العرب في بريطانيا | لماذا لا بد لبريطانيا مواجهة التطرف الهندوسي وك...

1447 جمادى الثانية 16 | 07 ديسمبر 2025

لماذا لا بد لبريطانيا مواجهة التطرف الهندوسي وكراهية المسلمين؟

مقالArtboard-2-copy-4_2 (10)
جعفر ميرزا September 21, 2025

تسير بريطانيا على خطى نزعة عالمية تتقاطع فيها الحركات اليمينية المتطرفة – بما في ذلك القوميون الهندوس المتشددون – في حملات كراهية مشتركة ضد المسلمين.

فبعد أن رُفعت أعلام مرتبطة بجماعة باجرانغ دال (Bajrang Dal) المتشددة في منطقة ذات أغلبية مسلمة بمدينة ليستر الشهر الماضي، قال راجيف سينها من منظمة “هندوس من أجل حقوق الإنسان في بريطانيا” إن التجمع كان يهدف على الأرجح إلى ترهيب المسلمين.

ورغم أن البعض ربط ذلك بمهرجان هندوسي، إلا أن الرمزية والتوقيت – الذي جاء متزامناً مع الذكرى الثالثة لاضطرابات 2022 في ليستر – كشفا عن حضور أيديولوجية الهندوتفا.

 ومع ذلك، قللت وسائل الإعلام اليمينية ومراكز الأبحاث البريطانية من أهمية الحادثة، وألقت باللوم على المسلمين أو صوّرتها كأنها مجرد “اضطرابات طائفية”.

هذا لم يختلف عن التغطية التي ظهرت قبل ثلاث سنوات، بعد فوز الهند على باكستان في مباراة كريكيت أقيمت بدبي في 28 أغسطس/ آب 2022، والتي عادةً ما تتجاوز حدود الرياضة لتغذي الخطاب القومي على الإنترنت.

وفي ليستر، إحدى أكثر المدن تنوعاً ثقافياً في إنجلترا، ذكرت صحيفة “الغارديان” أن مشجعين هنوداً مبتهجين هتفوا في الشوارع “باكستان مرداباد” (“الموت لباكستان”)، ما فجّر توترات سرعان ما تصاعدت إلى اضطرابات واسعة.

هذه التوترات لم تكن جديدة؛ فخلافات حول الممارسات الثقافية والفعاليات الدينية كانت قد تسببت سابقاً في احتكاكات. على سبيل المثال، المهرجانات الهندوسية التي تتضمن موسيقى صاخبة أثناء المواكب اصطدمت أحياناً بحساسيات “المسلمين المحافظين”.

ومن بؤر التوتر أيضًا، رفض اقتراح عام 2018 لتحويل مستودع في ليستر إلى قاعة صلاة ومركز تعليمي للمسلمين. وبرر المجلس المحلي القرار بمشكلات الضوضاء والازدحام ومواقف السيارات، لكن المعارضة كشفت عن عداء أعمق، إذ قُدمت نحو 1500 اعتراض، تضمّن الكثير منها خطاباً معادياً للمسلمين.

 وقال معارضون إن إقامة مركز للمسلمين في منطقة ذات غالبية هندوسية غير مقبول، متذرعين بمخاوف من “التطرف” وتهديد سلامة النساء وقرب الموقع من المعابد.

خطابات تقسيمية

أفاد تقرير حديث لمنتدى السياسات المجتمعية بأن الهندوتفا كانت محركًا أساسيًا لاضطرابات 2022، إلى جانب سلوكيات اجتماعية منحرفة، وسرديات تقسيمية، وحملات تضليل. وأكد أن التوترات لم تكن متجذرة في النسيج المتعدد الثقافات لليستر، بل في تأثيرات خارجية وأيديولوجيات متطرفة.

ورغم اتهام بعض الأصوات للمهاجرين الجدد بجلب أفكار الهندوتفا، فإن ذلك يتجاهل دور الشبكات المحلية الكبرى في تعزيز التطرف.

تُعد منظمة فيشفا هندو باريشاد (Vishwa Hindu Parishad) – المرتبطة بـ”راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (RSS)، وهي منظمة قومية هندوسية متطرفة – من أبرز الجهات الدافعة بالأجندة القومية الهندوسية والمعادية للمسلمين، وارتبط اسمها بأعمال عنف طائفية في الهند، بينها هدم مسجد بابري عام 1992.

فرعها البريطاني، الذي يتخذ من ليستر مقراً، يمجّد “إم. إس. غولووكر”، أحد منظّري الـRSS والمعجب بهتلر، الذي وصف ألمانيا النازية بأنها “درس جيد لنا”.

كما أن منظمة “هندو سوايامسيفاك سانغ” (HSS)، التي تأسست عام 1966، تُعتبر على نطاق واسع فرعاً غير رسمي للـRSS. 

ورغم أن تحقيقًا رسميًا لم يجد رابطًا تنظيميًا مباشراً، فإن الجمعية اعترفت بأن المجموعتين تتشاركان “مبادئ متشابهة”، وبرغم أن RSS ليست محظورة في بريطانيا، فإنها تُعرف عالمياً بأنها منظمة هندوتفا متطرفة.

في المقابل، خلص موجز لمؤسسة “هنري جاكسون” عن اضطرابات ليستر إلى أن الأحداث “صُورت زورًا على أنها مرتبطة بجماعات متطرفة ومنظمات إرهابية تابعة للـ RSS”، وزعم أن المسيرات الهندوسية لم تُظهر “أي روابط واضحة أو مثبتة مع منظمات إرهابية معروفة”. وبدلاً من ذلك، ألقى باللوم بشكل أساسي على المسلمين في التحريض ضد الهندوس.

صحيح أن بعض النشطاء المسلمين ساهموا في التوتر، باستخدام التضليل والخطاب الاستفزازي واستدعاء الهوية الدينية لمواجهة الجالية الهندوسية، لكن القول إن المسيرات لم تكن مرتبطة رسمياً بالـRSS أو مجموعات هندوتفا أخرى لا يروي القصة كاملة؛ فالأهم هو ما إذا كان الأفراد يجسدون أيديولوجيات وسلوكيات هذه الحركات.

البعد العابر للحدود

خلال اضطرابات ليستر 2022، أظهر بعض المشاركين رموزاً واضحة للهندوتفا، بينها العلم الزعفراني الذي يقدّسه الـRSS. كما ارتُفعت هتافات “جاي شري رام” – وهي تحية دينية – لكنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى “صرخة قتل” مرتبطة بحوادث إعدام مسلمين في الهند، ورددت في مناطق ذات غالبية مسلمة أثناء الشغب.

هذه الرموز والشعارات ليست مجرد تعبيرات دينية، بل ترتبط بشكل وثيق بأيديولوجية الهندوتفا. وقد أكد ذلك تقرير مسرّب لوزارة الداخلية البريطانية وجد أن “التطرف القومي الهندوسي” لعب دوراً في أحداث 2022.

ولا يمكن تجاهل البعد العابر للحدود في اضطرابات ليستر. فقد حلل قسم الرصد في “بي بي سي” نحو 200 ألف منشور على منصة X حول الأحداث، وتبين أن أكثر من نصفها مصدره الهند، ما يبرز دور شبكات التضليل في تضخيم التوترات.

هذه الروابط تعكس نمطاً أوسع. ففي السنوات الأخيرة، وسّع القوميون الهندوس حضورهم في أوروبا والولايات المتحدة، متحالفين مع جماعات صهيونية ويمينية متطرفة بيضاء على أرضية مشتركة من العداء للمسلمين. وقد وثق الصحفي آزاد عيسى التعاون بين جماعات هندوتفا وصهيونية في الولايات المتحدة.

وبالمثل في بريطانيا، حذر تقرير استخباراتي مسرّب للشرطة مؤخراً من أن “المتطرفين الهندوس البريطانيين” يتحالفون مع مجموعات يمينية متطرفة أوروبية، مشيراً إلى خطر تحالف نشطاء الهندوتفا مع النازيين الجدد، وذكّر بحالة أندرس بريفيك، الإرهابي النرويجي الذي قتل 77 شخصاً عام 2011 وأشاد بالهندوتفا في بيانه.

ورغم رفض بعض الجماعات الهندوسية لهذه الاستنتاجات، فإن المخاوف تعززت بفعل الدور النشط لتومي روبنسون، مؤسس “رابطة الدفاع الإنجليزية”، مع نشطاء هندوس يمينيين. وخلال اضطرابات 2022، ألقى روبنسون باللوم على المسلمين وعرض أن يحضر “مئات الرجال”.

هذا التعاون سبق أحداث ليستر؛ ففي عام 2016 تمت دعوته للتحدث في معبد بمدينة ساوثهول، ومؤخراً روّج روبنسون وآخرون من اليمين المتطرف لمعلومات مضللة مصدرها قوميون هندوس بشأن بنغلاديش بعد إزاحة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة عام 2024.

هكذا، تعكس بريطانيا توجهاً عالمياً: فالحركات اليمينية المتطرفة، بما فيها القوميون الهندوس المتشددون، تتقاطع في حملات كراهية مشتركة ضد المسلمين. وليستر لا يجب أن تُفهم كاشتباك معزول، بل كجزء من تعبئة عابرة للحدود لأيديولوجيات عنيفة. وإن واصلت بريطانيا غض الطرف عن الهندوتفا، فإنها تخاطر بتقوية الإسلاموفوبيا العابرة للحدود.

المصدر: ميدل إيست آي


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة