نحو 4.5 مليون طفل في إنجلترا تحت خط الفقر … أين الدعم؟

قالت مفوّضة الأطفال في إنجلترا إنّ الأطفال يعيشون في “مستويات من الفقر تكاد تكون قاتمة”، مؤكدة أنّ الحرمان بات طبيعيًا لدى كثيرين، وأن حدّ الطفلين في نظام الاستحقاقات يجب أن يُلغى فورًا.
وأوضح تقرير جديد أنّ الأطفال تحدّثوا عن معاناتهم من نقص المياه اللازمة للاستحمام، وانتشار الفئران التي تنهش الجدران، وغرف نوم مغطّاة بالعفن، في مشاهد تعكس ما وصفه التقرير بـ”أزمة المعاناة” التي تشهدها البلاد.
مفوضة الأطفال: شهادات صادمة عن فقر مدقع وغياب أبسط مقومات الحياة
وقالت ديم رايتشل دي سوزا إنها لاحظت تغيرًا واضحًا في طريقة حديث الأطفال عن حياتهم خلال السنوات الأربع الماضية منذ تسلّمها المنصب، مشيرة إلى أنّ “قضايا كانت تُعدّ سابقًا شؤونًا تخصّ الكبار، بات الأطفال اليوم يشعرون بها ويعبّرون عنها بوضوح”.
وأضافت: “روى الأطفال شهادات مؤلمة عن معاناة يومية، تصل لدى بعضهم إلى فقر يشبه ما كان في زمن تشارلز ديكنز”. وتابعت: “هم لا يتحدثون عن الفقر كمفهوم نظري، بل عن غياب أبسط مقومات الحياة: منزل آمن لا يعجّ بالعفن والفئران، وسرير يتّسع لهم، وطعام بسيط مثل اللحم المقدد، ومكان لأداء الواجبات، وتدفئة، وخصوصية في الحمام، والقدرة على الاستحمام، واستضافة الأصدقاء، وعدم الاضطرار إلى السفر لساعات للوصول إلى المدرسة”.
وحذّر التقرير من أنّ كثيرًا من الأطفال باتوا يعتبرون هذه الظروف القاسية طبيعية، ما يعكس تدنيًا خطيرًا في مستوى توقعاتهم لما ينبغي أن يُوفَّر لهم.
وشدّدت دي سوزا على أنّ “أصحاب القرار في واحدة من أغنى المجتمعات في العالم يجب أن يشعروا بالخزي، إذ ينشأ الأطفال وهم يدركون أن مستقبلهم مرهون بوضعهم المالي”.
رقم قياسي لفقر الأطفال في بريطانيا وضغوط متزايدة لإلغاء حدّ الطفلين
وبحسب أحدث الإحصائيات، يعيش رقم قياسي يبلغ 4.5 ملايين طفل في فقر داخل بريطانيا حتى أبريل 2024. وقد تأجلت الاستراتيجية الجديدة التي وعد بها حزب العمال لمعالجة فقر الأطفال إلى ما بعد الخريف، وسط ضغوط متزايدة لإلغاء حدّ الطفلين في الائتمان الشامل.
وكانت وزيرة التعليم بريدجيت فيليبسون قد صرّحت، يوم الأحد، بأنّ التراجع الأخير في قرارات الحكومة بشأن سياسات الرفاه الاجتماعي “جعل اتخاذ قرارات مستقبلية أكثر صعوبة”، في تصريح أثار القلق بشأن إمكانية إدراج هذه المسألة في الاستراتيجية المنتظرة.
يُذكر أن حدّ الطفلين فُرض لأول مرة في أبريل 2017، في عهد المحافظين، ويقيّد حصول العائلات على إعانة الطفل والائتمان الشامل لأول طفلين فقط في معظم الحالات. وتُقدّر مجموعة مكافحة فقر الأطفال أن هذا الإجراء يدفع بـ 109 طفلًا إلى الفقر يوميًا.
ووفقًا لتقديرات المعهد الوطني للدراسات المالية، فإن إلغاء هذا الحد سيكلّف الحكومة حوالي 3.4 بليون باوند سنويًا، وسيُخرج نحو 500 ألف طفل من دائرة الفقر النسبي.
وأكّدت دي سوزا أنه “لا يوجد حلّ سريع لفقر الأطفال”، لكنها شدّدت على أنّ “أي استراتيجية فعّالة يجب أن تبدأ بإلغاء هذا الحد الجائر”.
واعتمد تقرير المفوضة على شهادات 128 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 6 و 18 عامًا، جُمعت في الفترة بين يناير ومارس 2025، وتناول معاناة الأطفال من غياب الطعام الصحي، والعيش في أماكن مكتظة ورديئة.
كما دعت إلى فرض “قفل ثلاثي” على المساعدات المتعلقة بالأطفال لضمان مواكبتها للتضخم، وإجراء إصلاحات تمنع إسكان العائلات في فنادق مؤقتة لأكثر من الحد القانوني البالغ 6 أسابيع، إلى جانب توفير المواصلات المجانية لجميع الأطفال في سنّ الدراسة داخل إنجلترا.
معلمون يتحمّلون أعباء الفقر في المدارس والحكومة تؤكد التزامها بخفض الأرقام القياسية
من جانبه، قال بول وايتمان، الأمين العام لاتحاد قادة المدارس NAHT، إنّ المعلّمين باتوا يتولّون مهامًا إضافية لا تُحتمل، مثل إدارة بنوك غذائية ومراكز تدفئة، وتقديم قسائم طعام، وحتى السماح باستخدام مرافق الغسيل.
وأضاف: “هذا الواقع لا ينبغي أن يكون موجودًا أصلًا، ولا يمكن للمدارس أن تعالج الأسباب الجذرية للفقر بمفردها”.
وأعرب عن دعمه لدعوة المفوضة لاتخاذ إجراءات حكومية مشتركة وتفعيل التسجيل التلقائي للحصول على وجبات مجانية.
وفي ردّ رسمي، قال متحدّث باسم الحكومة: “نحن ملتزمون بخفض معدلات فقر الأطفال. وقد أعلنا عن حزمة جديدة بقيمة 1 بليون باوند لإصلاح آليات الدعم في الأزمات، تشمل تمويلًا إضافيًا لضمان عدم جوع الأطفال خارج أوقات الدراسة”.
وأضاف: “يشمل ذلك توسيع برامج الإفطار المجانية، والاستثمار بـ 39 بليون باوند في الإسكان الاجتماعي والميسور، ورفع الحد الأدنى الوطني للأجور، ودعم 700 ألف من أفقر الأسر من خلال اعتماد معدل سداد عادل في نظام خصومات الائتمان الشامل”.
رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK) :
تقرير مفوّضة الأطفال يسلّط الضوء على أزمة صامتة تتفاقم في واحدة من أغنى دول العالم، ويؤكد الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية تبدأ بإلغاء “حدّ الطفلين” في نظام الاستحقاقات.
ما ترويه شهادات الأطفال في إنجلترا لا يعكس فقط واقعًا مؤلمًا، بل يكشف عن خلل عميق في البنية الاجتماعية والسياسات الحكومية تجاه الفئات الأكثر هشاشة. عندما يتحول الفقر إلى أمر طبيعي في أعين الأطفال، فهذا يعني أن المجتمع يتجه إلى أزمة قيم قبل أن تكون أزمة موارد.
الحلول الجزئية والتدابير الظرفية لن تنهي دوامة الحرمان التي يعانيها الملايين. المطلوب اليوم هو تحرّك سياسي شجاع يعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية ويكفل حق الطفولة في حياة كريمة. إن تأجيل الاستراتيجيات وتجميد الإصلاحات هو تخلٍّ فعلي عن مسؤولية الدولة تجاه الجيل القادم.
في بلد لا يزال يُعدّ من بين الاقتصادات الكبرى في العالم، يجب أن يُقاس النجاح بمدى قدرة الأطفال على النوم في منازل آمنة وتناول وجبات مشبعة والذهاب إلى مدارسهم دون عناء. وأي نظام يخذلهم في ذلك، بحاجة إلى مراجعة فورية لا تأجيل فيها.
المصدر : الغارديان
إقرأ أيضًا :
- تقرير: تدخلات أمنية عنيفة تعرض حياة الأطفال المهاجرين للخطر أثناء عبور القنال
- تقارير: 1.9 مليون متقاعد يعيشون تحت خط الفقر في بريطانيا
- عائلات تعاني من الفقر في دائرة كير ستارمر في لندن
الرابط المختصر هنا ⬇