العرب في بريطانيا | في مواجهة التطرف المقنع بالبيئة والصحة: دفاع عن...

1446 ذو الحجة 15 | 12 يونيو 2025

في مواجهة التطرف المقنع بالبيئة والصحة: دفاع عن حق الذبائح الدينية

مقالArtboard 2 copy (9)
عدنان حميدان June 10, 2025

في قلب النقاشات التي تشهدها بريطانيا اليوم حول الذبح الحلال واليهودي، تبرز أصوات من اليمين المتطرف وبعض التيارات النباتية تدعو إلى حظر هذه الممارسات بذريعة “الرفق بالحيوان”، و”الصحة العامة”، و”الاستدامة البيئية”. وما يزيد الأمر تعقيدًا، هو أن هذا الخطاب لا يقتصر على ساحات النقاش المجتمعي فحسب، بل تخطاه ليجد صدى له داخل البرلمان، حيث يشارك بعض نواب اليمين المتطرف في مناقشة عرائض تطالب بمنع الذبائح الدينية، مستخدمين لغة تغلف التطرف بمفردات تبدو مدنية، لكنها في جوهرها تستهدف قمع التنوع الثقافي والديني في البلاد.

هذا المسار لا يمكن اعتباره مجرد نقاش حول أساليب إنتاج اللحوم أو معايير الرفق بالحيوان. إنه مشروع قسري لفرض نمط حياة واحد، يتجاهل ويُقصي التنوع الحضاري والثقافي الذي تشتهر به بريطانيا كدولة تعددية.

خطاب متصاعد: بين “الرفق بالحيوان” واستهداف الشعائر الدينية

التناقض في هذا الخطاب واضح وجليّ. حين يُتهم الذبح الحلال واليهودي بأنه “قاسٍ” أو “غير إنساني”، تُغفل تلك الأصوات الحقائق العلمية الموثقة، والتي تثبت أن الذبح الديني، عندما يُنفذ بشكل صحيح وعلى يد مختصين، يؤدي إلى فقدان سريع للوعي بفعل النزيف السريع، ولا يسبب الألم الممتد كما يُشاع.

بل أكثر من ذلك، تشير دراسات علمية منشورة في مجلات مرموقة إلى أن إخراج الدم بشكل كامل في عملية الذبح قد يقلل من خطر نمو البكتيريا، ما يشكل ميزة صحية مهمة.

إذا كان الهدف حقًا هو الرفق بالحيوان، فلماذا تغيب هذه المطالبات الصارمة عن مناهج التربية الصناعية للحيوانات التي تعاني فيها ملايين المخلوقات ظروفًا قاسية لا تقل سوءًا أو تزيد؟

وهل نغفل معاناة الأبقار والدواجن في سلاسل الإنتاج الضخم، حيث يُنظر إليها كآلات إنتاج باردة، بعيدًا عن أي اعتبار لكرامتها؟

الحقائق العلمية تُفنِّد الادعاءات

وعلى صعيد الصحة العامة، لا يوجد أي دليل علمي يدعم الادعاء بأن اللحوم المذبوحة وفقًا للشرائع الدينية تشكل خطرًا أكبر. إذ أن الرقابة المشددة من الهيئات المختصة في بريطانيا تضمن سلامة كل اللحوم المستهلكة، حلالًا كانت أو غير ذلك.

أما المطالب بأن يصبح النظام الغذائي النباتي هو الخيار الإجباري الوحيد لحماية البيئة، فهي رؤية أحادية تبسط مشكلة معقدة للغاية.

إنتاج اللحوم مسؤول عن انبعاثات غازات دفيئة، لكن لا يمكننا تجاهل أن الزراعات النباتية المكثفة، مثل زراعة فول الصويا واللوز، تستهلك موارد مائية هائلة وتؤدي إلى إزالة الغابات وتدهور التنوع البيولوجي.

المطلوب هو تحقيق توازن بين مختلف أساليب الإنتاج، لا التضييق على أسلوب حياة بعينه.

ازدواجية المعايير في ملف الرفق بالحيوان

الحرية الشخصية في اختيار نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، هي ركيزة أساسية في المجتمعات الليبرالية التي تزعم بريطانيا أنها منبعها.

فهل من المقبول أن تُحرم مجتمعات بأكملها من ممارسة شعائرها الدينية في الذبح، بينما يُسمح لتيار معين بفرض رؤيته ونمط حياته على الجميع؟

المسلمون واليهود في بريطانيا يمارسون شعائرهم ضمن إطار قانوني واضح، وتحت إشراف رقابي دقيق، دون أي تأثير سلبي مثبت على الصحة العامة أو البيئة. ما يحدث هو محاولة لتقويض هذه الشعائر ووصمها بالتخلف، وإضعاف حضورها في الفضاء العام عبر خطاب متطرف مقنع بالعلم أو الأخلاق، لكنه في جوهره تهديد للتعايش والتنوع.

خطاب مقنّع بالعلم… يهدد التعايش

لا نقاش في حق الفرد في اتباع نظام نباتي أو الامتناع عن اللحوم، فهذا حقه الكامل. لكن فرض هذا الخيار كمعيار وحيد، ومحاولة إقصاء أنماط حياة أخرى، هو تحوّل خطير نحو فرض ثقافة أحادية باسم البيئة أو الرحمة.

لقد تقدمت بريطانيا وحافظت على مكانتها بفضل احترامها للتنوع الثقافي والديني، واحتضانها الاختلاف، لا عبر فرض ثقافة واحدة تسعى إلى طمس الأخرى.

إن ما تحتاجه البلاد اليوم هو حوار صادق يميز بين ما هو تهديد حقيقي للبيئة والكوكب، وبين اختلاف مشروع في أنماط الحياة والعادات. فالتعايش الحقيقي يعني احترام حق الجميع في اختيار طعامهم وممارساتهم الدينية، ما دام ذلك لا يؤذي الآخرين ولا يتعارض مع القانون.


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
10:22 am, Jun 12, 2025
temperature icon 21°C
overcast clouds
65 %
1011 mb
15 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 4:43 am
Sunset 9:17 pm