العرب في بريطانيا | نحن الرياح ونحن البحر والسفن - العرب في بريطاني...

1445 شوال 9 | 18 أبريل 2024

نحن الرياح ونحن البحر والسفن

نحن الرياح ونحن البحر والسفن
لانة الصّميدعي July 14, 2022

‏في ظل متسارعات الحياة وكثرة ظروفها ‏وحرص كلّ منا على الإنجاز في حياته نجد الكثيرين في زماننا هذا بمختلف أعمارهم وجنسياتهم وثقافتهم يتعذرون ببالبحر والسفن وما أقصده هنا هو قول الشاعر المتنبي:

 

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ                تَجْري الرّيَاحٌ بمَا لَا تَشْتَهي السَّفَنُ

 

و تلك الثقافة التي لطالما تربينا عليها لتثبيط الكثير من عزمنا ورغبتنا في التغيير والتطوير للأفضل ‏

ومن دون أيّ شك سنراعي مبادئنا وضوابطنا الشرعية والأخلاقية والإنسانية

زرعوا بتلك الأبيات وغيرها أنّ الرياح تجري عكس ما نريد و نرغب و أننا لا نملك في كثير من الأحيان زمام الأمور وغير قادرين على
تغيير دفّة السفينة

وتحت بيت الشعر هذا تربت الكثير من المعاني السلبية التي أصبح يتحجج بها من أهمل أداء واجبه ورعيّته ومسؤولياته

‏وكذلك الفهم الخاطئ وغير الصحيح للكثير من النصوص الإسلامية التي تحث على الإيمان بالقضاء والقدر والاستسلام لأمر الله وشرعه باعتبار أنّ الإيمان والرضا بالقضاء والقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان بعد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر

‏وتناسينا في ظل تهافت تلك الأقاويل حجم الكفاح والصبر والتحدي وعدم التنازل عن أداء المهمة والرسالة لقدوتنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ما تنازل وما فتئ عن دعوته واجتهاده يومًا بحجة الرياح و السفينة؟؟

‏وإنّه كان صلى الله عليه وسلم يرى بأم عينيه حجم الصدّ و المتغيرات و صعوبة تحقيق الهدف وهداية الناس

 

نحن الرياح ونحن البحر والسفنُ

و برغم ذلك لم يفتأ عن أداءِ رسالته علمًا أنّه حورب من أقرب الناس إليه والذين كان من المفترض أن يجد لديهم السند والمحبة والعطاء وهذه هي حكمة الله في خلقه أجمع حتى يرينا أنّه لا صلة في الكفاح بيننا و بين كفاح رسوله صلى الله عليهِ وسلَّم

‏وهذا حال الكثير من الناس في أيامنا هذه حينما يشتكون أنهم لا يجدون السند والظروف المناسبة لالتزامهم وتحقيق طموحاتهم أو تقدمهم في مجالات الحياة

وأن المتسبب الرئيس في ذلك التعثر هو أقرب الناس إليهم فإمّا أن يكون زوجًا أو أخًا أو أبًا أو ابنًا!!

‏فإذاً لا الرياح ولا السفينة مهيئة للإبحار كما قد يخطر في البال

‏على جانب آخر لم يعلمونا و لم نسمع كثيرًا و نحن في تحدياتنا و سموّنا نحو العلياء البيت الشعريّ المضاد و إن اختُلِف فيمن قاله :

 

تجري الرياح كما تجري سفينتنا                               ‏نحن الرياح ونحن البحر والسفنُ

 

بل و كما فاتنا الكثير و نحن غافلون عن حديثه ‏صلى الله عليه وآله وسلم؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: ( احرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واستَعِنْ بالله ولا تَعْجَزَنَّ) [صحيح – رواه مسلم]

و كم رضينا بالفُتات و القليل متناسين العديد من الوصايا بالمواصلة و المجاهدة و الطموح و المتابعة

من ذلك قوله تعالى: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [النساء: 95]

فحتى ‏في إسلامهم ودينهم يتفاضلون حيث من قدم نفسه وماله ووقته ولم يتعذر بالظروف ولم يتعذر بعدم تهيئة السفينة والرياح ‏ليس كمن استسلم ووجد العُذر سهلًا

‏فلك أن تتخيل ذلك الشعور الرائع الجميل حينما تتصور نفسك أنّك رُبَّان السيفنة وقائدها وكذلك أنت من تتجه باتجاه الريح التي تناسبك

 

نحن الرياح ونحن البحر والسفن
نحن الرياح ونحن البحر والسفن (Unsplash)

 

لا شكّ أنّ البعض قد يقول ليس في كل مَرّة تسلم الجرَّة!

بمعنى أن هذا المثل لا ينطبق على كل الأحوال فأجيبه : نعم !

ولكنّه مبدأ تعيشه وتحسه في قلبك حتى إذا عشت تلك الحالة وبلغتَ تلك المرتبة لم تضرك الظروف .. ولن تخونك نفسك في يوم من الأيام

لا شكّ أنّ ثمة ظروفًا ليست بأيدينا أن نتخلص منها أو نتخطى تلك العقبة الكؤود أو وجود ذلك الشخص في حياتنا

والذي قد لا نستطيع أن نتخلص منه أو نتجاوزه فكثيرًا ما يأتي ذلك السؤال ماذا عساي أن أصنع ؟؟

خاصةً إذا كان ذلك الشخص هو صاحب رضا ومطلب شرعيّ حتميّ في الدنيا والآخرة؟

‏فأقول له وتطبيقًا على نفس بيت الشِعر إنّه لا يعني أنك ستمتلك زمام السفينة و أنت تحاول مداورتها مع الرياح أنّ بعض الأمور لن تخونك أو تكون على ما يرام دومًا !

بل بالعكس ذلك شأن الحياة تحدي الصعوبات و المنعطفات دومًا ومحاولة إيجاد الحلول و إنّها إن تصفو ساعات فقد تتكدر ساعة..

وأحيانًا العكس قد تتكدر ساعات وتصفو ساعة ‏وذلك مصداق قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِى كَبَدٍ) [سورة البلد:4]

‏ومن المصادفات الجميلة والظريفة التي يطيب المقام بذكرها وأنا أكتب هذه المقالة ، كمية الظروف والتحديات العجيبة التي داهمتني وأنا أكتبها و لكأنّها تعلن عن نفسها و عن كلماتها بأنها ‏تلك السفينة التي تجابه ذلك البحر المتلاطم في ظل الرياح العاتية بكمية التقاطعات وذهاب الأفكار وإيابها و مستجدّاتها كان كثيرًا بالذات في هذا المقال

‏ سبحان الله حتى لا يظنّ القارئ الكريم أنّ الكاتب معفى من تلك الرياح وعقبات السفينة نفسها

‏ وإنّ ما يلزمنا في هذا الوقت الصعب إذكاء تلك الروح والمعاني الإيجابية السامية في نفوس أبنائنا وأحبابنا وأصدقائنا لأنّ بمقابل ذلك نجد حجم خيبات الأمل و التعذر بالظروف و التراجع في بذل الوسع ‏أصبح ظاهرة منتشرة للأسف فكثُرت المخاصمات و الطلاقات و الكراهيات و الاعتماد على المهدئات و المسكّنات و لاحولَ و لا قوَّةَ إلاّ بالله !

الله الله ‏في كل من يملكون جمال هذه الروح وتلك المعنويات أن ينشروا عبيرها حولهم لتنعكس تلك الإيجابية وخيراتها على الأمة أجمع

 


 

اقرأ المزيد لـ لانة الصّميدعي

تجمّعُنا هو ما يجمِّلنا

الغربة ونعمة الأخوة

سرّاؤنا وضرّاؤنا وأين نحن منها؟

(metfoods.com)