هيئة الصحة NHS ترفض أدوية الزهايمر الجديدة رغم فعاليتها في إبطاء المرض

رغم حصولها على ترخيص الاستخدام في المملكة المتحدة منذ العام الماضي، تُواجه أدوية الزهايمر الجديدة “ليكانيماب” (lecanemab) و**”دونانيماب”** (donanemab) رفضًا رسميًّا من هيئة المعايير الصحية البريطانية (Nice)، التي قررت عدم التوصية باستخدامها ضمن نظام الصحة الوطني NHS، على خلفية ما اعتبرته “عدم الجدوى الاقتصادية” للعلاج.
ويُرجّح أن يُحرَم أكثر من 70 ألف مريض في إنجلترا من إمكانية الوصول إلى هذه الأدوية التي تُعد الأولى من نوعها في قدرتها على إبطاء تطوّر المرض من خلال إزالة بروتين الأميلويد السام من الدماغ، والذي يُعتقد أنه المسبّب الرئيسي لتدهور الذاكرة لدى مرضى الزهايمر.
بداية النهاية… التي لم تكتمل
عندما أُعلنت نتائج التجارب الإيجابية الأولى لهذه الأدوية في عام 2022، استبشر الباحثون والناشطون باعتبارها “بداية النهاية” لمرض الزهايمر. لكن قرار الهيئة الصحية بعدم التوصية بها على مستوى NHS، رغم توفرها في الأسواق الخاصة، مثّل ضربة قاسية للمرضى وعائلاتهم، وللقطاع العلمي والطبي في المملكة المتحدة عمومًا.
ووفقًا للتقديرات، يؤثر الزهايمر على نحو 600 ألف شخص من أصل مليون يعانون من الخرف في المملكة المتحدة، وتُخصّص هذه العلاجات حصرًا للحالات المبكرة، حيث تكون أكثر فعالية.
أظهرت التجارب أن استخدام الأدوية يبطئ تدهور القدرات الذهنية لدى مرضى الزهايمر المعتدل والخفيف بما يتراوح بين أربعة إلى سبعة أشهر في المتوسط، مع تسجيل حالات أكثر استقرارًا لدى بعض المرضى لسنوات.
لكن التكلفة العالية للعلاج – والتي تبلغ نحو 20ألف إلى 25ألف باوند سنويًّا للعقار وحده – كانت السبب الرئيسي في الرفض. إذ يُقدّر أن الكلفة النهائية تتضاعف بعد احتساب نفقات الفحوصات والتصوير والجلسات الدورية في المستشفى. ووفقًا لتقديرات “ألزهايمر ريسيرش يو كيه”، يُكلّف العلاج الخاص سنويًّا ما بين 60 ألف و80 ألف باوند للفرد.
ورغم عرض الشركات المُصنّعة خصومات سرّية على NHS، إلا أن الهيئة الصحية اعتبرت أن الفوائد العلاجية “لا تُبرّر الموارد الضخمة” المطلوبة لتطبيق العلاج.
صدمة في الأوساط العلمية والطبية
وصفت هيلاري إيفانز-نيوتن، المديرة التنفيذية لمنظمة “ألزهايمر ريسيرش يو كيه”، القرار بأنه “محبط للغاية” ويحمل “رسالة سلبية” إلى قطاع علوم الحياة والأبحاث في بريطانيا. وحذّرت من تداعيات القرار على مكانة المملكة المتحدة كوجهة للابتكار والبحث في مجال الزهايمر، قائلة:
“رغم أن هذه العلاجات ليست مثالية، فإنها تُشكّل نقطة انطلاق حيوية. العلم يتقدّم بالتدريج، ولا يمكن خنق بوادر التقدّم بحجة الكلفة فقط”.
وتُعبّر شركات الأدوية عن قلقها المتزايد من أن بريطانيا قد تفقد قدرتها التنافسية في جذب الاستثمارات بمجال التجارب السريرية، إذا استمرّ رفض العلاجات الجديدة. وقالت إميلي بيغ، المديرة الطبية لشركة “إيلي ليلي” في بريطانيا: “إذا لم يكن المريض قادرًا في النهاية على الحصول على العلاج، فسيصبح من الصعب الدفاع عن بريطانيا كأولوية لإطلاق الأدوية الجديدة.”
المرضى يلجؤون إلى القطاع الخاص… أو التجارب

في ظل رفض NHS، يضطر بعض المرضى إلى اللجوء إلى العيادات الخاصة، مثل “عيادة كليفلاند” في لندن، حيث يخضع نيك بريك (60 عامًا) للعلاج بـ lecanemab بعد أربع سنوات من المعاناة لتشخيص حالته. يقول نيك: “لا أعلم إن كان الدواء يُحدث فرقًا، لكن مجرّد أنني أفعل شيئًا إيجابيًّا يشعرني بتحسن”. أما زوجته، نِكي، فقالت إن العلاج منح العائلة دفعة أمل قوية، مضيفة: “نرغب من كل قلبنا أن يحظى الجميع بنفس الفرصة.”
في المقابل، يُمكن لمن لا يستطيع تحمّل التكاليف أن يُشارك في التجارب السريرية، والتي تُقدَّم مجانًا، لكن مع احتمال بنسبة 50% لتلقي علاج وهمي (Placebo)، حسب ما ذكرت الطبيبة إيمير ماكسويني، الرئيسة التنفيذية لمجموعة “ري:كوغنيشن هيلث”.
وافقت دول عديدة على واحد أو كلا العقارين، منها الولايات المتحدة، اليابان، أستراليا، سنغافورة، كوريا الجنوبية، الصين، وعدة دول في الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية. في حين لا يزال مرضى إنجلترا في انتظار قرار حاسم، وجدير بالتفكير.
موقف منصة “العرب في بريطانيا”
في ظل هذا القرار، تذكّر “العرب في بريطانيا” بأهمية إعادة التفكير في مفهوم “الجدوى الاقتصادية” عندما يكون الأمر متعلقًا بكرامة الإنسان وحقه في العلاج. فرفض الدواء لا يعني فقط خسارة أشهر أو سنوات من الوعي للمريض، بل هو أيضًا رسالة مفادها أن تكلفة الحياة قد تُقاس بالأرباح لا بالقيمة.
إننا نُعرب عن قلقنا من سياسات تقشفية في قطاع الصحة قد تُقصي الضعفاء وكبار السن، وتُهدد مستقبل البحث والابتكار في بريطانيا. ونؤكد دعمنا لكل جهد يُطالب بتوفير هذه العلاجات المنقذة للكرامة لجميع المرضى، بلا تمييز طبقي أو مالي.
المصدر صانداي تايمز
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇