العرب في بريطانيا | لماذا يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم بلا انتماء سياسي؟

1447 جمادى الثانية 26 | 17 ديسمبر 2025

لماذا يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم بلا انتماء سياسي؟

لماذا يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم بلا انتماء سياسي؟
فيصل حنيف December 4, 2025

جاءت استقالة إقبال محمد من حزب يور بارتي (Your Party) في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بسبب ردّ فعل الحزب على منشوراته في وسائل التواصل، بعد أيام فقط من مغادرة نائب مسلم آخر هو عدنان حسين. هذا الخروج المتتابع لا يكشف عن خلل داخلي فحسب، بل يؤكد وجود أزمة أوسع تتعلق بالانتماء.

استقالة محمد جاءت بعد صدام مع زارة سلطانة -وهي أيضًا مسلمة، وشاركت هذا العام في تأسيس يور بارتي (Your Party) مع زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربن- على خلفية قضية حقوق المتحوّلين جنسيًّا.

وفي منشور عبر منصة X، قال محمد: إن حقوق النساء «يجب ألّا تُنتزع». وردّ متحدّث باسم سلطانة بأن حقوق المتحوّلين «غير قابلة للتفاوض» داخل الحزب.

موقف ديني لا يقبله الحزب

لماذا يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم بلا انتماء سياسي؟
يعبر مسلمون عن موقف في قضايا الهوية الجندرية مخالف لأفكار اليسار البريطاني

ومع أن موقف محمد من الهُوية الجندرية يستند إلى ما يعتبره كثير من المسلمين المحافظين الفهمَ الإسلامي التقليدي للجنس البيولوجي، فإن هذا الموقف غير مقبول داخل المنظومة الأخلاقية ليور بارتي (Your Party).

سرعة الرد أوحت بالرسالة المعتادة: أي خروج على الأرثوذكسية التقدمية غير مسموح به، حتى لو جاء بدافع ديني صادق.

شراكة استراتيجية

لأعوام طويلة، اعتُبر المسلمون البريطانيون كتلة تقدمية يمكن الاعتماد عليها، ولا سيما لدى حزب العمال. لكن هذه الشراكة لم تكن يومًا أيديولوجية، بل استراتيجية، فيما يفرض اليسار اليوم التزامًا أخلاقيًّا صارمًا في قضايا الجندر والهُوية والجنس، ما ينتج صدامات حتمية مع المسلمين المحافظين.

أما حزب الخضر، الذي اقترحه بعض الناس ليكون ملاذًا بديلًا للمسلمين الذين يشعرون بالغربة، فقد كشف بدوره عن مواضع قصور واضحة في فهم واقع المسلمين الديني والاجتماعي.

فدعوة جوناثان بارتلي -أحد قادة الحزب السابقين- عام 2019 لحظر الذبح الحلال أظهرت التوتر بين خطاب تقدمي معلن واحترام حياة المسلمين الدينية. وهذه التشققات ليست جديدة.

ضجة 2012 تكشف حدود الاختلاف

أكثر من عشرة أعوام مضت منذ ضجّة عام 2012 عندما عبّر الصحفي المسلم مهدي حسن عن موقف مؤيد لـ«الحياة» فيما يخص قضايا الإجهاض، لتظهر أجزاء من اليسار حينها مدى ضيق مساحات الاختلاف الأخلاقي، حتى أمام كتّاب راسخين.

أما احتجاجات مدارس برمنغهام عام 2019، حين اعترض أولياء أمور مسلمون على منهج يتضمّن مواد عن قضايا الميم، فقد كشفت هذه الانقسامات بوضوح.

القيم البريطانية ومعادلتها الأحادية

وفي مقال لـ«ميدل إيست آي»، كتب بيتر أوبورن وجون هولموود أن إطار «القيم البريطانية» يفرض معادلة أحادية الاتجاه: على المسلمين أن يُظهروا التسامح، ولكن يَندُر أن يُعامَلوا بالتسامح نفسه عندما يطرحون حدودهم الأخلاقية.

غزة لم تعد قضية هامشية

لماذا يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم بلا انتماء سياسي؟
أصبحت غزة وفلسطين قضية مركزية تؤثر على قرارات المسلمين السياسية في بريطانيا

وفي هذا السياق، لم تعد غزة قضية هامشية؛ بل أصبحت قضية تعريفية.أعادت تشكيل الولاءات السياسية، ولا سيما لدى الشباب المسلم الذي لم يعد يقبل المواقف الضبابية. بالنسبة لكثيرين، غزة ليست مجرد ملف سياسة خارجية، بل استفتاء على الصدقية السياسية.

انجراف سياسي

وتؤكد استطلاعات الرأي هذا الشعور بالانفصال. فقد أظهر مسح عام 2023 تراجعًا حادًّا في دعم المسلمين لحزب العمال، إذ لم تتجاوز النسبة 5 في المئة، مقارنة بـ71 في المئة عام 2019. وفي استطلاع آخر العام الماضي، وضع 44 في المئة قضية فلسطين ضمن أولوياتهم، واعتبر 21 في المئة أنها أهم القضايا على الإطلاق.

ومن بين الذين يضعون غزة في مقدمة اهتماماتهم، قال 86 في المئة إنهم مستعدون للتصويت لمرشح مستقل مؤيد لفلسطين، وهو مؤشر على هشاشة غير مسبوقة.

وقد كشفت أبحاث العالمة السياسية بارفين أختر بشأن انتخابات 2024 عن تحوّلات زلزالية في الدوائر ذات الأغلبية المسلمة، حيث فاز مستقلون مثل محمد وحسين على مرشحي العمال، ما يدل على أن الخيبة الأخلاقية قادرة على تجاوز العلاقات التاريخية.

خطاب الهجرة يفاقم القلق

محاولة حزب العمال منافسة حزب «ريفورم» (Reform UK) في خطاب الهجرة زادت القلق.

فمشهد تصفيق معلّقين من اليمين المتطرف لهذا الخطاب المتشدد مقلق للمجتمعات المسلمة الراسخة، التي بنت أعمالًا وأسست حضورًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا طيلة عقود. حيث يخشون ألا يقتصر تهديد هذا الخطاب على المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود، فيتعدّى إلى التقدّم الاجتماعي الدقيق الذي حققوه عبر أجيال.

ومع ضيق المساحة على اليسار التقدمي وعداء اليمين الصريح، يبحث كثير من المسلمين عن طرق سياسية جديدة.

بعضهم يستكشف منصات مدنية مستندة إلى الدين، وآخرون يستثمرون في الداخل: بناء مساجد ومدارس ومنظمات مجتمعية وشبكات ضغط محلية.

وبعضهم يفكر في الهجرة إلى دول يرونها أكثر احتضانًا للحياة الدينية، في إشارة مؤلمة إلى تقلّص فضاء التعددية في بريطانيا.

انسحابات رمزية تكشف مأزقًا أعمق

يور بارتي-كوربين يدعو لوحدة الحزب
كوربين يدعو للوحدة مع انطلاق المؤتمر الأول لحزب “يور بارتي”

الانسحابات الأخيرة من يور بارتي (Your Party) ليست حوادث منفصلة؛ إنها رمزية.

كثير من المسلمين البريطانيين يشعرون أن قناعاتهم الأخلاقية لم تعد قابلة للاندماج مع السياسة السائدة. فالتعددية الحقيقية تتجاوز مجرد إدراج ديموغرافي؛ إنها احترام للالتزامات الأخلاقية والميتافيزيقية.

سؤال المستقبل السياسي

ويبقى السؤال الأعمق صارخًا:

هل يمكن أن تقوم شراكة سياسية دائمة بين من يتمحور عالمهم حول الإيمان، وبين منظومة سياسية تعلن نفسها لادينية بصراحة؟

قد يتوقف مستقبل السياسة البريطانية على ما إذا كانت مستعدة لاحتضان القناعات الدينية، أو أنها ستستمر في المطالبة بالإذعان.

المصدر: ميدل إيست آي


اقرأ أيضاً

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة