ماذا يعني حلّ هيئة تنظيم قطاع المياه في بريطانيا؟ وكيف يؤثر على المستخدمين؟

أعلنت بريطانيا عن إنشاء هيئة تنظيمية جديدة لقطاع المياه لتحلّ محل صلاحيات هيئة تنظيم قطاع المياه (Ofwat) ومفتشية مياه الشرب ووكالة البيئة، بهدف “إعادة ضبط” القطاع الذي لطّخته فضائح تسرب مياه الصرف وسوء الإدارة المالية، وذلك عقب مراجعة كبرى للقطاع.
وأكّدت الحكومة أنها ستتبنى التوصية الخاصة بإنجلترا وويلز الواردة في المراجعة التي أعدّها السير جون كونليف، النائب السابق لمحافظ بنك إنجلترا، والتي صدرت يوم الإثنين. وفي إنجلترا ستدمج أيضًا صلاحيات هيئة Natural England ضمن هذه الهيئة الجديدة.
الحكومة البريطانية تعلن إلغاء هيئة Ofwat ضمن إصلاحات جذرية لقطاع المياه
قال وزير البيئة ستيف ريد: “ستقوم الحكومة بإلغاء هيئة تنظيم قطاع المياه (Ofwat). وفي أكبر إصلاح لقطاع المياه منذ جيلٍ كامل، سنوحد مهام تنظيم قطاع المياه من أربعة جهات مختلفة في هيئة واحدة”.
وأضاف: “سيكون لدينا منظم قوي يتولى مسؤولية قطاع المياه بأكمله، يقف إلى جانب العملاء والمستثمرين والبيئة، ويحول دون تكرار الانتهاكات السابقة.”
ويرى منتقدون أن Ofwat أشرفت منذ تأسيسها عام 1989 عند خصخصة القطاع، على ترسيخ ثقافة ضعف الاستثمار في البنية التحتية وسوء الإدارة المالية لشركات المياه.
وتُعَدّ شركة Thames Water، أكبر شركات المياه في بريطانيا، أبرز مثال على القلق الحكومي، إذ إنها مثقلة بديون تصل إلى 20 مليار باوند، وتكافح لتجنب الانهيار المالي والانتقال إلى إدارة خاصة مؤقتة، وهو شكل من أشكال التأميم المؤقت.
كونليف ينتقد النظام الحالي ويطالب بمنظم جديد أكثر فاعلية لقطاع المياه
أوصت مراجعة كونليف بإنشاء منظم جديد يمتلك صلاحيات لـ”توجيه” أو السيطرة على شركات المياه المتعثرة.
وخلال كلمة ألقاها أمام عرض لمضخات الصرف الصحي في متحف المياه والبخار غرب لندن، قال كونليف إن إنجلترا وويلز تواجهان “لحظة القذارة الكبرى” في إشارة إلى صيف عام 1858 الحار، الذي تسبب في أوضاع بيئية متردية دفعت المهندس السير جوزيف بازالجيت إلى بناء شبكة الصرف الصحي للعاصمة.
وقال كونليف، بحضور رئيس Ofwat إيان كوتشر، إن النظام التنظيمي الحالي أصبح “عدائيًا للغاية”، وإن الهيئة اعتمدت بشكل مفرط على “الأدوات الاقتصادية ومؤشرات الأداء الصناعية”، مؤكدًا أن القطاع بحاجة إلى “نهج أقل بيروقراطية”.
من جانبها، قالت إيما هاردي، وزيرة المياه والفيضانات، إن الحكومة ستقضي الصيف في دراسة 88 توصية وردت في التقرير، مضيفة: “سنقدم مشروع قانون للمياه العام المقبل سيغير القوانين ويضمن إدراج العديد منها في التشريع.” وأكدت أن خمسًا من هذه التوصيات سيتم “تسريعها” والإعلان عنها في البرلمان لاحقًا يوم الإثنين.
توصيات لتعويض المستهلكين وتعزيز سلامة مياه الشرب وحماية البنية التحتية
أعلن وزير البيئة ستيف ريد أنه سيأخذ بالتوصية الواردة في التقرير بإنشاء مكتب أمين مظالم يتمتع بصلاحيات قانونية لتعويض المستهلكين المتضررين من تقصير قطاع المياه، مثل انقطاع الإمدادات عن المنازل بسبب انفجار الأنابيب أو تسرب مياه الصرف إلى الحدائق.
وكشف التقرير أن هناك 58 موظفًا فقط مكلفين بحماية سلامة مياه الشرب في بريطانيا بسبب قيود الخدمة المدنية المتعلقة بالعدد والرواتب، ما يعني، بحسب اللجنة، أن مفتشية مياه الشرب بصيغتها الحالية قد لا تكون قادرة على مواجهة “تحديات المستقبل”.
كما يشير التقرير إلى أن البلاد غير محمية بشكل كافٍ من الملوثات الموجودة في المياه مثل المواد الكيميائية الدائمة PFAS والميكروبلاستيك، ويوصي بإدخال تعديلات تشريعية لمعالجة هذه الملوثات وإزالتها من شبكة المياه. ويدعو التقرير أيضًا إلى عدم رفع الفواتير بشكل كبير، كما حدث في أبريل الماضي، وحتى نهاية العقد الحالي، مشددًا على ضرورة إعطاء الأولوية للاستثمار المستمر في البنية التحتية لتفادي ما وصفه بـ”اللعب في الوقت الضائع”، أي رفع الفواتير بشكل عاجل لاحقًا لبناء أو إصلاح شبكات الصرف والخزانات.
وأوصت اللجنة بتركيب عدادات ذكية إلزامية في المنازل بجميع أنحاء إنجلترا وويلز، بحيث تدفع الأسر التي تستهلك كميات أكبر من المياه رسومًا أعلى. كما يقترح التقرير توسيع استخدام العدادات الذكية في الشركات للحد من الاستهلاك المفرط للمياه، إلى جانب وضع تعريفة اجتماعية وطنية لدعم الأسر غير القادرة على دفع الفواتير.
ورغم أن اللجنة مُنعت من دراسة خيار التأميم الكامل من قبل ريد، إلا أنها بحثت إمكانية انتقال شركات المياه إلى نموذج غير ربحي، على غرار شركة مياه ويلز.
انتقادات حادة لخصخصة المياه ودعوات لمحاسبة المسؤولين
قال كونليف إن طريقة تنظيم شركات المياه وإدارتها لها تأثير أكبر على أدائها، سواء أكان إيجابيًا أم سلبيًا، مقارنةً بهيكل ملكيتها.
من جانبه، قال جيمس والاس، الرئيس التنفيذي لمنظمة River Action: “كانت هذه فرصة تاريخية لإصلاح نظام فاسد ومهترئ، لكن اللجنة ترددت. بعد ثلاثة عقود من الخصخصة، لا يوجد دليل على أن هذا النموذج ينجح.”
وقال غاري كارتر، المسؤول الوطني في نقابة GMB: “خصخصة المياه كانت فشلًا كارثيًا. لقد تلوثت أنهارنا ومجاري المياه بينما ارتفعت الفواتير وازداد ثراء المديرين، وفي الوقت نفسه تنهار البنية التحتية بسبب نقص الاستثمار. إنه أمر مخزٍ، وهيئة Ofwat تتحمل المسؤولية.”
أما فيرغال شاركي، المغني السابق لفرقة The Undertones وناشط في مجال حماية المياه، فقال إن على ريد الاستقالة بسبب فشله في التعامل مع قضية تلوث مياه الصرف.
رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK) :
إعلان بريطانيا عن إنشاء هيئة تنظيمية جديدة لقطاع المياه هو إقرار متأخر بفشل النموذج القائم منذ خصخصة هذا القطاع عام 1989. فبعد عقود من إدارة الشركات الخاصة، لم تتحقق وعود تحسين الخدمات أو تحديث البنية التحتية، بل ارتفعت الفواتير وتزايدت فضائح تسرب مياه الصرف، بينما تلوثت الأنهار وتراجعت الثقة في الجهات التنظيمية، وعلى رأسها Ofwat.
الأزمة التي تمر بها شركة Thames Water، وهي أكبر شركات المياه في بريطانيا والمثقلة بديون تتجاوز 20 مليار باوند، تمثل مثالًا صارخًا على اختلال هذا النظام. إن وصول شركة بهذا الحجم إلى حافة الانهيار المالي يطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية خصخصة قطاع حيوي يعدّ أساس الحياة اليومية لكل مواطن.
التوصيات الجديدة، مثل إنشاء مكتب أمين مظالم لتعويض المتضررين وتركيب عدادات ذكية لتقليل الاستهلاك، خطوات إيجابية لكنها تظل محدودة أمام حجم التحديات. فوجود 58 موظفًا فقط لمراقبة سلامة مياه الشرب في بلد بحجم بريطانيا يعكس خللًا خطيرًا في الأولويات، فيما تواصل الملوثات الحديثة مثل PFAS والميكروبلاستيك تهديد البيئة والصحة العامة.
نرى أن إصلاح قطاع المياه يتطلب نهجًا جذريًا يعيد الاعتبار للمستهلك والبيئة، ويضمن الاستثمار المستمر في البنية التحتية بعيدًا عن منطق الربح السريع. فالمياه ليست سلعة تجارية، بل حق أساسي يجب أن يُدار بشفافية وعدالة.
شاركونا رأيكم في التعليقات: هل تعتقدون أن الوقت قد حان لإعادة قطاع المياه إلى الملكية العامة؟
المصدر : الغارديان
إقرأ أيضًا :
- فواتير المياه ترتفع 30%: ملايين الأسر تواجه ضربة مالية قاسية بحلول 2030
- شركات المياه في إنجلترا وويلز تواجه تحقيقًا بسبب مياه الصرف الصحي
- تحذير عاجل من شركة مياه كبرى لـ5 ملايين أسرة بريطانية
الرابط المختصر هنا ⬇