معاناة المرضى
تستقبل العيادة، التي تضم حوالي 14 ألف مريض، أكثر من 9 آلاف مريض من خارج بريستول، قادمين من مناطق بعيدة مثل: ديفون، وكورنوال، وبليموث، وحتى ويلز.
من جانبها، قالت شيفاني بهانداري، مديرة العمليات في العيادة، إن الوضع لم يتغير منذ العام الماضي، وأن الحلول لن تأتي إلا إذا أخذت الحكومة هذا الموضوع على محمل الجد.
في هذا السياق، أضاف غوري برادهان، طبيب الأسنان الرئيسي في العيادة، أنه يشهد يوميًا حالات مأساوية، حيث يسافر المرضى مئات الأميال، بل ويصطحبون أطفالهم من المدارس أو يأخذون إجازاتهم فقط من أجل تسجيل أسمائهم في العيادة.
وقال: “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. نحن نشهد الكثير من المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة تهدد حياتهم، وأطفالًا لم يزوروا طبيب أسنان أبدًا”.
أزمة تمتد لعقود
تعكس أزمة طب الأسنان في بريطانيا واقعًا مريرًا يمتد لعقود، حيث يعاني المواطنون من قلة توفر خدمات الرعاية الصحية في هذا المجال. وتفيد تقارير صحفية بأن العديد من المرضى اضطروا إلى خلع أسنانهم بأنفسهم أو السفر لمسافات طويلة للحصول على علاج في العيادات الخاصة، بما في ذلك السفر إلى الهند للحصول على علاج بأسعار أقل.
الجندي السابق إنديكا واتسون، البالغ من العمر 41 عامًا، الذي لم يزر طبيب أسنان تابع لـ (NHS) منذ 16 عامًا، كان من بين المرضى الذين اضطروا للانتظار في الطوابير. وقال واتسون إنه حاول التسجيل أكثر من 70 مرة في عيادة تابعة لهيئة الصحة الوطنية، لكن دون جدوى، ما دفعه للذهاب إلى العيادات الخاصة.
أما الجدة روزي روبرتسون، البالغة من العمر 70 عامًا، فقالت إنها اضطرت للاختيار بين دفع فواتير المنزل أو دفع تكاليف علاج الأسنان في العيادات الخاصة، مشيرة إلى أن الوضع الصحي أصبح كارثيًا.
أزمة تمويل حادة
أظهرت تقارير حملة صحيفة (The Mirror) أن تمويل طب الأسنان في (NHS) ظل ثابتًا نظريًا على مدى عقد من الزمن، بينما انخفض فعليًا بسبب التضخم.
كما ارتفعت رسوم المرضى بنسبة 45% في العقد الأخير، بينما أكدت الجمعية البريطانية لطب الأسنان أن التمويل الحالي لا يغطي سوى أقل من نصف السكان في إنجلترا.
ورغم الوعود التي قدمتها الحكومة السابقة بشأن إصلاح النظام وتوفير 700 ألف موعد إضافي للحالات العاجلة، أكدت الجمعية البريطانية لطب الأسنان أنه لم يتم إحراز أي تقدم فعلي حتى الآن.
مطالبات بالإصلاح
أثارت الأزمة انتقادات واسعة من السياسيين، حيث قالت كارلا دنيير، زعيمة حزب الخضر، إن المشاهد المأساوية خارج عيادة (St Paul’s) العام الماضي كانت دليلاً على انهيار خدمات طب الأسنان في هيئة الصحة الوطنية (NHS).
وأضافت أنه يجب أن يكون الحصول على خدمات طب الأسنان جزءًا أساسيًا من خدمات الهيئة، وأن الحياة الخالية من الألم يجب أن تكون متاحة لجميع المواطنين، لا سيما أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج الخاص.
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة أن الحكومة تعمل على إعادة بناء خدمات طب الأسنان في هيئة الصحة الوطنية، لكن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً.
المصدر: ميرور
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
30°C
