التلغراف: هل تجاوز غضب الشارع البريطاني المستويات المعهودة؟
شهدت بريطانيا خلال الأسابيع الماضية موجة غير مسبوقة من الجدل والانتقادات، بعد أن كشفت صحيفة التلغراف سلسلة من المخالفات التحريرية داخل بي بي سي. وتزامنت هذه التطورات مع مرحلة سياسية دقيقة يعيش فيها الشارع البريطاني حالة احتقان اقتصادي واجتماعي، في ظل تنامي الشكوك بشأن قدرة المؤسسات الإعلامية والحكومية على استعادة ثقة الجمهور.
خلاف قديم يعود إلى الواجهة

ذكر الإعلامي البريطاني نيك فيراري حادثة تعود إلى خمسة أعوام، حين اضطر المدير العام السابق لبي بي سي، تيم ديفي، إلى قطع إجازته في كورنوال والتوجه إلى غرفة الأخبار في ترورو خشية أن يصبح مادة لسخرية فيراري، بعد انتقاد الأخير له سابقًا؛ بسبب تجاهله المناطق البريطانية خارج لندن.
الأزمة التي هزّت بي بي سي
انفجرت الأزمة الأخيرة عقب كشف التلغراف أن برنامج بانوراما دمج مقطعين من خطاب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطريقة مضللة، ما أدى إلى استقالة تيم ديفي ومديرة الأخبار ديبورا تورنِس.
وفي تصعيد مفاجئ، هدد ترامب بي بي سي بضرورة تقديم اعتذار رسمي أو دفع تعويض يصل إلى مليار دولار (760 مليون باوند).
لاحقًا كشفت الصحيفة تعديلًا آخر لخطاب ترامب، هذه المرة في برنامج نيوزنايت، ما دفع بي بي سي في نهاية المطاف إلى تقديم اعتذار عن تعديل بانوراما، مع تمسكها برفض أي تعويضات مالية.
فيراري: بطء بي بي سي يعكس “شللًا مؤسسيًّا”

عبّر فيراري عن استيائه من الطريقة التي تعاملت بها بي بي سي مع الأزمة، مؤكدًا أنها تعاني من “شلل مؤسسي” يمنعها من التحرك السريع في المواقف الحرجة.
وأضاف أن ما حدث لم يكن مجرد خطأ مهني، بل “تعديلات متعمدة” تمس جوهر المهنية التحريرية.
كما أشار إلى سوابق أثرت في مصداقية المؤسسة، مثل بث فقرة في مهرجان غلاستنبري تضمّنت هتافات معادية، إلى جانب تقارير عن استضافة قناة بي بي سي عربي لضيف وصف اليهود بـ”الشيطان” مئات المرات.
انقسام داخلي وفجوة متزايدة مع الجمهور
يرى فيراري أن بي بي سي أصبحت “منقسمة داخليًّا” وغير قادرة على استيعاب توجهات الشارع البريطاني، وبخاصة فيما يتعلق ببريكست، حيث بدا لبعض العاملين في المؤسسة وكأنهم “في حالة حداد” لحظة إعلان النتائج.
ويضيف أن الانتقادات المتعلقة بغلبة توجهات سياسية محددة داخل بي بي سي ليست جديدة، مشيرًا إلى اعتمادها سابقًا بشكل شبه كامل على صحيفة الغارديان في التوظيف، ما ولّد “فقاعة فكرية” لا يشعر العاملون داخلها بوجود تحيز.
عقبات الثقة في العصر الرقمي
وفقًا لفيراري، فإن أكبر عقبة تواجه بي بي سي اليوم هو استعادة ثقة الأجيال الأصغر، في ظل توسع الإعلام الرقمي وسهولة وصول الجمهور إلى بدائل إعلامية متعددة.
LBC… صوت متنوع في المشهد الإعلامي

يشكل برنامج فيراري الصباحي على إذاعة LBC مساحة كبيرة للنقاش السياسي منذ عام 2001. ويطرح فيراري نفسه بوضوح كصوت يميل لليمين، في حين يقدم زميله جيمس أوبراين وجهة نظر مخالفة، ما يوفر للمستمعين تنوعًا يعزز حضور المحطة وشعبيتها.
الغضب الشعبي: الاقتصاد والهجرة في قلب التوتر
يرصد فيراري حالة غضب شعبي غير مسبوقة بين المستمعين، ويربطها بعدة عوامل، أبرزها: صعوبة حصول الشباب على وظائف رغم مؤهلاتهم
الارتفاع الشديد في أسعار المنازل واستحالة دخول سوق العقار، ضعف النمو الاقتصادي الذي وصفه بـ”نمو حلزون سكران فاقد للذاكرة”.
وفي ملف الهجرة، يُشار إلى أن نايجل فاراج وحزب ريفورم استطاعا التعبير عن مخاوف جزء كبير من البريطانيين، الذين يشعرون بأن النظام الحالي يسمح لـ”تجاوز الطابور”، وهو سلوك يعتبرونه منافيًا للقيم البريطانية.
تؤكد منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن ما يطرأ اليوم على علاقة بي بي سي بالجمهور يمثل محطة حاسمة في مسار الإعلام البريطاني. وترى المنصة أن وقوع أخطاء تحريرية في ظل موجة غضب شعبي متصاعد يعمّق أزمة الثقة القائمة، ويوسّع الفجوة بين المواطنين وصنّاع القرار.
كما تنبّه المنصة على أن الإعلام المستقل والمسؤول قادر على أن يؤدي دورًا جوهريًّا في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة، وفي إعادة بناء علاقة أكثر توازنًا وثباتًا بين المجتمع والمؤسسات في بريطانيا.
المصدر: التلغراف
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
