هل سيربك حزب جيريمي كوربين الجديد المشهد السياسي في بريطانيا؟

شهد إطلاق الحزب السياسي الجديد لزعيم حزب العمّال السابق جيريمي كوربين بداية مرتبكة، بعد أن وجه دعوة للناس لدعم مشروعه الجديد من خلال موقع إلكتروني يُدعى “حزبكم – Your Party”، ما دفع كثيرين للاعتقاد أن هذا هو اسم الحزب. لكن النائبة زارة سلطانة سارعت لتصحيح هذا الانطباع بعد دقائق، مؤكدة أن الحزب لم يُسمَّ حتى الآن تسمية رسمية.
ورغم البلبلة، فإن التهديد الذي قد يشكّله حزب كوربين على الساحة السياسية البريطانية حقيقي للغاية. ففي داونينغ ستريت هناك حالة من القلق، أما أوساط حزب “ريفرم يو كيه – Reform UK” فإنها تعيش حالة من الابتهاج، إذ يرون في هذا الحزب الجديد فرصة لتفتيت أصوات اليسار ومنحهم تقدّمًا في معاقل حزب العمّال التقليدية.
رسالة يسارية راديكالية ودعم صارخ لغزة
يعتمد حزب كوربين على مزيج من خطاب اقتصادي يساري راديكالي، وموقف حاد وواضح في دعم القضية الفلسطينية وقطاع غزّة، ما يجعله جاذبًا لشريحة كبيرة من الناخبين الغاضبين من تحوُّل كير ستارمر نحو الوسط، وابتعاده عن جذور العمّال اليسارية، وبخاصة فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي نظر حزب “ريفرم”، فإن دخول كوربين إلى السباق السياسي قد يقسّم أصوات اليسار، ويمنح نايجل فاراج فرصة حقيقية لتحقيق اختراق في دوائر عمالية كانت تُعَد محصنة. وكلما سحب حزب كوربين أصواتًا من حزب العمّال، زادت حظوظ اليمين في الفوز بمقاعد حاسمة.
دروس من انتخابات 2024.. ومفاجآت في ليستر
تشير التحليلات إلى أن هذا التهديد ليس افتراضيًّا، بل سبق أن تجسّد في انتخابات 2024، حين كاد وزراء بارزون في حزب العمّال أن يخسروا مقاعدهم، مثل شابانا محمود وجيس فيليبس في برمنغهام، وويز ستريتينغ في لندن.
لكن المفاجأة الكبرى كانت في دائرة “ليستر إيست”، حيث خسر حزب العمّال مقعدًا تاريخيًّا لمصلحة المحافظين، بعدما نجح مرشحان مستقلان -على خلفية دعمهما الصريح لغزة- في سحب الأصوات ودفع العمّال إلى المرتبة الثانية.
تحالفات برلمانية وقاعدة شعبية أولية
يحظى المشروع الجديد بدعم “التحالف المستقل”، وهو تكتل برلماني يضم أربعة نواب يعارضون بشدة موقف حزب العمّال من الحرب على غزة. ووفق ما أعلنه كوربين وسلطانة، فقد أبدى أكثر من 80 ألف شخص دعمهم للحزب الجديد خلال ساعات من إطلاقه، ما يعكس زخمًا شعبيًا أوليًّا لا يُستهان به.
وقد عبّر أحد نواب العمّال، رغم تمتّعه بأغلبية تفوق 15 ألف صوت، عن قلقه قائلًا: “الدروس التي استخلصها المحافظون في 2024 تؤكد أن لا وجود لما يُسمى دائرة آمنة. وأخشى أن نكون في حزب العمّال غافلين عن حقيقة أننا قد نواجه المصير ذاته”.
معركة مفتوحة في زمن التعددية الحزبية
ورغم اطمئنان فريق ستارمر إلى قدرتهم على إظهار التقدّم وكسب ثقة الناخبين لضمان التصويت لهم بوصفهم حائط صد في وجه فاراج، فإن الواقع الانتخابي في بريطانيا بات أكثر تعقيدًا. فكما يرى بعض الناخبين في حزب “ريفرم” ملاذًا من المؤسسة السياسية التقليدية، قد يرى آخرون في يسار كوربين ملاذًا من الخيانة السياسية لقيمهم.
ففي زمن السياسة التعددية وتآكل ثقة الناس في الأحزاب الكبرى، قد تؤدي تحركات بسيطة في نسب التصويت إلى نتائج سياسية مؤلمة، تفوق حجمها العددي بكثير.
ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن صعود مشروع سياسي جديد بقيادة شخصية يسارية مخضرمة مثل جيريمي كوربين يعكس أزمة عميقة في تمثيل الأصوات التقدمية واليسارية داخل المشهد البريطاني الحالي، خصوصًا ما يتعلق بالموقف من فلسطين وغزة. إن انفتاح الساحة أمام خيارات جديدة قد يربك الحسابات التقليدية، لكنه في الوقت ذاته يفتح أفقًا لتجديد الديمقراطية وتحدي صمت التيارات المركزية عن القضايا الأخلاقية الكبرى. وفي هذا السياق، تنبّه المنصة إلى أهمية أن يُحسم التنافس السياسي عبر صناديق الاقتراع لا عبر التجريم أو الإقصاء، وأن يُستمع لصوت الشارع الغاضب بدل تجاهله.
المصدر: ذا تايمز
إقرأ أيّضا
جيرمي كوربين يسمّي حزبه الجديد.. “يور بارتي” لمستقبل بريطاني أكثر عدالة
جيرمي كوربين تحت تهديد الاستبعاد من حزب العمال بعد قبوله تبرعًا
استطلاع: ريشي سوناك لا يحظى بشعبية أكبر من بوريس جونسون وجيرمي كوربين
الرابط المختصر هنا ⬇