من الحرب إلى البطولة: نيراب تحتفل بأحمد الأحمد بعد تصديه “لهجوم سيدني”
مرّت نحو 20 عامًا على مغادرة أحمد الأحمد بلدة نيراب في ريف إدلب شمال غرب سوريا، لكنه أصبح يوم الأحد محور اهتمام العالم. استفاق سكان نيراب على مقطع فيديو يظهر أحمد وهو يصارع مسلحًا على شاطئ بوندي في سيدني، على بعد آلاف الكيلومترات، ليوقف أحد أكثر حوادث إطلاق النار دموية في أستراليا خلال الثلاثين عامًا الماضية.
ووصف رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، ما قام به قائلاً: “يمثل أحمد الأحمد أفضل ما في بلادنا. ففي لحظة شهدنا فيها الشر يُرتكب، برز هو مثالًا حيًا لقوة الإنسانية”.
وبالنسبة لمن يعرفونه في نيراب، لم تشكل شجاعته مفاجأة، فرغم مغادرته سوريا عام 2006، تركت شخصيته القوية انطباعًا دائمًا لدى أصدقائه وعائلته، الذين وصفوه دائمًا بالشخص الحاسم والشجاع.
نيراب تفخر بأحمد الأحمد

قال محمد أحمد الأحمد {عم البطل} إن أحمد منذ صغره كان “جريئًا ومجتهدًا، نبيلًا وشجاعًا”، مؤكدًا أنه كان مصدر فخر للقرية قبل يوم الأحد، بعد حصوله على شهادة جامعية في القانون قبل الهجرة إلى أستراليا. واكتشف محمد الفيديو صدفة أثناء تصفحه وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يمتلئ هاتفه بإشعارات من أفراد العائلة، وهو ما أظهر حجم الحدث وتأثيره على الجميع.
ويظهر الفيديو أحمد وهو يقترب من المسلح البالغ 50 عامًا، ساجد أكرم، مستفيدًا من غطاء سيارة متوقفة، قبل أن يهاجمه ممسكًا برقبة يديه ويصادر بندقيته، ما أجبر أكرم على التراجع دون إطلاق النار. وبعد السيطرة على المسلح، وضع أحمد البندقية على شجرة، بينما واصل ابنه نافيد إطلاق النار من جسر قريب، وهو ما أدى لاحقًا إلى استشهاد ساجد أكرم على يد الشرطة، بعد أن أودت الهجمات بحياة 15 شخصًا وأصابت العشرات.
تعرض أحمد لإصابات في ذراعه اليسرى من خمس طلقات، ويخضع لجولات من العمليات الجراحية خلال أشهر التعافي المقبلة. ومن المستشفى، أصبح أحمد محط أنظار الإعلام، إذ تُنسب له شجاعة أنقذت حياة العديدين، لتصبح قصته بارقة أمل وسط مأساة وطنية في أستراليا، وتجعل منه مصدر فخر لنيراب، البلدة الصغيرة التي عانت لعقود من الانقطاع عن العالم وحتى عن باقي سوريا.
شجاعة أحمد الأحمد تصبح رمزًا عالميًا
قال أحمد محمد الأحمد {ابن عم البطل} إن أحمد “رفع رأس العائلة وكل السوريين. هل تتخيلون؟ نصف العالم يتحدث عن نيراب، وهي قرية صغيرة”، مشيرًا إلى أن شجاعته أصبحت مصدر فخر وإلهام ليس فقط لعائلته، بل لكل من عرف قصته.
تعيش نيراب اليوم حالة من الدمار بعد سنوات الحرب الطويلة، إذ لا تزال المباني المثقوبة تحمل آثار الصراع الذي انتهى قبل أكثر من عام، ويظل منزل أحمد مهجورًا ومتهدمًا، متسربًا من السقف ومحاطًا بالمواد المهدمة. وكانت البلدة الزراعية على خط الجبهة في الحرب الأهلية السورية التي استمرت 14 عامًا، وانتقلت بين سيطرة النظام والمعارضة، ما أدى إلى تهجير معظم سكانها نحو إدلب وتركيا المجاورة.
ويرى العم أن تجربة أحمد كضابط شرطة مجند ساهمت في منحه الخبرة لمواجهة المسلح، قائلاً: “حين هاجم المعتدي وأمسك بالسلاح بينما كان يطلق النار على مجموعة – لم يميز بينهم، سواء كانوا سوريين أو عربًا أو يهودًا أو مسيحيين. كان عملًا بطوليًا نابعًا من الإنسانية”.
وتابعت البلدة بذهول تحوّل أحمد إلى بطل عالمي، حيث أشادت شخصيات دولية بشجاعته، من بينهم عمدة نيويورك المنتخب، زوهان مامداني، الذي وصفه نموذجًا للشجاعة والتعايش.
أحمد الأحمد بطلاً عالميًا يحظى بالاعتراف والدعم

عند متجره المتواضع قرب محطة قطار في ضاحية سيدني، وضع المارة زهورًا تحمل رسائل شكر ومحبة، وكتب أحدهم: “أنت بطل أسترالي”، بينما وُضعت على باب المتجر لافتة تقول: “نحن فخورون بك جدًا”.
وقد جمعت حملة على موقع GoFundMe لتغطية تكاليف علاجه أكثر من 2.5 مليون دولار أسترالي من أكثر من 42,000 متبرع، ولا يزال الرقم في ارتفاع، ما يعكس مدى الاعتراف والدعم الذي حظي به عالميًا.
ويرى سكان نيراب والسوريون حول العالم أن هذا التقدير يحمل معنى خاصًا بعد سنوات الحرب الطويلة، والتي واجه خلالها كثيرون استقبالًا باردًا في دول اللجوء. وقال ابن عمه: “الجميع فخور به. قام بعمل بطولي رفع رأس العائلة وكل سوريا. سيرى الناس أن المسلم ليس داعش، المسلم يساعد”.
يُبرز تصدي أحمد الأحمد للهجوم في سيدني قدرة الفرد على مواجهة العنف والتطرف، بعيدًا عن الانتماءات الدينية أو القومية. وتُظهر قصته أن السوريين المقيمين في الشتات قادرون على إعادة بناء صورتهم أمام العالم وإبراز القيم الإنسانية العليا لمجتمعاتهم. وترى المنصة أن مثل هذه القصص تكسر الصور النمطية عن اللاجئين والمسلمين، وتعزز أهمية المواطنة والانتماء الإيجابي في المجتمعات الغربية، مع الحفاظ على هوية الإنسان وكرامته.
المصدر : الجارديان
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇
