هل الهدية ضرورية في واقعنا المعاصر؟

يمكنكم الاستماع إلى هذا المقال صوتياً هنا:
https://soundcloud.com/user-345525036/gifts?utm_source=clipboard&utm_medium=text&utm_campaign=social_sharing
كانت أمي رحمها الله تردد دائما ” أنا غنية وأحب الهدية “، وهذه العبارة هي من عيون الأمثال الشعبية الدارجة لتشجيع الناس على تبادل الهدايا مصداقا للهدي النبوي الشريف “تهادوا تحابوا” لما للهدية من أثر في إدخال السرور على المُهدى إليه وتعزيز أواصر المحبة بين الناس.
وعليه تكتسب الهدية قيمة خاصة، لا يقلل منها إلا بخيل ولا يبالغ بها إلا متباه، وخير الأمور أوسطها.
وهناك عوامل عدة نحتاج لأخذها بعين الاعتبارمن أجل فهم أفضل للهدية ودورها، ومنها:
1- التوقيت
يقول المثل اللاتيني “قيمة الهدية في توقيتها”، وعليه حين نفاجئ شخصا بهدية بتاريخ معين له رمزيته بالنسبة إليه يكون للهدية وقع أكبر في نفسه، ويمكن لأصحاب الذاكرة القصيرة أو كثيري النسيان الاستفادة من تطبيقات الهاتف الكثيرة بجدولة المواعيد المهمة للأشخاص المحيطين بهم والعزيزين عليهم لتذكر مناسباتهم.
2- القيمة
تكمن قيمة الهدية بمقدار مهديها لا الشخص المهداة إليه، فالهدية على قدر من يقدمها لا من تقدم إليه، وفي المقابل يدرك من نقدم له الهدية ذلك بناء على معرفته بحالنا وإمكاناتنا، كما قال الشاعر:
جاءت سليمان يوم العرض هدهدةٌ … أهدت إليه جراداً كان في فيها
وأنشدت بلسان الحال قائلةً: … إنَّ الهدايا على مقدار مهديها
لو كان يهدي إلى الإنسان قيمته … لكان يهدى لك الدنيا وما فيها
3- التقدير
تعتبر الهدية شكلا من أشكال التقدير لأشخاص قدموا لنا معروفا ما في حياتنا ونحب أن نكافأهم عليه دون إحراجهم، فتكون الهدية خير وسيلة لذلك؛ حيث يمكن أن يعبّروا عن استيائهم إن قدمنا لهم مالا، ويقولون نحن لا نعمل معك بالأجرة، نحن نكرمك لوجه الله، إكراما لصداقتنا أو محبتنا أو للأشخاص الذين هم سبب في تواصلنا.
وعليه تكون الهدية خير وسيلة لرفع الحرج عن الطرفين.
4- التعريف
تلعب الهدية دورا هاما في التبادل الثقافي والمعرفي بين الناس على مختلف مشاربهم، وتحظى بأهمية خاصة عندما تكون سفيرا فوق العادة يقدم ثقافة شعب لآخر، وحضارة لبيئة أخرى، فتجد المغربي يفرح بتقديم القفطان والجزائري بإهداء الحريرة والتونسي بتقديم اللبلاب والليبي بحلوى العصيدة و المصري بالفطير المشلتت والسوداني حين تشرب من يديه الكركديه.
ولن يكون اليمني أقل سعادة بتقديم خنجره والخليجي طعامه و ابن بلاد الشام زيته وزيتونه وهكذا فالأمثلة لا حصر لها.
5- الواقعية
يمكن أن يكون أثر الهدية سلبيا إذًا بالغ المُهدي بقيمتها، الأمر الذي يسبب حرجا كبيرا للمُهدى إليه، وربما جعله يعزف عن قبولها، وعليه من اللطيف مراعاة شعور من تقدم إليه، وتذكر أنها هدية وليست صدقة ولا هبة من حاكم لمحكوم.
6- عدم انتظار الرد
الإنسان الراقي في علاقاته الاجتماعية هو الذي يعتني جدا بمراعاة الآداب والأذواق عند الزيارة أو مشاركة الآخرين أفراحا ومناسبات تعنيهم، ويقدم الهدايا اللائقة دون انتظار مقابل أو تسجيل مواقف.
وبالمقابل من المعيب أن يكتفي أحدنا بموقع المتلقي للهدايا، دون محاولة ردها ولو بشيء رمزي.
يُستحسن الانتباه لممارسات معينة يرتكبها كثيرون في عالم الهدية ومنها :
- السفر دون العودة ولو بهدايا رمزية للزوج / الزوجة وأفراد العائلة
وهذا تصرف يمكن ان يُعتبر خاطئا جدا ويفتقر الى الحكمة ويعكس صورة سلبية عن الشخص، وهنا تكمن أهمية الهدية برمزيتها حتى لو كانت قيمتها المادية بسيطة، فهي تقول على لسان مهديها: أنتم دائما في القلب رغم بُعد الشُقة وكثرة المشاغل!
- تقديم مواد تجميل هدية للزوجة
وهذه سقطة كبيرة دونها ما صنع الحداد؛ وكأنّ الزوج إذا وقع بها – بحسن نية – يقول لزوجته: لقد هرمت! وتحتاجين ما يخفي عيوب بشرتك ويجعلك جميلة.
- زيارة شخص أو دخول منزل لأول مرة دون هدية
ويعتبر هذا في ثقافتنا الشعبية وعاداتنا الاجتماعية العربية معيبا وغير لائق بالمطلق.
- طلب الهدية
لا يليق طلب هدية من الشخص وإحراجه بذلك أمام الآخرين، ويُخشى أن يدخل هذا في دائرة الحرام الذي يحصل عليه أحدهم بإحراج غيره وفرض الأمر عليه، رغم انزعاجه الظاهر أو المخفي من ذلك. وقديما قيل: ما أُخذ بسيف الحياء فهو رد!
قبل أن أختم
مر علي أثناء إعداد المقال مقطع طريف يؤصل لتاريخ نشوء الهدية بقوله ( وجاء في موسوعة غرائب العالم: الأصل في الهدايا أن تكون بمثابة رشوة تعطى للحكام في مدن الأغريق القديمة، وتطورت تلك الرشوة من الحكام إلى قادة الجيش ثم إلى بقية الأفراد·)
ولكننا نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم، القدوة، حث على الهدية، وشرحت أعلاه جملة من الآداب الناظمة لها.
ولنتذكر…
الهدايا، مهما كانت متواضعة، تديم الحب وتحفظ الصداقة وتدل على الذوق الرفيع.
اقرأ المزيد:
الرابط المختصر هنا ⬇