ديفيد هيرست: بعد 15 شهرًا من الوحشية أخفقت إسرائيل على كل الجبهات

بعد 15 شهرًا من القصف والتدمير، وبعد محاولات مستميتة لإعادة رسم خرائط الأرض بالقوة، ها هي إسرائيل تقف عاجزة أمام واقعٍ لم تتوقعه، وفشلٍ لا يمكن إنكاره. في مقال نشره الكاتب البريطاني البارز ديفيد هيرست على موقع ميدل إيست آي، رسم مشهدًا مأساويًا لإسرائيل، التي رغم قوتها العسكرية المفرطة، خرجت من حربها على غزة بخسائر سياسية وعسكرية تجاوزت كل حساباتها.

نتنياهو في قلب الإخفاق

منذ اللحظة الأولى، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العقبة الأساسية أمام أي اتفاق لوقف إطلاق النار. تمسك بخيارات الحرب رغم نصائح مستشاريه وتحذيرات قادة جيشه، متجاهلًا المبادرات الدولية، بما فيها صفقة وقعتها حركة حماس بحضور مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز.

ومع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، جاء الانهيار مع لقاء واحد جمع نتنياهو بمبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي وضع حدًا للغطرسة الإسرائيلية. بقرار واحد، أُسقطت “الخطوط الحمراء” التي رسمها نتنياهو طيلة 15 شهرًا من التصعيد.

حسابات الحرب والخيبات المتتالية

يرى هيرست أن الطموحات الإسرائيلية لم تكن عسكرية فقط، بل امتدت إلى مشاريع لإعادة تشكيل جغرافيا قطاع غزة. فمشروع “ممر نتساريم” كان يهدف إلى تقليص مساحة القطاع وإعلان شمال غزة منطقة محظورة على الفلسطينيين. لكن في كل مرة، كانت مقاومة الشعب الفلسطيني تُفشل المخططات الإسرائيلية، وتحوّل المعركة من حملة “تطهير” عسكري إلى مستنقع مليء بالخسائر للجيش الإسرائيلي.

بيت حانون.. رمز الصمود والمقاومة

يشير التقرير إلى أن بيت حانون، الواقعة شمال قطاع غزة، كانت مثالًا حيًا على صلابة المقاومة. فقد تحولت المدينة إلى نقطة استنزاف للجيش الإسرائيلي، الذي تكبد فيها خسائر فادحة. فبعد موجات متتالية من العمليات العسكرية، قُتل 15 جنديًا إسرائيليًا في المدينة خلال أسبوع واحد فقط، ما جعلها عنوانًا للهزيمة بدلًا من النصر.

التحالف الأمريكي.. الحبل السري لحرب إسرائيل

لم يكن بالإمكان استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة لولا الدعم الأمريكي المفتوح. يؤكد هيرست أن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي كانت ستتوقف عن التحليق لولا إمدادات الذخائر الأمريكية، في مشهد يعكس اعتماد إسرائيل الكامل على الدعم الخارجي لمواصلة عدوانها.

انتصار الإرادة أمام السلاح

يقول هيرست إن حروب التحرير لا تُحسم بالعتاد وحده، بل بالإرادة. وبرغم القصف والتجويع والحصار، أثبت الفلسطينيون قدرتهم على الصمود، تمامًا كما فعلت شعوب الجزائر وفيتنام سابقًا، حيث تفوقت إرادة الشعوب على الجيوش المدججة.

لم تخسر إسرائيل حرب الميدان فحسب، بل فقدت أيضًا تأييدًا دوليًا استثمرت فيه عقودًا. فقد أشار هيرست إلى أن أجيال الشباب في الغرب باتت ترى إسرائيل كدولة محتلة تمارس الإبادة الجماعية، وهو تغيير جذري في الرأي العام يهدد مستقبل السياسة الإسرائيلية لعقود قادمة.

تصدعات داخلية وانهيار الثقة

عاد نتنياهو إلى الداخل الإسرائيلي ليجد مجتمعًا مفككًا. صراع داخلي بين المؤسسة العسكرية واليمين المتطرف، وبين الحريديم والعلمانيين. وعلى الصعيد الإقليمي، لم تحقق إسرائيل “الردع” الذي كانت تأمله، حيث لا تزال الجبهات مع لبنان وسوريا مفتوحة، بينما تلقت الضربات من محور المقاومة دون أن تتمكن من القضاء عليه.

القضية الفلسطينية تتصدر المشهد العالمي

يختتم هيرست مقاله بتأكيده أن الهدنة في غزة ليست نهاية القصة، بل بداية مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني والتحركات الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال. ما تحقق في غزة ليس مجرد انتصار عسكري محدود، بل لحظة تاريخية فارقة ستبقى شاهدة على قدرة شعب محاصر على مواجهة آلة الحرب والبقاء على أرضه دون أن تنكسر إرادته.

اقرأ أيضًا:

• غزة.. حين يشرق الأمل من بين الجراح
• حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا تدعو لدعم جهودها عبر التبرعات
• تقارير: طائرات بريطانية تنقل معلومات عن أسرى غزة للإسرائيليين