لا ستارمر ولا فاراج: البريطانيون يستحقون خيارًا ثالثًا
حين يخرج كير ستارمر ليقول للبريطانيين بشكل مباشر أو غير مباشر: “إما أنا أو فاراج”، فإنه يمارس أبسط أشكال الابتزاز السياسي. وكأن مستقبل بريطانيا محصور بين “الاعتدال المزعوم” الذي يمثله حزب العمال بقيادته، وبين يمين شعبوي متطرف يتقدمه نايجل فاراج وحزب “ريفروم”. لكن هذه الثنائية ليست قدرًا محتومًا، ولا تعكس حقيقة المشهد السياسي البريطاني بكل تنوعه.
لعبة التخويف
الوقوع في فخ “ستارمر مقابل فاراج” يعني قبول لعبة التخويف التي يُتقنها الساسة الكبار: إخافة الناخبين من البديل الأسوأ لضمان أصواتهم، حتى لو لم يُقدَّم لهم ما يستحقونه من سياسات. ستارمر الذي يرفع شعار “الكرامة مقابل الانقسام” هو نفسه الذي صمت طويلًا عن الجرائم في غزة، وتبنّى خطابًا عقيمًا تجاه المهاجرين، وابتعد عن الأجندة الاجتماعية التي ألهمت ملايين الناخبين في عهد جيرمي كوربين. أما فاراج فيمثل الوجه الصريح لسياسات كراهية المهاجرين وتقليص الحريات.
الخيارات الأوسع
لكن البريطانيين ليسوا محصورين بين نارين. هناك بدائل على الساحة السياسية، وإن لم تُمنح ذات التغطية الإعلامية:
- حزب كوربين الجديد (Your Party): الذي يستعيد خطاب العدالة الاجتماعية، ويركز على حقوق العمال، ومناهضة الحروب الخارجية، وتوسيع المشاركة الشعبية.
- حزب الخضر: الذي يطرح أجندة بيئية واجتماعية متكاملة، ويُعد من أكثر الأحزاب انسجامًا مع قضايا المهاجرين والتنوع المجتمعي وحقوق الإنسان.
- حزب العاملين بقيادة جورج غالاوي: الذي برز كصوت معارض للحروب والتدخلات العسكرية، ويمثل توجهًا يساريًا شعبويًا يعكس هموم شريحة من الطبقات العاملة والناخبين الساخطين على الحزبين الكبيرين.
- إلى جانب ذلك، هناك حركات مدنية محلية، وقوائم مستقلة، وشبكات سياسية ناشئة، كلها تعمل على كسر احتكار الحزبين الكبيرين وتقديم خيارات أقرب إلى الناس.
- كما أن هناك نوابًا داخل حزب العمال ما زالوا قريبين من قضايانا ويمكن دعمهم وإعادة انتخابهم بصفاتهم الشخصية، بعيدًا عن قيادة ستارمر وسياساته.
لماذا يهم المهاجرين؟
المهاجرون في بريطانيا يجدون أنفسهم دائمًا أول من يُستَخدم كورقة انتخابية في معارك “الأمن والهجرة”. خطاب فاراج يشيطنهم، بينما سياسات ستارمر تهمّشهم وتتعامل معهم ببرود. لكن الحقيقة أن أصوات المهاجرين وطاقاتهم يمكن أن تكون عنصرًا فارقًا في كسر هذه الثنائية، ليس فقط عبر التصويت في الانتخابات البلدية والجزئية، بل أيضًا عبر الانخراط المنظم في الأحزاب التي تعبر عنهم بشكل أكبر، والمساهمة في صياغة برامجها وبناء قواعدها. نحن نمرّ اليوم بفترة ذهبية للانخراط الحزبي والمشاركة الفاعلة، بعيدًا عن منطق الاختيار بين “الأهون والأنكى”.
نحو موقف جماعي مؤثر
حتى يكون العرب والمسلمون أكثر تأثيرًا، فإن انسجامهم مع مؤسسات مثل حملة الصوت العربي وحملة الصوت المسلم ضرورة ملحّة. لا ينبغي أن يترشّح أحد بشكل فردي على هواه الشخصي، ولا أن ينتخب آخر لمجرد اعتبارات ضيقة، بمعزل عن الموقف الجماعي الذي يُعبّر عن المصلحة العامة. فالقوة في التكتل، والضعف في التشرذم.
يُقال: “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”؛ أي أن الذئب لا يقترب من القطيع المتماسك، بل يصطاد الشاة التي ابتعدت وحدها. وهذا المثل ينطبق تمامًا على واقعنا: ما لم نعمل معًا وننسق جهودنا، سنبقى عُرضة للتهميش والاستغلال من قبل القوى السياسية الكبرى. أما إذا اتحدنا خلف موقف مشترك، فلن يستطيع أحد تجاوز أصواتنا ولا تجاهل قضايانا.
اقرأ أيضًا:
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇



