ما هي أسعد أماكن التقاعد في بريطانيا؟ تقرير يكشف الوجهات المثالية للمتقاعدين
تخيّلوا حكاية سينمائية تتكرّر: أبناء المدن الصاخبة يكتشفون ذاتهم حين ينتقلون إلى قرى هادئة. في الواقع البريطاني، يغري هذا السيناريو شريحة واسعة من كبار السن؛ فأسعار العقار المرتفعة في الجنوب الشرقي تدفع كثيرين إلى التفكير ببيع منزلٍ في المدينة وشراء بيتٍ أوسع وأهدأ في الريف، مع الاحتفاظ بفائضٍ مالي. لكن أين يمكن أن يتقاطع “قسط من السعادة” مع “صفقة عقارية ذكية”؟ هذا ما يحاول التحليل الآتي الإجابة عنه.
الأرقام وراء الحُلم: أسعار منازل ومؤشرات رفاه
جرى بناء المقارنة على متوسط أسعار المنازل في أبرز السلطات المحلية البريطانية، إلى جانب متوسطات الرفاه الذاتي بحسب مسح مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) الذي يقيس أربع نقاط على مقياس من 1 إلى 10: الرضا عن الحياة، السعادة الفورية، الشعور بالمعنى، ومستويات القلق (العنصر السلبي الوحيد). الفكرة بسيطة: إذا كان الانتقال سيكلّف مالًا، فلنُفضِّل مكانًا يُبلغ سكّانه عن مستويات رفاه أعلى—فلعلّ شيئًا من ذلك ينساب على الوافدين الجدد.
أين تلتقي السعادة برأس المال؟ نتائج مفاجِئة
برزت جزر الهِبريد الخارجية ضمن أعلى المؤشرات؛ غير أنّ بُعدها الجغرافي، وبرودة مناخها، وحاجز اللغة المحلية قد تُثني بعض المتقاعدين. في إنجلترا، تصدّرت شروبشير القائمة؛ مقاطعة جميلة قليلة الضجيج الإعلامي، وسكّانٌ—على ما يبدو—يتكتّمون بحكمة على جودة عيشهم لتجنّب سيل المُطوّرين والحافلات السياحية. في المقابل، تُظهر ساوثهامبتون مساكن ميسورة نسبيًا، لكنّها تسجّل أدنى مستويات رفاه مُبلّغ عنها في إنجلترا ضمن هامشٍ ضيّق—وهي مدينة نابضة بمشاريع إعادة الإحياء، لكنّ قربَها من ميناء عبّارات كبير لا يجعلها الوجهة الأولى للمتقاعدين. وعلى خط بين ساوثهامبتون وشروبشير، تقع تورباي قريبًا من الوسيط. تُظهر المقارنات أنّ “أربيتراج” العقار قد ينتج فائضًا أو عجزًا رأسماليًا عند مبادلة منزلٍ بآخر مماثل النوع (مع افتراض سداد الرهن)، بينما تقلّص تكاليف الرسوم والوكالات أي مكاسب محتملة. يبقى سكّان لندن الداخلية “حدّ القوس” في مكاسب البيع والشراء: فالفروق عند الانتقال إلى منازل أصغر (من منفصل إلى شبه منفصل مثلًا) قد تبلغ مئات آلاف الباوند—بما يربك أي رسم بياني مقارن لبقية المناطق. ومن زاوية “تصنيفات السعادة التقاعدية”، أظهر ترتيب “النقاط الساخنة لسعادة التقاعد في بريطانيا” الصادر في يوليو عن شركة “ليجال آند جنرال” أنّ أمريشام وتشيشام—مدينتان ضمن تلال تشيلترن وخارج رادارات الأمنيات التقليدية—تصدرّتا قائمة تضم 632 موقعًا على أساس مجموع دوائرهما الانتخابية. اعتمد الترتيب محاور “المال” و”الصحة” و”الخدمات” وغيرها، مع الإشارة إلى أنّ الموقع المتصدر احتاج إلى أداء متوازن عبر جميع المؤشرات. لم تُعلَن المراكز المتأخّرة، فيما جاء نييث أخيرًا فقط ضمن القوائم المجمّعة لأفضل 20 على مستوى ويلز واسكتلندا وبريطانيا، وظهرت منطقة مِد دَنبارتونشاير نقطةً وسطى في اسكتلندا.
قرار أكبر من خريطة: الجوار والخدمات قبل “الرمز البريدي”
الانتقال في سنّ التقاعد قرار معقّد يتجاوز الأسعار والمؤشرات. فالخيارات التي كانت تُحسم سابقًا بقرب المدارس وأماكن العمل، تفقد تأثيرها لاحقًا. خبراء عقاريون ينصحون بالتعامل مع “ورقة بيضاء” ثم ملئها بمسوّغات دقيقة لاختيار المكان—خشية الشراء بدافع اللحظة. القرب الفعلي من خدمات أساسية (طبابة، متاجر، مواصلات)، ومن صحبة مُنسجمة، قد يفوق في الأهمية سمعةَ المنطقة عمومًا. ثمة منهجٌ عملي—مع أنّه ليس النصيحة الرسمية—يقضي بوضع نقاطٍ على الخريطة لأماكن الأصدقاء والأقارب والخدمات الحيوية ورسم دائرةٍ تُحيط بها؛ أحيانًا يقود ذلك إلى نتيجة مفادها: “أفضل مكان… هو حيث تعيش أصلًا.” ميدانيًا، يُستحسن اختبار الشعور بالمكان عبر الإيجار المؤقت قبل الشراء؛ فقد احتاجت إحدى المقبلات على الانتقال إلى استئجار منازل في ثلاث قرى مختلفة حتى وجدت ما ينسجم مع مزاجها—وكان من معاييرها الخاصة قربُ “حصنٍ من العصر الحديدي”! هذه التفاصيل ذاتية، لكنها تذكّر بأنّ الرفاه المرتبط بروح المكان أعقد بكثير من أربعة أسئلة يطرحها الاستبيان.
تُظهر البيانات أنّ شروبشير في إنجلترا مرشّحة جذّابة لمن ينشد توازنًا بين كلفة السكن ورفاهٍ مُبلّغ عنه، وأنّ مناطق مثل جزر الهِبريد تُغري محبّي العزلة والطبيعة القاسية، فيما تبقى لندن الداخلية خزّانًا لفوائض رأسمالية ضخمة عند إعادة التموضع. لكنّ قرار التقاعد لا يُختزل في “صفقة” أو “ترتيب”، بل يتأسّس على القرب من الدوائر الإنسانية والخدمات اليومية، وعلى اختبارٍ حقيقي لملاءمة المكان. موقف “العرب في بريطانيا”: نرى أنّ البيانات أداة مساعدة لا حَكَمًا نهائيًا؛ فالاختيار الأذكى يُوازِن بين ما تقوله الأرقام وما يختبره القلب والعين والروتين اليومي. نصيحتنا العملية للمتقاعدين: احسبوا الفائض المحتمل بدقة (بعد الرسوم)، حدّدوا دائرةَ قربٍ بشرية وخدمية مريحة، جرّبوا السكن المؤقت، ثم اختاروا المكان الذي يضيف إلى حياتكم معنى وسكينة—لا مجرد عنوانٍ بريدي جديد.
المصدر: فايننشال تايمز
إقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇
11°C
