مشروع قانون الإضرابات أين يضع بريطانيا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى؟
قال وزير الأعمال جرانت تشابس: إن مشروع قانون الإضرابات الذي يجبر العمال على توفير أقل قدر ممكن من الخدمات أثناء الإضرابات يحاكي قوانين الإضراب في بقية الدول الأوربية.
وكانت الحكومة البريطانية قد أكدت كلام الوزير تشابس، وأشارت إلى أن قوانين الإضراب في العديد من دول الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وإيرلندا، تمكّن السلطات من الإبقاء على الحد الأدنى من الخدمات المقدمة أثناء الإضراب، فما مدى صحة ذلك؟
على عكس بريطانيا فإن معظم الدول الأوروبية تحمي حق الموظفين في المشاركة بالإضراب، فإما أن يشار إلى هذ الحق بشكل صريح وواضح في الدستور (وهذا ينطبق على 86 في المئة من الدول الأوروبية)، عن طريق المحاكم التي تحمي حق الموظفين في الإضراب، وإما أن تعتبره شكلًا من أشكال التجمع السلمي (وينطبق هذ الأمر على 17 في المئة من الدول الأوروبية).
ومن ثَمّ فإن قانون مشروع الإضراب ختلف من حيث توفير الحد الأدنى من الخدمات أثناء الإضرابات بين دولة وأخرى.
على سبيل المثال: قد لا تطبق الحكومة الإسبانية القانون الذي يجب الموظفين على توفير الحد الأدنى من الخدمات أثناء الإضراب تطبيقًا حرفيًّا؛ لأن المحكمة الدستورية في إسبانيا تحمي حق الموظفين في الإضراب الذي ينص عليه الدستور الإسباني بشكل واضح.
وتُعَد بريطانيا واحدة من خمس دول أوروبية لا تنص دساتيرها بشكل صريح على حق العمال والموظفين في المشاركة بالإضراب.
هذا وتنص المادة الـ11 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها دول المجلس الأوروبي على حماية حق العمال في الإضراب، ولكن هذا الحق ليس مطلقًا ويمكن تقييده بالقانون.
وقد تُفرَض قيود على الإضرابات التي تشل الخدمات الأساسية في البلاد، لكن يجب على الدولة أن تقدم حججًا مقنعة لتقييد الإضرابات.
نقاط الاختلاف بين مشروع قانون الإضرابات في بريطانيا والاتحاد الأوروبي
وكان وزير الأعمال البريطاني قد زعم أن جميع الدول الأوروبية لديها قوانين إضراب تنص على توفير الحد الأدنى من الخدمات أثناء الإضراب، لكن هذه التصريحات تفتقر إلى الدقة.
وأظهرت الأبحاث أن 74 في المئة من الدول الأوروبية لديها قوانين متعلقة بتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية أثناء الإضراب.
كما أن بعض الدول مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا تعتمد قوانين إضراب معينة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية أثناء الإضراب، لكن جمهورية إيرلندا المستقلة لم تفرض قانونًا مماثلًا، ولا يوجد في الدستور الإيرلندي أي قانون خاص بالحد من الإضرابات.
ومع ذلك فإن أحد التشريعات القانونية غير الملزمة في إيرلندا ينص على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية يجب أن يتفق عليه عن طريق التعاون بين النقابات وأرباب العمل، وإذا أخفق الاتفاق بين الطرفين فلا بد من توفير هذه الخدمات بالحد الذي تحدده لجنة علاقات العمل.
كما أن معظم الدول الأوروبية التي تفرض على العمال توفير الحد الأدنى من الخدمات أثناء الإضراب، تشترط توفير هذه الخدمات في القطاعات الأساسية، وتعرِّف منظمة العفو الدولية الخدمات والقطاعات الأساسية على النحو الآتي:
1- الخدمات التي يقدمها موظفو القطاع العام ممن يمارسون السلطة باسم الدولة مثل (الشرط أو ضباط السجن)
2- الخدمات التي قد يؤدي انقطاعها لتهديد حياة السكان أو سلامتهم الشخصية أو يعرض صحتهم للخطر
3- حالات الطوارئ الوطنية.
هذا وتختلف الخدمات التي يجب على الموظفين تقديم الحد الأدنى منها بين دولة وأخرى، لكن في العادة تكون خدمات الصحة العامة والنقل والطاقة والمياه من أكثر الخدمات الأساسية شيوعًا في معظم الدول الأوروبية.
أضف إلى ذلك أن القليل من الدول الأوروبية فقط تفرض قانون توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية أثناء الإضراب.
ولا يحدد دستور بريطانيا الخدمات الأساسية التي يجب الاستمرار في تقديمها أثناء الإضراب، بل يترك تحديد هذه الخدمات للحكومة، لكن القانون الذي وضعته الحكومة البريطانية يمكّنها من فرض الحد الأدنى من الخدمات على القطاعات التي تريدها، وحتى تلك التي لا تندرج ضمن القطاعات الأساسية.
ما الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة أثناء الإضراب؟
إن 85 في المئة من الدول الأوروبية سنت تشريعات مرتبطة بتوفير الحد الأدنى من الخدمات المقدمة أثناء الإضراب، ويُحدَّد هذا المستوى من الخدمات عن طريق الاتفاق بين النقابات العمالية وأرباب العمل، حيث يشترط بعض الدول مثل المجر، إجراء اتفاق بين رب العمل وأعضاء النقابة؛ لتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية قبل بدء الإضراب.
وفي دول أخرى يتولى البرلمان مهمة تحديد أدنى مستوى من الخدمات التي يجب تقديمها أثناء الإضراب، وذلك بعد الاتفاق أيضًا بين النقابات العمالية وأرباب العمل، حيث إنهم الأكثر دراية بالحد الأدنى من الخدمات المطلوبة لاستمرار العمل.
وأما في البلدان التي لم تفرض أي قوانين بخصوص توفير الحد الأدنى من مستويات الخدمات الأساسية أثناء الإضراب، فيمكن أيضًا الاتفاق بين نقابة العمال وأرباب العمل على توفير هذه الخدمات في الحد الأدنى أثناء الإضراب، كما هو الحال في كل من جمهورية إيرلندا المستقلة والنرويج.
وتوضح بعض الدول الحد الأدنى للخدمات التي يجب الاستمرار في تقديمها أثناء الإضراب ضمن دستور البلاد، ودون الحاجة إلى أي اتفاق بين أرباب العمل والنقابة، وهذه الدول هي رومانيا وصربيا وفرنسا وإسبانيا.
وينص قانون الإضراب الروماني على ضرورة الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية أثناء الإضراب، لكنه قانون غير ملزم.
وأما في صربيا فيحدد أرباب العمل الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة دون أن يرجعوا إلى النقابات العمالية.
وفي إسبانيا يحق للحكومة أن تفرض على العمال الالتزام بالحد الأدنى من الخدمات التي يجب الاستمرار في تقديمها أثناء الإضراب، لكن لا بد من فعل ذلك بطريقة مناسبة تحقق التوازن بين حاجة المجتمع لتلك الخدمات من جهة، وبشكل يضمن حق العمال في الإضراب من جهة أخرى.
وواجهت السلطات الإسبانية انتقادات لاذعة من النقابات العمالية بعد أن أخفقت الحكومة الإسبانية في التعامل مع النقابات، وفرضت عليها توفير الحد الأدنى من الخدمات بشكل يقيد قدرتها على المشاركة في الإضراب.
هذا ويمكّن القانون الإسباني الحكومة من اختيار العمال الذين يجب أن يستمروا في العمل أثناء الإضراب.
ويوضح الدستور الفرنسي القطاعات التي يجب أن توفر الحد الأدنى من الخدمات أثناء الإضراب، وهي قطاع التعليم في المدارس الابتدائية، وقطاع السفر الجوي والمستشفيات العامة. أما في القطاعات الأخرى التي لا يحدد القانون الحد الأدنى من مستويات الخدمة المطلوبة فيها، فيمكن للحكومة أو السلطات الإدارية تقدير الحد الأدنى للخدمات المطلوبة. (prodavinci.com)
لكن الحد الأدنى من الخدمات التي تفرضها الحكومة الفرنسية على العمال المضربين في القطاعات الثانوية يخضع للمراجعة الإدارية، ولا يعتمد بشكل دائم من السلطات.
وعلى الرغم من أن الدستور الفرنسي يفرض على العمال المضربين في قطاع النقل تقديم الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة، فإن عمال النقل في فرنسا لم يلتزموا بذلك.
هذا ويمكِّن القانون الذي أقرته الحكومة البريطانية الوزراء من وضع حد أدنى للخدمات التي يجب الاستمرار في تقديمها أثناء الإضراب، دون أي اتفاق بين أرباب العمل والنقابات العمالية، لكن القانون يمنح لأرباب العمل الحق في اختيار العمال الذين يجب أن يستمروا في تقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية المطلوبة أثناء الإضراب، بغض النظر عما إذا كان العمال من أعضاء النقابات أم لا.
الموازنة بين حق الإضراب والحفاظ على الخدمات الأساسية
تنص دساتير 69 في المئة من الدول الأوروبية على ضرورة حل الخلافات بين نقابة العمال وأرباب العمل بشأن نسبة الحد الأدنى للخدمات المطلوب الاستمرار في تقديمها أثناء الإضراب، إما عن طريق هيئة مستقلة، أو بواسطة طريق لجنة تحكيم.
وفي بعض الدول مثل ألمانيا يمكن حل الخلاف عن طريق المحكمة، لكن قانون الإضراب البريطاني لا ينص على حق النقابات في رفض نسبة الحد الأدنى من الخدمات الأساسية التي يفرضها أرباب العمل على الموظفين المضربين، ولا ينص القانون على إمكانية حل الخلاف عبر تدخل هيئة مستقلة أو لجنة تحكيم لحل النزاع.
وباختصار يمكن القول: على الرغم من تشابه مشروع قانون الإضراب البريطاني مع بقية الدول الأوروبية، فإن القانون البريطاني لا ينص على كيفية الاتفاق على نسبة الحد الأدنى من هذه الخدمات، ما يهدد بتقييد الإضرابات.
اقرأ أيضاً :
منظمات تتصدى لتوجه الحكومة البريطانية الذي يقضي بجعل الإضرابات غير قانونية
حكومة ريشي سوناك تحظر ممارسات إقناع المثليين بالعدول عن أفكارهم
الحكومة البريطانية تخطط لفرض قوانين صارمة للحد من الإضرابات في 2023
الرابط المختصر هنا ⬇