جوناثان كوك: الغرب يخفي تواطؤه في إبادة غزة تحت غطاء يوم المحرقة
قال الكاتب البريطاني جوناثان كوك في مقال له على موقع “ميدل إيست آي” إن أشباح آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين قتلهم القصف الإسرائيلي كانت ترفرف فوق احتفالات الذكرى الثمانين للمحرقة في أوشفيتز.
وأشار إلى أن بي بي سي عرضت مشاهد للزعماء الغربيين، بمن فيهم الملك تشارلز الثالث، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهم يحضرون الحفل الرئيسي في أوشفيتز، المعسكر النازي الشهير الذي شهد إحراق أكثر من مليون يهودي وغجري وغيرهم.
في المقابل، شددت الشبكة على غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب غزو أوكرانيا، وهو أمر وصفه كوك بالمفارقة، نظرًا لأن روسيا كانت مسؤولة عن تحرير أوشفيتز عام 1945.
لكن وسط هذا كله، تساءل كوك: هل فهم هؤلاء القادة الغربيون حقًا رسالة “لن يتكرر ذلك أبدًا”؟ وهل فهمتها وسائل الإعلام؟
تجاهل غزة
أكد كوك أن هناك عشرات الآلاف من الأشباح كانت حاضرة في الاحتفالات، من الأطفال الفلسطينيين الذين مزقتهم القنابل الأمريكية، والذين اختنقوا تحت الأنقاض، وأولئك الذين تُركت جثثهم متحللة بعد أن استهدف القناصة أي شخص حاول إنقاذهم.
وأشار إلى أن هؤلاء الأطفال لم يكونوا سوى جزء من المشهد الدامي في غزة، حيث يُترك الناجون للموت بسبب نقص الغذاء والماء، ويتجمد المشردون في درجات حرارة الشتاء، بينما يموت الأطفال الخدج في حاضناتهم بعد اقتحام المستشفيات وقطع التيار الكهربائي.
وأضاف أن تلك الأشباح كانت حاضرة في الاحتفالات بنفس الطريقة التي وُضعت بها جبال الأحذية والحقائب المنفصلة عن أصحابها في متحف أوشفيتز، إلا أن القادة الغربيين رفضوا النظر إلى جرائم الحاضر، رغم تواطئهم العميق في ارتكابها.
غزة: أرض قاحلة من الأنقاض
انتقد كوك التغطية الإعلامية الغربية، مشيرًا إلى أن برنامج “الأخبار في العاشرة” على بي بي سي خصص 20 دقيقة من تغطيته لإحياء ذكرى أوشفيتز، ثم تبع ذلك مباشرة بصور من غزة، التي تحولت إلى أرض قاحلة من الأنقاض.
وأظهر التقرير مئات الآلاف من الفلسطينيين الناجين وهم يشقون طريقهم شمالًا عبر الساحل، في مشهد وصفه كوك بأنه يحوّلهم إلى “نمل بشري”، تمامًا كما تريد إسرائيل رؤيتهم. وأضاف أن قادة إسرائيل يصنفون الفلسطينيين كإرهابيين مجردين من الإنسانية، ما يسهل تبرير قمعهم.
وأشار إلى تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي دعا إلى “تطهير” غزة من سكانها، كما لو كان ذلك مجرد إجراء صحي. وقال إن وسائل الإعلام الغربية نقلت تعليقاته باستنكار ضعيف، لكنها في الوقت ذاته واصلت تقديم الأحداث في غزة كما لو كانت إسرائيل تقوم فقط “بجز العشب”.
ازدواجية المعايير الغربية
اعتبر كوك أن الإعلام الغربي، عبر رفضه تصنيف ما يحدث في غزة على أنه إبادة جماعية، ساهم في استمرار المذبحة. وأوضح أن محكمة العدل الدولية وجميع منظمات حقوق الإنسان الكبرى أكدت وقوع إبادة جماعية، لكن الغرب يواصل دعم إسرائيل بالسلاح والغطاء الدبلوماسي.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يُزعم أنه “يعمل بلا كلل” لكبح جماح إسرائيل، في الواقع زودها بأقوى القنابل في ترسانة واشنطن، ما جعل الإبادة الجماعية ممكنة.
وأشار كوك إلى أن ترامب، على الأقل، أزال قناع النفاق الغربي، حيث فضح تصريحات القادة الغربيين بشأن “لن يتكرر ذلك أبدًا”.
إسرائيل: دولة قامت على الإبادة
يرى كوك أن ذكرى أوشفيتز كشفت أيضًا عن كذبة أقدم بكثير، وهي أن إسرائيل تقدم نفسها كحامية لذكرى الهولوكوست وملاذ للشعب اليهودي. لكنه يؤكد أن إسرائيل لم تكن يومًا ملاذًا، بل دولة حصن عدوانية تضطهد جيرانها.
وأشار إلى أن إسرائيل، بدلًا من أن تكون حصنًا ضد الإبادة الجماعية، أصبحت نموذجًا لها، مدفوعة بإيديولوجية ترى العالم كمخيم إبادة ضخم، وتعتبر الحياة معركة صفرية من أجل البقاء.
وأكد أن إسرائيل لم تتعلم درس “لن يتكرر ذلك أبدًا”، بل تعلمت أن تعتبر الجميع أعداء، وأن تبقي نفسها في حالة حرب دائمة.
سلسلة الطغاة والتواطؤ الغربي
في رأي كوك، فإن السياسيين الغربيين لم يكونوا يومًا في موقع يسمح لهم بإيقاف الجرائم الإسرائيلية، لأنهم أنفسهم غارقون في ماضٍ من الجرائم الاستعمارية.
وأوضح أن الغرب، الذي يدّعي أنه تعلم الدرس من المحرقة، لم يتوقف أبدًا عن ارتكاب الفظائع، سواء في كينيا خلال تمرد الماو ماو، أو في الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، أو في فيتنام، أو في العراق وليبيا.
واختتم كوك مقاله بالإشارة إلى أن الغرب لا يزال يواصل دعمه غير المشروط لإسرائيل، ما يثبت أن “لن يتكرر ذلك أبدًا” ليست سوى شعار أجوف يستخدم لإخفاء تواطئه في إبادة غزة.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
أخبار ذات صلة
4°C
