العرب في بريطانيا | ما مصير تمويل بي بي سي إذا أُلغيت رسوم الترخيص؟...

1447 جمادى الثانية 26 | 17 ديسمبر 2025

ما مصير تمويل بي بي سي إذا أُلغيت رسوم الترخيص؟ أبرز السيناريوهات المطروحة

ما مصير تمويل بي بي سي إذا أُلغيت رسوم الترخيص؟ أبرز السيناريوهات
محمد سعد December 17, 2025

مع إطلاق الحكومة البريطانية ورقة تشاورية جديدة بشأن تجديد ميثاق هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، عاد الجدل القديم حول تمويل بي بي سي ومستقبله إلى الواجهة. وبينما تؤكد الحكومة أنها تدرس «كل الخيارات الممكنة»، يرى كثيرون داخل قطاع الإعلام أن أي إصلاح جذري سيظل مؤجلًا، مع ترجيح الإبقاء على نموذج رسوم الترخيص، ولو مؤقتًا.

ما مصير تمويل بي بي سي إذا أُلغيت رسوم الترخيص؟ أبرز السيناريوهات
طريقة تمويل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) تثير الجدل

ويعتمد نظام التمويل الحالي لهيئة الإذاعة البريطانية على ما يُعرف برسوم الترخيص، وهي رسوم سنوية تُفرض على كل منزل يشاهد أو يبث القنوات التلفزيونية الحية، أو يستخدم منصة «آي بلاير» (iPlayer)، بصرف النظر عن عدد الأجهزة أو الأفراد داخل المنزل. وتُعد هذه الرسوم المصدر الأبرز لتمويل أنشطة المؤسسة، بما يشمل القنوات التلفزيونية، والإذاعات، والخدمات الرقمية، والأخبار المحلية والوطنية، مع التأكيد الرسمي على أن هذا النموذج يستهدف حماية استقلال الـ(BBC) عن الإعلانات التجارية أو التدخل الحكومي المباشر.

تمويل بي بي سي على طاولة النقاش

تؤكد الأطراف المدافعة عن رسوم الترخيص منذ سنوات أنها الصيغة الوحيدة القادرة على حماية مبدأ «الشمولية» الذي تقوم عليه هيئة الإذاعة البريطانية، أي تقديم محتوى يخاطب جميع فئات المجتمع دون تمييز.

غير أن الطريق إلى قرار نهائي لا يزال طويلًا. فوفقاً لتقرير نشرته الغارديان، فأن الورقة الحكومية، التي أُطلقت هذا الأسبوع، تمثل خطوة أولى في مسار تشاوري قد يمتد حتى عام 2027، ما يعني أشهرًا، وربما سنوات، من الجدل السياسي والإعلامي قبل حسم مصير التمويل.

التجربة الإسكندنافية

ما مصير تمويل بي بي سي إذا أُلغيت رسوم الترخيص؟ أبرز السيناريوهات المطروحةالتلفزيون الدنماركي
التلفزيون الدنماركي يمول مباشرة من الضرائب العامة

تعتمد دول مثل السويد والنرويج وفنلندا والدنمارك (الدول الإسكندنافية) نموذج تمويل الإعلام العام عبر الضرائب العامة، بما يجعل المساهمة متناسبة مع مستوى الدخل وأكثر عدالة من رسم موحد.

غير أن وزيرة الثقافة البريطانية، ليزا ناندي، استبعدت هذا الخيار صراحة. كما تخشى أوساط سياسية وإعلامية من ربط تمويل هيئة الإذاعة البريطانية مباشرة بتقلبات المزاج السياسي، ولا سيما في ظل صعود حزب «ريـفورم يو كي» (Reform UK) في استطلاعات الرأي، وهو ما قد يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقلال المؤسسة. وبناءً على هذه الاعتبارات، يبدو احتمال تطبيق هذا الخيار ضعيفًا جدًّا في السياق السياسي الحالي.

نموذج الاشتراكات

في عصر المنصات الرقمية، بات نموذج الاشتراك هو القاعدة في قطاع الإعلام. ويشير أنصار هذا الخيار إلى أن كثيرين يدفعون حاليًّا رسوم الترخيص شهريًّا بقيمة 14.54 باوند، وهو مبلغ يفوق اشتراك «نيتفليكس» من دون إعلانات.

لكن المشكلة الجوهرية تكمن في أن عائدات الاشتراكات لن تكون كافية لتعويض كامل دخل رسوم الترخيص، الذي بلغ 3.8 مليار باوند العام الماضي. كما أن هذا التحول سيغيّر طبيعة هيئة الإذاعة البريطانية من خدمة عامة موجهة للجميع إلى مؤسسة تستهدف سوق المشتركين فقط. لذلك تبقى فرص تبني نموذج الاشتراكات محدودة للغاية.

الإعلانات التجارية

يواجه هذا الخيار معارضة قوية من داخل هيئة الإذاعة البريطانية نفسها، إذ يرفض رئيس مجلس إدارتها، سمير شاه، إدخال الإعلانات. كما تعارضه قنوات تجارية مثل (ITV) و(Channel 4) و(Channel 5)، التي تعتمد بالفعل على سوق إعلاني يشهد تراجعًا حادًّا.

وبحسَب هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية (Ofcom)، انخفضت عائدات الإعلانات في التلفزيون التجاري بأكثر من 600 مليون باوند بالقيمة الحقيقية منذ عام 2019. وحتى المحاولات المحدودة لإدخال إعلانات في بعض برامج البودكاست التابعة للـ(BBC) قوبلت بردود فعل سلبية، ما دفع المؤسسة إلى التراجع. وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو احتمال الاتجاه إلى الإعلانات ضعيفًا أيضًا.

رسوم إضافية مقابل محتوى مميز

من الأفكار المطروحة داخل القطاع الإبقاء على رسوم الترخيص، مع فرض رسوم إضافية على محتوى أو خدمات خاصة، استنادًا إلى انتشار نموذج «المحتوى المدفوع» في عالم الإعلام.

غير أن هذا الطرح يثير تساؤلات معقدة، أبرزها: أي البرامج ستُوضع خلف جدار الدفع؟ كما أنه يقوّض مبدأ الشمولية، عبر منح المشاهدين المقتدرين ماليًّا وصولًا أوسع إلى محتوى هيئة الإذاعة البريطانية. ولهذا يُنظر إلى هذا الخيار بوصفه قابلًا للنقاش، لكنه محدود القبول.

رسم منزلي شامل

ما مصير تمويل بي بي سي إذا أُلغيت رسوم الترخيص؟ أبرز السيناريوهات المطروحة.الإعلام الألماني الممول من الدولة
يعتمد الإعلام الألماني الممول من الدولة على مساهمة ثابتة على كل منزل

يُطبّق هذا النموذج في دول مثل ألمانيا، حيث تُفرض مساهمة ثابتة على كل منزل، ما يحل مشكلة التهرب من الدفع. ويمكن ربط هذا الرسم بشرائح ضريبة المجالس المحلية لجعله أكثر عدالة.

لكن هذا الخيار قد يشعل جدلًا سياسيًّا حادًّا، إذ ينظر معارضو هيئة الإذاعة البريطانية إلى الرسم المنزلي باعتباره «ضريبة مقنّعة» أو دفعًا قسريًّا. ورغم ذلك، فإن هذا السيناريو يحظى بدرجة متوسطة من القابلية مقارنة بالبدائل الأخرى.

الاستمرار في رسوم الترخيص بصيغة معدلة

رغم الحديث الرسمي عن «تفكير جذري»، حافظت الحكومات المتعاقبة على رسوم الترخيص لسبب واضح: البدائل الأخرى إما تهدد مبدأ الخدمة الشاملة، وإما تسبب اختلالات تنافسية حادة مع الإعلام التجاري.

ورغم انخفاض عدد غير الملتزمين بالدفع بنحو 300 ألف خلال العام الماضي، لا تزال هناك قرابة 24 مليون رخصة سارية. ويبدو أن التوصل إلى تسوية تُبقي على رسوم الترخيص، مع تعديلات محدودة، هو السيناريو الأكثر ترجيحًا مع انطلاق مسار تجديد الميثاق. وبناءً على ذلك، يظل هذا الخيار هو الأقرب للتطبيق في المدى المنظور.

ما الذي يعنيه هذا النقاش؟

تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن الجدل بشأن تمويل هيئة الإذاعة البريطانية لا يتعلق بالبحث عن بديل مالي فقط، بل يمس جوهر دور الإعلام العام في بريطانيا وحدود استقلاله عن السياسة والسوق معًا. وبينما تبدو رسوم الترخيص نموذجًا متآكلًا في نظر بعض الناس، فإن غياب توافق واضح بشأن البدائل يجعل الإبقاء عليها -ولو مؤقتًا- الخيار الأقل تكلفة سياسيًّا والأكثر قابلية للتطبيق في المرحلة الحالية.

المصدر الغارديان


اقرأ أيضاً

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة