مراقبون يقارنون وضع بريطانيا الحالي بإيطاليا في فترة الركود الاقتصادي
ساهم كل من رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس ووزير المالية السابق كواسي كوارتنج في إصدار كتاب بعنوان: “تحرير بريطانيا من القيود”، ويحذر الكتاب من وقوع بريطانيا في الأزمات التي تواجهها إيطاليا، مثل: تضخم القطاع العام وتراجع النمو وسوء الإنتاج، ووازن الكتاب بين المشكلات التي تشهدها دول جنوب أوروبا وتلك الموجودة في بريطانيا.
وقد عمل كل من ليز تراس وكوارتنج على تكريس هذه المقاربة بين وضع بريطانيا الحالي وإيطاليا سابقًا، في ظل السياسة الجديدة التي حاولا اتباعها بعد وصول تراس إلى السلطة.
صحيح أن نمو الاقتصاد البريطاني كان مخيبًا للآمال بعض الشيء -وسط تفاوت اقتصادي كبير بين أقاليم المملكة المتحدة- لكن غياب الاستقرار السياسي والفوضى في أسواق السندات المالية، يساهمان في تعميق الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
ما أوجه التشابه بين وضع بريطانيا الحالي وإيطاليا سابقًا؟
Tory MPs are in disarray, and Liz Truss has become the human equivalent of Larry the cat, living in Downing Street but wielding no power. Things are turning ever more Britalian: https://t.co/Wf26N0kFPv pic.twitter.com/c1KoKtsMfu
— The Economist (@TheEconomist) October 20, 2022
وتبدو المقارنة بين اقتصاد البلدين غير دقيقة البتة؛ فقد سجل نمو الإنتاج في بريطانيا ثاني أبطأ معدل بين دول مجموعة السبع، لكن معدل النمو في إيطاليا كان أسوأ بكثير بين عامي 2009 و2019.
ويُعَد الاقتصاد البريطاني أكثر تنافسية من نظيره الإيطالي، وينبع معظم المشكلات الاقتصادية لإيطاليا من كونها إحدى دول الاتحاد الأوروبي، على عكس بريطانيا التي تفاقمت أزمتها الاقتصادية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
كما أن المقارنة بين ديون البلدين ليست دقيقة، بل هي مضللة إلى حد كبير، إذ تمتلك بريطانيا ديونًا أقل مقارنة بإيطاليا ولديها عملتها الخاصة وبنكها المركزي، وقد تتأخر إيطاليا عن سداد ديونها وقتًا أطول بكثير من بريطانيا.
ومع أن المقارنة بين وضع بريطانيا الحالي وإيطاليا سابقًا ليست مبنية على الأرقام والإحصاءات، فإن هناك تشابهًا كبيرًا بين وضع بريطانيا الحالي وإيطاليا سابقًا في ثلاث نواحٍ.
أولها حالة عدم الاستقرار السياسي. ويبدو أن كلًّا من البلدين يسيران في نهج متوازٍ عند الحديث عن غياب الاستقرار السياسي؛ فقد توالى على حكم بريطانيا أربعة رؤساء وزراء منذ نهاية الحكومة الائتلافية في أيار/مايو 2015 (وهم ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون وليز تراس).
وبينما يُتوقع وصول زعيمة اليمين المتطرف الإيطالي جيورجيا ميلوني إلى سدة الحكم في روما، يبدو المستقبل السياسي لليز تراس غامضًا.
وتتسارع استقالات الوزراء في بريطانيا، فقد توالى على وزارة المالية أربعة وزراء، واستقالت وزيرة الداخلية أمس بعد 43 يومًا فقط من توليها المنصب الجديد.
وتراجعت الثقة بحكومة حزب المحافظين من 50 في المئة عام 2010 إلى أقل من 40 في المئة اليوم، ما ساهم في تقلص الفارق في الوضع السياسي بين بريطانيا وإيطاليا من 17 نقطة مئوية إلى 4 نقاط فقط.
ويبدو الوضع الاقتصادي متشابهًا جدًّا بين البلدين، فقد صار الاقتصاد الإيطالي ألعوبة بيد أسواق السندات المالية خلال أزمة اليورو، وهو ما يحصل الآن في بريطانيا أيضًا!
وقد أمضى رؤساء الوزراء المحافظون في بريطانيا السنوات الست الماضية في مطاردة حلم تعزيز سيادة الدولة على الاقتصاد البريطاني، لكن الأمر انتهى بفقدان السيطرة على الاقتصاد!
من برلسكوني إلى جونسون…حكومات متعاقبة وحلول غائبة!
ففي إيطاليا سقط رئيس الوزراء السابق برلسكوني سقوطًا مدويًا عام 2011، وسقط معه الاقتصاد الإيطالي في يد برلين وبروكسل، في حين سقط وزير المالية البريطاني السابق كواسي كوارتنج وطُرِد من منصبه؛ بسبب ردة فعل الأسواق التي لم ترضَ عن سياسة التخفيضات الضريبية.
ويبدو أن الجهات المانحة للقروض الحكومية هي من يقود سياسة الحكومة البريطانية في الوقت الحالي.
وسرعان ما تولى جيريمي هانت منصب وزير المالية، ليلغي جميع التخفيضات الضريبية، ويقرر العدول عن خطة تجميد سقف أسعار الطاقة ابتداء من نيسان/إبريل القادم.
ويمنح الوزير هانت الأسواق المالية أولوية خاصة عند اتخاذ ما يلزم من القرارات لتأمين الاحتياجات المالية للبلاد.
وفي الوقت الذي يزداد فيه القلق من الاعتماد على سندات الدين الحكومي في إيطاليا، يبدو أن بريطانيا تعلمت درسًا قاسيًا حول تأثير سداد الدين الحكومي في ارتفاع الرهن العقاري وانخفاض الرواتب التقاعدية.
وفي كلا البلدين تقف مؤسسة الرئاسة والبنك المركزي في وجه السياسيين فيما يتعلق بصناعة القرارات المالية.
ويبدو أن وزير المالية جيريمي هانت سيغير النهج الاقتصادي للبلاد بمساعدة بنك إنجلترا بعد أن أوقف شراء سندات الديون الحكومية، وهو يعمل جنبًا إلى جنب مع مكتب مراقبة الميزانية وتدقيقها الذي سيفرض مزيدًا من القيود الاقتصادية على النواب.
وقد تراجع النمو الاقتصادي في بريطانيا؛ نظرًا إلى غياب الاستقرار السياسي في البلاد، وهو أمر مشابه لما يحصل في إيطاليا، حيث لم تستطع الحكومات المتعاقبة على كل من إيطاليا وبريطانيا تقديم أي إنجاز حقيقي، ويبدو أن تغيير الوزراء وقادة الأحزاب الحاكمة لا يترافق مع تغير جدي في سياسة الحكومة، وفي هذا السياق تبدو حقبة جونسون مشابهة تمامًا لنظيره الإيطالي السابق برلسكوني.
وعلى الرغم من الدور المهم للسياسات الاقتصادية في ضبط الأسواق المالية، فإن استقرار الأسواق لن يؤدي بالضرورة إلى زيادة النمو.
هل تنجح سياسات وزير المالية في تحقيق النمو الاقتصادي لبريطانيا؟
وسيكشف وزير المالية الجديد جيريمي هانت عن خطة مالية جديدة في 31 تشرين الأول/أكتوبر؛ للموازنة بين الديون والعائدات، ويسعى هانت إلى تقليص الإنفاق على البنية التحتية؛ من أجل توفير المال العام، إلا أن هذا الأمر لن يساعد في نمو الاقتصاد.
ويبدو أن هانت سيُلغي زيادات الرواتب التقاعدية، وقد يفرض مزيدًا من الضرائب على الشركات الدولية في بريطانيا، أو يجني مزيدًا من الأموال من خلال فرض الضرائب على الميراث.
ويمكن أيضًا أن يزيد ضريبة الدخل بدلًا من زيادة ضرائب التأمين الوطني التي يدفع ثمنها العمال فقط.
ويبدو التشابه بين بريطانيا وإيطاليا كبيرًا جدًّا، وخصوصًا عندما نتحدث عن الفوضى التي تعصف بحزب المحافظين، حيث تزداد الانقسامات في صفوف الحزب وسط إشاعات عن استمرار الاستقالات في صفوف الوزراء، وانقلاب سياسي على رئيسة الوزراء ليز تراس.
تظهر رئيسة الوزراء البريطانية اليوم بلا حول ولا قوة إذا قرر الحزب التخلص منها، لكن يجب على النواب المحافظين إيجاد بديل لتراس أولًا عبر التوافق على شخصية واحدة، الأمر الذي يبدو مستحيلًا في ظل الانقسامات التي تعصف بالحزب.
انتخابات مبكرة
ويبدو أن الحاجة لإجراء انتخابات محلية في بريطانية أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، إذ لابد من انتخاب نواب جدد، إذا فشل الحاليون في تفويض رئيس وزراء جديد خلفًا لتراس، وسط الانقسام الذي يعصف بحزب المحافظين.
وعلى الرغم من أن الانتخابات العامة لم تحل المشاكل في إيطاليا، إلا أنَها قد تمنح أملًا لبريطانيا التي تعاني حالة من انعدام الاستقرار السياسي بسبب تفرّد حزب المحافظين بالسلطة.
إذ يرى مراقبون بأن حزب المحافظين قد أُنهِكَ سياسيًا بعد 12 عامًا من تولي زمام السلطة في بريطانيا، كما يعاني الحزب من تبعات مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي.
باختصار، يمكن القول بصحة كلام رئيس الوزراء السابقة ليز تراس والتي أشارت إلى أن تراجع النمو الاقتصادي يشكل أكبر المشاكل التي تواجه بريطانيا، لكن لا يمكن حل المشكلة عبر إقرار سياسات منفصلة عن الواقع، بل يحتاج الأمر إلى حكومة مستقرة ومتماسكة، الأمر الذي لا يستطيع حزب المحافظين توفيره.
‘
اقرأ أيضاً :
ما معدل التضخم الحالي في بريطانيا ولماذا ترتفع تكلفة المعيشة؟
خبراء: بريطانيا على حافة الركود الاقتصادي بعد حالة الانكماش الأخيرة
ليز تراس المحاصرة تدعي أنها ستقود المحافظين بالانتخابات المقبلة في بريطانيا
الرابط المختصر هنا ⬇