لماذا تصمت بريطانيا عن مصير الفلسطينيين البريطانيين العالقين في غزة؟
ما زال العديد من الفلسطينيين الحاصلين على الجنسية البريطانية -ومنهم أسرة زوجة رئيس الوزراء الاسكتلندي- محاصرين في قطاع غزة، في ظل صمت الحكومة البريطانية التي لم تتخذ حتى الآن إجراءات فعلية على الأرض.
ويرى معظم حملة جواز السفر البريطاني من العالقين في غزة أن الحكومة البريطانية تخلَّت عنهم، أو أنها لا تأخذ سلامتهم على محمل الجد، في ظل تبريرها ما يجري في غزة بحق إسرائيل في الدفاع نفسها.
هل تتجاهل الحكومة البريطانية معاناة الفلسطينيين البريطانيين؟
وعلى الرغم من ظروف الحصار القاسية والقصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فإن الجهات الرسمية في بريطانيا لم تطالب حتى الآن بوقف إطلاق النار.
وليس هذا فحسب، بل رأى رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزيرة داخليته الفرصة سانحة لاتهام حزب العمال بمعاداة السامية!
أما موقف زعيم حزب العمال كير ستارمر فلم يختلف كثيرًا؛ إذ أكد الأخير حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها رغم اعترافه بقتل إسرائيل لآلاف الأطفال!
وظهر ستارمر لاحقًا في أحد مساجد ويلز، مكررًا دعوته لوقف إطلاق النار وكأن مسلمي بريطانيا بحاجة للتذكير بذلك!
ويبدو أن معاناة حملة الجنسية البريطانية من الفلسطينيين العالقين في القطاع لم تلقَ آذانًا مُصغية من المسؤولين في بريطانيا، ما يطرح السؤال الآتي: “ماذا لو كان ضحايا الحرب في غزة من أبناء السياسيين في بريطانيا وأسرهم؟! هل سيبررون حينها قتل الأبرياء باسم الدفاع عن النفس وتحقيق السلام؟!”.
أصوات معارضة
ورغم تعنت الموقف الرسمي في بريطانيا وإصراره على الوقوف إلى جانب إسرائيل، فإن بعض السياسيين رفعوا أصواتهم مطالبين بوقف إطلاق النار، ولعل أبرزهم: عمدة لندن صادق خان وزعيم حزب العمال الاسكتلندي أنس سروار وعمدة مانشستر آندي بورنهام.
ويمكن القول: إن هؤلاء الذين أظهروا تعاطفًا مع الشعب الفلسطيني قد حفظوا ماء وجه حزب العمال الذي خسر جزءًا كبيرًا من قاعدته الشعبية بين المسلمين، الذين سبق أن صوَّتوا له بنسبة 71 في المئة خلال انتخابات عام 2019.
أضف إلى ذلك أن توحيد أصواتهم الداعمة لفلسطين سيشجع مزيدًا من النواب في حزب العمال على إظهار موقف مخالف لقيادة حزبهم.
وتوالت الإدانات للمجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، إذ صرَّح أكثر من 250 محاميًا وأستاذ قانون في بريطانيا بأن إسرائيل انتهكت القانون الدولي.
إلا أن الحكومة البريطانية تصر على دعمها للعقاب الجماعي الذي يتعرض له المدنيون الأبرياء في غزة، منهم 200 فلسطيني يحملون الجنسية البريطانية.
معايير مزدوجة
وظهر هذا جليًّا في تصريحات رئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي رفض مرارًا وتكرارًا الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وتأييده لموقف الرئيس الأمريكي الذي دعا إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
ومع أن الدعم البريطاني لإسرائيل كان متوقعًا، فإن التعنت الكبير لموقف الحكومة شكل صدمة للشباب البريطانيين المسلمين، الذين يدركون أكثر من أي وقت مضى مدى إجحاف المؤسسة السياسية في بريطانيا، التي تمارس ازدواجية المعايير بحق مواطنيها المحاصرين في القطاع.
لكن الأمر لا يقتصر على الحكومة، فقد أصدر الملك تشارلز بيانًا يعزي فيه “الضحايا الإسرائيليين”، وأجرى محادثات مع الحاخام الأكبر في بريطانيا، لكنه لم يُظهِر أي تعاطف مع البريطانيين المسلمين وأسرهم المكلومة في غزة.
وقد عقد الملك تشارلز اجتماعًا في قصر باكنغهام مع وكالات الإغاثة في غزة، لكنه لم يدع جماعة الإغاثة الإسلامية، وهي أكبر المؤسسات الخيرية الإسلامية في بريطانيا.
فاستغرب كثيرون هذا الموقف من الملك، الذي يصوِّر نفسه بأنه أحد أكثر المقربين من المجتمعات الإسلامية في بريطانيا.
مواطنون من الدرجة الثانية!
سارعت الشخصيات الاعتبارية في بريطانيا من سياسيين ورجال دين إلى إدانة العمليات العسكرية التي نفّذتها حماس، إلا أن هؤلاء الذين رأوا عملية حماس فعلًا إرهابيًّا لم يوجِّهوا أي إدانة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصف الفلسطينيين بأبناء الظلام، وشبَّههم “بالعماليق”، وهم أمة ذُكِرت في التوراة، ويعتقد الإسرائيليون أنه يجب القضاء عليها.
ولعل من أبرز الشخصيات التي أظهرت تعاطفها مع إسرائيل كبير حاخامات الكومنولث إفرايم ميرفيس، الذي عاتب كل مَن لم يقف إلى جانب إسرائيل قائلًا: إن صمت هؤلاء يصم الآذان!
لكنه في الوقت نفسه تجاهل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي شبه الفلسطينيين بالحيوانات البشرية. ودعا رئيس أساقفة كانتربري إلى عدم التسرع في إطلاق الأحكام والتضامن مع الأطراف المتنازعة في فلسطين.
لكنه أظهر هو الآخر بعض التعاطف مع الإسرائيليين، ما أثار غضب رجال الكنيسة في فلسطين وعدة مناطق أخرى.
يمكن القول إذن: ان رجال الدين في بريطانيا إلى جانب المؤسسة السياسية تجاهلوا معاناة الفلسطينيين والانتهاكات المرتكبة بحقهم.
ويبدو أنهم لم يقرأوا تقرير منظمة إنقاذ الطفولة، الذي أشار إلى أن عدد الشهداء الأطفال الذين سقطوا في غزة خلال ثلاثة أسابيع فقط يتجاوز عدد الأطفال الذي سقطوا في مناطق النزاع في العالم منذ بداية عام 2019.
هذا ويخشى الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية البريطانية من تصاعد الإسلاموفوبيا في بريطانيا، إذ واجه بعضهم إساءات لفظية وتعرضت ممتلكات بعضهم للتخريب في بريطانيا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بالتزامن مع ازدياد جرائم الكراهية.
ويأتي ذلك في ظل غياب أي وسيط نزيه يمثّل الفلسطينيين البريطانيين أو المسلمين البريطانيين بصفة عامة وحقهم المشروع في دعم قضاياهم، ولا سيما أن الحكومات الغربية ترفض أي خطاب متزن، وخير مثال على ذلك: تصريحات الأمين العام الأمم المتحدة التي لاقت إدانة إسرائيلية.
فكيف لا يشعر الفلسطينيون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وهم أكثر الناس افتقارًا إلى دعم الحكومة البريطانية، إذ لا بيئة سياسية تحتضنهم وتتبنى مواقفهم؟!
المصدر: Middle East Eye
اقرأ أيضاً :
الرابط المختصر هنا ⬇