جوزيف ويليس: كيف أسهمت حكومة ستارمر في تمكين الإبادة الجماعية؟
منذ تولي حكومة ستارمر زمام الحكم في بريطانيا قبل مئة يوم، تزايدت الآمال في أن تحدث تغييرات جذرية مقارنة بالحكومة المحافظة السابقة، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية.
وكانت هناك تطلعات إلى أن يظهر رئيس الوزراء ووزير خارجيته، ديفيد لامي، حزمًا أكبر في التعامل مع الأزمة المتصاعدة في المنطقة، وأن يتخذوا خطوات حاسمة لوقف الإبادة جماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
التواطؤ والصمت: كيف ساهمت الحكومة في تمكين الإبادة الجماعية؟
ولكن بدلًا من التحرك السريع والجاد لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، شهدت هذه المئة استمرارًا للمجازر والدمار الذي يطال الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، إذ استمر تدمير البنية التحتية واستمر نزيف الدماء.
وفي غزة، تجسدت الفظائع في مشاهد مرعبة، من بينها مقطع فيديو يوثق حرق طالب فلسطيني شاب، شعبان الدلو، حيًا داخل خيمة لجأ إليها بعد قصف مستشفى الأقصى.
ولم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بتدمير غزة، فقد انتقلت تهديداته إلى لبنان أيضًا. وفي هذه الأثناء، تظل الحكومة البريطانية عاجزة عن اتخاذ موقف واضح وصريح تجاه الاحتلال. واكتفت بريطانيا بالتعبير عن “قلقها” في وجه هذه الانتهاكات الجسيمة.
في مطلع الشهر الحالي، حذرت 15 منظمة غير حكومية من أن “غزة تُمحى أمام أعيننا”، مسلطة الضوء على الفشل البريطاني في احترام القانون الدولي.
وكانت هذه المنظمات قد قدمت للحكومة خطة عمل لمدة 100 يوم في يوليو، تضمنت وقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وضمان وقف إطلاق نار دائم، واحترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. إلا أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات ملموسة لتنفيذ هذه المقترحات.
ولكن بالرغم من ذلك، هنالك بعض الإيجابيات التي صنعتها الحكومة العمالية، مثل إعادة تفعيل تمويل وكالة “الأونروا” للاجئين الفلسطينيين، وسحب اعتراضها على طلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت.
ولكن هذه القرارات ليست كافية، خاصة وأن الحكومة السابقة كانت تفكر في فرض عقوبات على وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهو ما لم تجرؤ حكومة ستارمر على فعله رغم الخطاب الإبادي الواضح لهؤلاء المسؤولين.
ولا يوجد أي مبرر لتقاعس حكومة ستارمر عن فرض عقوبات على هؤلاء الوزراء أو عن وقف مبيعات الأسلحة إلى الاحتلال.
الجرائم الإسرائيلية تنفذ دون عقاب
إذا كانت الحكومة البريطانية تؤمن حقًا بحقوق الإنسان وكرامة الفلسطينيين، فيجب عليها وضع حد للحصانة القانونية والأخلاقية التي تتمتع بها إسرائيل. فحتى الآن، لم تدفع إسرائيل أي ثمن على جرائمها المستمرة في غزة والضفة الغربية، وهو ما شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على بدأ العدوان على لبنان أيضًا. والصمت الدولي على الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، بما في ذلك تصنيف إسرائيل وكالة “الأونروا” كمنظمة إرهابية، يعزز هذا الاعتقاد.
ولم يقتصر الأمر على استهداف مؤسسات دولية؛ فقد ظلت الحكومة البريطانية صامتة أيضًا على الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت موظفي الأمم المتحدة في جنوب لبنان. وهذا الصمت يعكس تواطؤًا غير معلن من جانب بريطانيا، التي باتت تقف متفرجة بينما تستمر الجرائم ضد الإنسانية.
والسياسيون البريطانيون، بمن فيهم أعضاء حكومة ستارمر، يتذمرون دائمًا من المنظمات الإنسانية التي لا تظهر قدرًا كافيًا من الامتنان لجهودهم المتواضعة. ولكن الحقيقة هي أن ما قدمته الحكومة البريطانية حتى الآن لا يتجاوز الحد الأدنى من الإجراءات التي كان ينبغي اتخاذها منذ زمن.
خسارة الدعم الشعبي
وبعد مئة يوم من رئاسة الحكومة، لم تتمكن حكومة ستارمر من إظهار أي تعاطف ملموس مع المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون واللبنانيون، وهو الموقف نفسه الذي اتسمت به سياسات حزب العمال عندما كان في المعارضة.
هذا وأظهرت الاستطلاعات الأخيرة التي أجرتها مؤسسة “المساعدة الطبية للفلسطينيين” ومجلس التفاهم العربي البريطاني أن 58% من البريطانيين يدعمون فرض حظر كامل على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، بينما يعتقد 84% أن على الحكومة البريطانية احترام أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين.
وهذه الأرقام تُظهر فجوة كبيرة بين ما يريده الشعب البريطاني وما تفعله حكومته.
وهذه السياسة الخارجية البريطانية تجاه الاحتلال الإسرائيلي قد ألحقت ضررًا كبيرًا بسمعة حزب العمال. إذ أن ادعاء الحزب بأن القانون الدولي هو جوهر سياساته لم يعد له مصداقية في ظل التواطؤ المستمر مع الانتهاكات الإسرائيلية.
ورئيس الوزراء كير ستارمر نفسه كان قد صرح في أكتوبر 2023، عندما كان زعيمًا للمعارضة، بأن إسرائيل لها الحق في قطع المياه والكهرباء عن غزة، ما تسبب في موجة من الغضب الشعبي ضده. ومنذ توليه السلطة، لم يظهر أي مؤشر على تغيير نهجه.
وإسرائيل تواجه الآن اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، ولكن حكومة ستارمر تواصل التزامها بالصمت، واصفةً هذه الاتهامات بأنها “غير مفيدة”.
وعلى العكس، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات حقيقية لحظر التجارة مع المستوطنات أو لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.
وافتقار الحكومة البريطانية إلى الإحساس بالأزمة الحقيقية في غزة والضفة الغربية يعكس فشلًا سياسيًا وإنسانيًا كبيرًا. بينما كان الشعب الفلسطيني يتعرض للقتل والتشريد، كانت حكومة ستارمر تركز جهودها على تعزيز علاقتها بالولايات المتحدة، خوفًا من تأثير الانتخابات الأمريكية المقبلة. هذه الحسابات السياسية قصيرة النظر تُظهر ضعفًا في القيادة وتواطؤًا في الجرائم المستمرة.
وبدلًا من اتخاذ موقف حازم، استمرت الحكومة البريطانية في دعم إسرائيل وتبرير أفعالها تحت ذريعة “حق الدفاع عن النفس”، وهو ما يراه كثيرون تحريفًا للحقائق وتواطؤًا مع جرائم الإبادة.
__________________________________________
اقرأ أيضًا
انخفاض شعبية ستارمر إلى أدنى مستوى منذ توليه قيادة حزب العمال
كيف غطى الإعلام البريطاني مجازر الاحتلال في دير البلح؟
تحت قيادة ستارمر.. زيادة العمليات الخاصة المنطلقة من قاعدة بريطانية إلى إسرائيل
الرابط المختصر هنا ⬇