من مدينة منبوذة إلى أيقونة ثقافية.. بيرمنغهام تتصدر المشهد الثقافي لبريطانيا في 2025
لطالما ارتبط اسم مدينة بيرمنغهام (Birmingham) بالانتقادات والوصم بأنها مدينة صناعية باهتة تفتقر إلى الروح، غير أن الواقع في السنوات الأخيرة أثبت عكس ذلك. ففي عام 2025، برزت المدينة بقوة كأحد أهم المراكز الثقافية في بريطانيا، لتتحول من “مدينة منبوذة” إلى “أيقونة ثقافية” تستقطب الزوار من داخل البلاد وخارجها.
مع بداية هذا الصيف، عاشت بيرمنغهام على وقع الحداد بعد وفاة أوزي أوزبورن، قائد فرقة بلاك ساباث (Black Sabbath) وأحد أبرز رواد موسيقى الهيفي ميتال وابن المدينة الأشهر. لكن هذا الحدث المأساوي سرعان ما تحوّل إلى مناسبة ثقافية كبيرة عُرفت باسم “صيف ساباث”، حيث شهدت المتاحف والساحات العامة مظاهر احتفاء واسعة بإرث الفنان الراحل.
.jpg)
ففي متحف ومعرض بيرمنغهام للفنون أقيم معرض ضخم ومجاني يوثق مسيرة أوزي، فيما ازدانت ساحة فيكتوريا الخلابة بعرض لأغلفة ألبومات الفرقة الشهيرة. وعلى جسر بلاك ساباث في شارع برود المزدحم بالبارات، وضع السياح الزهور تكريمًا لذكراه، بينما يستعد مسرح “هيبودروم” لاحتضان سلسلة عروض خاصة بعنوان “بلاك ساباث – الباليه”.
لكن بيرمنغهام لا تختزل في إرث “أمير الظلام”، فالمدينة تمتلك تاريخًا ثقافيًا عريقًا، فهي مهد موسيقى الهيفي ميتال وطبق “البالتي” الشهير، وكانت يومًا ما قوة صناعية عظمى تُلقب بـ”ورشة العالم”. أما قنواتها المائية فتفوق في طولها قنوات البندقية الشهيرة.
ورغم هذه الثروة الثقافية، لطالما عانت بيرمنغهام من تهميش إنتاجها الفني واعتُبرت مجرد “المدينة الثانية” بعد لندن. غير أن الأمور بدأت تتغير مع انطلاق مشروع إنشاء استوديوهات جديدة لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في حي ديغبث، وهي خطوة يتوقع أن تضيف نحو 282 مليون باوند لاقتصاد “وست ميدلاندز” بحلول 2031.
حي ديغبث نفسه أصبح رمزًا للنهضة الثقافية للمدينة، حيث يزدهر بفن الشارع والمتاجر المستقلة والمقاهي العصرية؛ هناك أسس كلايف جَد وماريا لومونّو جَد مكتبة “فوتشه بوكس” عام 2022 لدعم دور النشر الصغيرة، فيما يواصل مقهى “بريغ” التعاوني المجاور استضافة فعاليات توقيع الكتب والنشاطات المحلية. كما تجذب متاجر “كاو” و”كاسترد فاكتوري” الباحثين عن التحف القديمة، بينما يقدم سوق “ريد بريك ماركت” تذكارات فريدة.
ولعشاق التاريخ، يحتفظ “فندق غراند بيرمنغهام” العائد إلى عام 1879 بسقفه المزخرف وقاعاته الفاخرة التي جرى ترميمها حديثًا، ويضم مطعم “إيزاك” الذي يتحول ليلًا إلى حانة سرية تقدم عروض جاز في أجواء “آرت ديكو”.
وعلى صعيد الفنون، تستقطب معارض مثل “آيكون” الزوار بمصعدها الغنائي الفريد، فيما تتيح مكتبة بيرمنغهام إطلالات بانورامية على المدينة ومعارض ثقافية، بينها واحد عن تاريخ النباتية. وفي المقابل، تحافظ مطاعم “مثلث البالتي” التاريخي على جزء من هوية المدينة رغم تقلصها بسبب ارتفاع الإيجارات، بينما تقدم المطاعم الآسيوية والحي الصيني خيارات متنوعة من الأطباق التقليدية والحديثة.
أما المشهد الفني المعاصر، فيتجلى في “موكينغبرد سينما” الذي يعرض الأفلام المستقلة والكلاسيكيات إلى جانب فعاليات مجتمعية، وفي مقهى “تشانس آند كاونترز” للألعاب الذي يضم مكتبة هائلة من الألعاب اللوحية. كما تزدهر الحياة الموسيقية في “ذا هير آند هاوندز” بحي كينغز هيث، أحد أبرز الأماكن التي أطلقت أسماء لامعة في عالم الموسيقى من “ليد زبلين” إلى “ستيفلون دون”.
هكذا، ترسم بيرمنغهام في 2025 صورة جديدة لنفسها: مدينة نابضة بالثقافة والتاريخ والإبداع، تجمع بين إرثها الصناعي العريق وحيويتها الفنية المتجددة، لتتربع عن جدارة على عرش المشهد الثقافي في بريطانيا.
المصدر: independent
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
17°C
