بي بي سي: ماذا سيحدث لإمبراطورية المخدرات في سوريا؟
في أعقاب حملة عسكرية خاطفة أطاحت بنظام بشار الأسد، ظهر زعيم المعارضة السورية أحمد الشرع في دمشق ليلقي خطاب النصر، متحدثًا عن آماله في إعادة بناء سوريا. إلا أن إشارته إلى قضية تهريب المخدرات مرت دون أن تلقى اهتمامًا يُذكَر، حيث قال: “سوريا أصبحت أكبر منتج للكبتاغون في العالم، واليوم ستُطهَّر البلاد بعون الله”.
يشار إلى أن الكبتاغون، المعروف في الشرق الأوسط بكونه مخدرًا شديد الإدمان يشبه الأمفيتامين، يُلقب أحيانًا بـ”كوكايين الفقراء”. وقد ازدهرت صناعته في سوريا نتيجة انهيار الاقتصاد بفعل الحرب والعقوبات الدولية، ما دفع فئات كثيرة من السوريين إلى الانخراط في تجارة المخدرات للبقاء على قيد الحياة. ولكن دول الجوار في المنطقة كافحت لوقف تهريب كميات ضخمة من هذه الحبوب عبر حدودها.
تجارة مزدهرة بدعم النظام
تُقدر القيمة السنوية لتجارة الكبتاغون غير المشروعة بـ5.6 مليار دولار (4.5 مليار باوند)، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، ما جعل سوريا المصدر الرئيس لهذه التجارة. ومع الكميات الهائلة المُنتجة والمُهربة، ازدادت التكهنات بأن هذه الصناعة لا تديرها عصابات إجرامية فقط، بل إنها مُنظمة على مستوى الدولة.
وتأكدت هذه التكهنات بعد تداول مقاطع فيديو تُظهر مداهمات نفذها معارضون سوريون لعقارات يُزعم أنها تابعة لأقارب بشار الأسد، حيث عُثر على غرف ملأى بحبوب الكبتاغون المخبأة داخل منتجات صناعية مزيفة. وفي مقاطع أخرى، أُضرمت النيران في أكوام من الحبوب داخل ما يبدو أنه قاعدة جوية تابعة للنظام السوري.
خلال تحقيق أجرته بي بي سي واستمر عامًا، وُثقت أدلة تُشير إلى تورط أفراد من عائلة الأسد والفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، بقيادة ماهر الأسد، في تجارة الكبتاغون. ماهر الأسد، الذي كان يُعَد ثاني أقوى رجل في سوريا بعد شقيقه بشار، خضع لعقوبات غربية بسبب القمع العنيف للمتظاهرين خلال الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، كما أُصدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية من القضاء الفرنسي لدوره المزعوم في هجمات كيميائية.
ومن خلال الوصول إلى رسائل واتساب لتاجر كبتاغون معتقل في لبنان، رُبط اسم ماهر الأسد ونائبه العميد غسان بلال مباشرة بتلك التجارة. وأكدت تلك الأدلة تورط النظام السوري على أعلى المستويات في تمويل نفسه عبر تجارة المخدرات.
مشكلات مستعصية أمام المعارضة
مع سيطرة المعارضة السورية بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم “أبو محمد الجولاني”، على مؤسسات الدولة، تُثار تساؤلات عن قدرتها على تفكيك إمبراطورية الكبتاغون. ويُحذر محللون من أن القضاء على العرض قد لا يكون كافيًا، ولا سيما أن الطلب مرتفع على المخدرات في المنطقة.
وفي هذا السياق أبدت كارولين روز، وهي خبيرة في شؤون تهريب المخدرات في معهد “نيو لاينز”، قلقها من أن “التركيز على القضاء على العرض دون تقليل الطلب قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة”. كما أشارت إلى احتمال تزايد استخدام متعاطي المخدرات بدائل أخرى مثل الكريستال ميث، ولا سيما المدمنين الذين طوّروا تحملًا قويًّا تجاه الكبتاغون.
يمثل انهيار تجارة الكبتاغون عقبة كبيرة للاقتصاد السوري الذي دُمر بفعل الحرب. ويُحذر الخبراء من أن غياب بدائل اقتصادية شرعية قد يدفع العديد من السوريين للعودة إلى الأنشطة غير القانونية. ووفقًا للمهندس العسكري السابق عصام الريس، الذي انشق عن النظام، فإن الانخفاض الحالي في صادرات الكبتاغون يُعزى إلى فرار المتورطين البارزين في هذه التجارة، لكنه يُحذر من ظهور مجموعات جديدة قد تحل محلهم.
من جانبها تؤكد روز أن قادة المعارضة يحتاجون إلى تطوير “مسارات اقتصادية بديلة”؛ لحثّ السوريين على الانخراط في الاقتصاد الرسمي. وتدعو المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم الإنساني وتخفيف العقوبات لتقليل الحاجة إلى الأنشطة غير المشروعة.
نهاية إمبراطورية المخدرات؟
رغم وعود المعارضة بتفكيك تجارة الكبتاغون، تبقى المخاطر قائمة. فالعديد من العاملين في الصناعة ما زالوا داخل البلاد، وتُظهر تقارير أخرى تصاعد تهريب مخدرات بديلة. وبينما تعمل المعارضة على إعادة بناء الدولة، يبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا من كسر حلقة المخدرات، أم أن الفقر والصراع سيعيدان تدوير الأزمة؟
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇