وانتصفت العشر!

وصلنا بفضل الله وبرحمته إلى نهاية الشهر الفضيل وزيادة.
ويتنوع الناس في ما آلوا إليه؛ فمنهم من زاده همّةً وتهذيبًا لنفسه وأدرك حقيقة الصيام وجوهره الذي أراده الله وأكدَّ على حكمته حين قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة: البقرة، الآية: 183].
ومن الناس من بدأت همته في التباطؤ بالتقصير وإظهار التذمر والتعب، وقضاء كثير من أوقات رمضان في النوم والفراش داعيًا الله أن يقضي عنه رمضان عاجلًا غير آجل!
والحقيقة أن الذكيّ والفطِن هو من عرف أن أغلب رمضان قد ذهب، وأن الباقي هو الذهب!
ولَئِن كان ذهب معظمه فما بقي فهو أعظمه
فانتبهَ واستعدَّ شاحذًا همته، ومقاومًا شهوته في مطعمه ومنامه وقيامه، وداعيًا الله – سبحانه وتعالى – أن يبلِّغه ليلة القدر، ويعتقه من النيران، وأن يخرجه من رمضان وقد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر.
فرِفقًا بأنفسكم في هذا الشهر الكريم رجالًا ونساءً…
وأخص بالذكر المرأة التي تقوم على تنظيف المنزل ورعايته، وربما يزيد الحِمل عليك أيتها السيدة والفتاة في هذا الشهر وأنتِ تنظفين الغُرَف والمجالس، وتشتكين من الفوضى ومما حصل. ويزيد العبء عليها في أواخر الشهر الفضيل بمزيد من المسؤوليات في تجهيز البيت للعيد، والأولاد في استقبال هداياهم وكسوتهم، وتحضير أصناف الحلوى والتجهيزات المتعددة!
لكن تذكري أنها ما كانت لولا وجود الأحبة واجتماعهم، ولولا كرم الله – سبحانه وتعالى – بهبته لكِ أطفالك وأهلك وجيرانك، فادعي الله سبحانه وتعالى أن يديم جمعهم ولا يفرقهم.
وكذلك حين تُطيل المرأة والفتاة الوقوف في المطبخ، وتطبخ أصناف الطعام على الإفطار فتذكري – غاليتي – أن لديك ما تطبخين، وأن الله أكرمك بوجود الخيرات والنِّعَم، وأن ذلك مما تفضل الله به عليك في بيتك، وحُرِمت منه ملايين السيدات والفتيات المهجّرات حول العالم.
وكذلك حين تكثر الأواني المتسخة والأطباق فذلك يعني أنكِ وأهل بيتك لن تناموا على جوع، وأن ذلك نتيجة تنويع الأصناف والنِّعم والخيرات التي تفضَّل الله بها عليكم في منزلكم، متذكرةً قوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة: إبراهيم، الآية: 7].
كما أتوجه بالحديث كذلك إلى الرجل وهو يُحضِرُ أصناف الطعام إلى البيت والمستلزمات والمشتريات و… في ظل تتابع المسؤليات، وغلاء الأسعار، وتزايد الأعباء، ومتسارعات الحياة وقد يغفل عن باله أحيانًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بها وجْهَ اللَّهِ إلّا أُجِرْتَ عَلَيْها، حتّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ) [أخرجه البخاري في صحيحه] متناسيًا في ظل إرهاقه احتساب أجره، وتجديد نيّته بستر زوجته وأطفاله، وأنه لولا مجهوده وعطاؤه لَمَا كانت هذه الأسرة لِتنعُم بالخيرات وأجواء الخير في هذا الشهر الفضيل، ولَمَا كانت طلبات العائلة تحققت لولا وجوده وعطاؤه بعد فضل الله سبحانه.
شهر رمضان مزرعة للحسنات

إنّ احتساب الأجور وتنويع العبادات، وخاصة في النصف الثاني من رمضان والأيام الفضيلة الأخيرة، واستشعار كمية النعم لهي من خير الأمور المعينة على استشعار بركة هذا الشهر العظيم واستثمارها، هذا الشهر الذي هو مزرعة للحسنات، ومدعاة لمزيد من الإحساس بتماسك الأسرة والشعور بفضل كِلا الطرفين على بعضهما، وفرصة لتهذيب النفوس مما علق بها طوال العام من متراكماتٍ، وربما استذكار لكثير من النِّعم التي غابت عن نفوسنا وعقولنا – نحن الأفراد والأُسر – في زحمة عبادات هذا الشهر الفضيل ومتطلباته.
وخير ما يعين على استثمار الأيام القادمة الذهبيّة واستغلالها على الوجه المناسب هو تنظيم الوقت، وأخذ أقساط قليلة ومتعددة من الراحة، مما يعين على قيام الليل، وعلى الجلوس بعد الفجر إلى الإشراق وصلاة الضحى واغتنام اكتساب أجر حجةٍ وعمرةٍ تامة تامة…
كما في حديث النبي صلى الله عليهِ وسلَّم حين قال: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِى جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) [رواه الترمذي].
وخير ما يعين على إحياء تلك المعاني والعبادات الفاضلة واستشعار النِعم “الصحبة الصالحة” التي تشحن ذوي الهمم، وتُعين على نوائب الدهر، ويكون فيها روح المنافسة في الخيرات، ولملمة شتات البيوت. وكذلك “استغلال جميع منصّات التواصل الاجتماعي” التي تتيح الاجتماع على الخيرات، والتذكير بكتاب الله، وتدارس فقه الصيام والحياة والأُسرة، وتدبر آيات القرآن الكريم التي تشحن ما ذبل من النفوس وتناسته العقول في ظل زحمة الحياة مستشعرين فضل الله بحلول الشهر الفضيل علينا ابتداءً ونعمة الختام انتهاءً، ونحن نرفل في ثياب الصحة والخيرات والأمان، وأشكال شتّى من مُتع الحياة.
احسِن استخدام المنصّات المجتمعية!
ولا شك أن تلك المنصّات المجتمعية هي سلاح ذو حدَّين!
لكن يبقى ذكاؤك وفطنتك في استغلاله السلاح الذي يصب في مصلحتك لا عكس ذلك! وأن لا تكون مادةً لمضيعة الوقت والإسفاف بالنفس والزُهد في ملايين من الحسنات والنوافل والطاعات. فإن كانت تلك المواد تعود فربما رمضان لن يعود! فلا تغرّنك نفسك بطول الأمل والعهد!
ولعلنا نردِّد بكثرة في هذه الأيام دعاء النبي صلى الله عليهِ وسلَّم الذي علّمنا إياه: (اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي) [أخرجه الترمذي].
ودعاء: (اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأزواجنا وأولادنا وكل من “له حق علينا من النيران”.
آمين يارب العالمين.
اقرأ المزيد:
الرابط المختصر هنا ⬇