فاينانشال تايمز: لهذه الأسباب حماس ليست داعش
اعترفت القيادة الإسرائيلية بعد مضي أكثر من عقد على محاصرتها لغزة بأن فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع -وأبرزها حماس- تعرف كيفية اختيار ساعة الصفر.
وهو ما أشار إليه القيادي الفلسطيني المخضرم محمود العجمي، الذي قال: “دع الوحش نائمًا إلى أن تصبح مستعدًّا لمواجهته”.
حماس تختار التوقيت المناسب
وتجلَّت هذه المقولة في النهج القتالي والتجهيزي لحماس، فقد نشرت حماس تسجيلات مصورة لجنود إسرائيليين في مرمى قناصيها في عام 2019.
ورغم رصدهم لجنود الاحتلال فإن قناصيها لم يطلقوا النار، في الوقت الذي استهدف جنود الاحتلال المتظاهرين على السياج الحدودي للقطاع المحاصر.
وفي مقطع آخر انتظر مقاتلو حماس نزول الجنود الإسرائيليين من حافلتهم قبل أن يستهدفوها بصاروح كورنيت.
وقد ظنت إسرائيل أن ضبط النفس الذي أظهره مقاتلو المقاومة يدل على نجاحها في ردعهم.
لكن اتضح لاحقًا أن المقاومة كانت تنتظر جر إسرائيل إلى المعركة في الوقت المناسب.
ولم يمض وقت طويل على ظهور أحد قادة حماس الذي قال في عام 2021 فلتجلبوا الوحش؛ فنحن جاهزون لذبحه، حتى اندلعت مواجهة بين الطرفين عبر الغارات الإسرائيلية التي قابلتها الصواريخ الفلسطينية، لتعلن حماس تحقيق النصر بعد 11 يومًا من تبادل القصف، دون دخول أي قوات برية.
أما في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، فقد اجتاح مقاتلو المقاومة البلدات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي، واستطاعت أسر نحو 230 شخصًا -معظمهم جنود وضباط- وفقًا للسلطات الإسرائيلية، وهي أكبر خسارة في الأرواح تسجلها إسرائيل منذ عام 1973.
وبالمقابل شنت إسرائيل أكبر عملية عسكرية على الإطلاق يشهدها قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 8000 فلسطيني استهدفهم الاحتلال بالغارات الجوية والمدفعية.
ومع تفوقها التكنولوجي وأسلحتها الحديثة فقد شنت إسرائيل أول هجوم بري على غزة منذ عقد من الزمن.
وقد تحركت طليعة من دبابات الميركافا في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضية باتجاه المناطق غير المأهولة في شمال القطاع المحاصر.
علمًا أن المسافة بين شمال القطاع ومخيمي الشاطئ وجباليا لا تزيد على بضع دقائق بالسيارة، ومن ثم تأتي مدينة غزة التي تُعَد الحاضنة السياسية والعسكرية لحماس.
وبهذا الصدد حذرت ديفورا ماجولين الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى من دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، حيث تتمتع حماس بالتفوق المحلي والجاهزية الكاملة.
وفي أغسطس/آب الماضي حذر اللواء يتسحاق بريك من أن الجيش الإسرائيلي ليس مستعدًّا للدخول في حرب، ولا سيما أن جنوده لم يخوضوا أي معركة برية منذ عام 2014، وهي المرة الأخيرة التي نشرت فيها إسرائيل قواتها داخل القطاع المحاصر، وفي ذلك الوقت كان ضباط الاحتلال منشغلين بالتهديدات الإيرانية.
وفي الوقت نفسه حذر مسؤولون عسكريون الجيش الإسرائيلي من أن حركة حماس أصبحت أقوى بكثير مما كانت عليه في عامَي 2002 و2008، عندما واجهت أول هجوم بري إسرائيلي.
علمًا أنه في عام 2008 واجهت كتائب القسام الجيش الإسرائيلي بأكثر من 16 ألف مقاتل إلى جانب 2000 من مقاتلي النخبة، في حين يبلغ عدد مقاتلي النخبة في حماس اليوم نحو 40 ألف مقاتل.
كيف بنت المقاومة الفلسطينية قدراتها العسكرية ؟
وتمتلك المقاومة ترسانة من الطائرات المسيّرة ونحو 30 ألف صاروخ، أطلقت منها 8500 صاروخ فقط منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر. وقد أدى ذلك إلى استنزاف منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، فاضطرت الولايات المتحدة إلى تقديم المساعدة.
وقال إميل حوكيم مدير الأمن الإقليمي في المعهد دالولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: “إن مقاتلي حماس قد تلقوا تدريبات على يد أفضل الخبراء”، في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
وأضاف قائلًا: “إن حماس تمتلك الخبرة المطلوبة في تدريب مقاتليها وإعدادهم بعد أن خاضت عدة مواجهات مع إسرائيل، إضافة إلى أن حماس تعرف تضاريس مناطقها جيدًا، وستدافع عنها ببراعة وشراسة”.
هذا وأظهر مقاتلو حماس قدرة كبيرة على تنفيذ عملية برية منسقة ومحكمة في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، شارك فيها ما لا يقل عن 1500 جندي هاجموا إسرائيل من البر والبحر والجو تحت وابل من 3000 صاروخ.
وحفر مقاتلو المقاومة الفلسطينية شبكة من الأنفاق العميقة المضادة للقنابل، وقد زُوِّدت هذه الأنفاق بالمؤونة الكافية لمواجهة الحصار الإسرائيلي المستمر.
وعلَّق القيادي في حماس علي بركة قائلًا: “كنا مستعدين لأي هجوم بري إسرائيلي حتى قبل أن نشن هجومنا، لدينا بعض المفاجآت للعدو، ونحن قادرون على خوض حرب المدن بسهولة أكبر من الحرب الجوية”.
ولعل الدروس العسكرية التي تعلَّمتها حماس من مقاتلي حزب الله وقياداته بدأت منذ عام 1992، عندما رحّلت القوات الإسرائيلية 400 فلسطيني -ويشمل ذلك قادة من حماس- إلى لبنان، وتركتهم على سفح أحد الجبال في منطقة عازلة.
وقد رأت إيران وحزب الله في ذلك فرصة لاستقطاب مقاتلي حماس، بعد أن عملت على تعزيز نفوذ حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وهي جماعة مقاومة أقل انتشارًا من حماس. وبحسَب مسؤولين إسرائيليين فإن حزب الله شارك خبرته التقنية في مجال الصواريخ والتدريب إلى جانب أساليب القتال مع حركة حماس.
واستقبلت بيروت منذ ذلك الحين العديد من قادة حماس، وبدأت حماس ببناء وجودها العسكري في لبنان منذ ذلك الوقت.
كما عملت حماس على تحسين جودة أسلحتها بشكل ملحوظ، ونجحت في تهريب الأدوات اللازمة لتحويل الصواريخ غير الدقيقة إلى أسلحة دقيقة وموجهة، ومنها الطائرات المسيّرة.
وقد صرحت حماس بأنها تعمل على تطوير صواريخ مضادة للطائرات من طراز “متبِّر 1” المحمولة على الكتف، والتي قالت: إنها قادرة على إسقاط المروحيات الإسرائيلية وتدميرها، إضافة إلى قذائف “الياسين” القادرة على اختراق دروع دبابات الميركافا.
ما أوجه الشبه بين المقاومة الفلسطينية والفيتنامية؟
وفي الوقت نفسه طورت حماس أسلوبًا قتاليًّا خاصًّا لمواجهة التفوق التقني والجوي لإسرائيل، وذلك عبر تحويل المعركة البرية إلى قتال شوارع في المناطق الحضرية.
وقال حوكيم: “إن أسلوب حماس مشابه لجماعة المقاومة الفيتنامية فيتكونغ أكثر من شبهه بأسلوب داعش”.
علمًا أن جماعة فيتكونغ الفيتنامية الشيوعية هزمت القوات الأمريكية في نهاية الحرب الفيتنامية، وهي الجماعة التي تشبهها إسرائيل بحماس.
وقد حولت حركة حماس غزة إلى حصن من المتاريس والفِخاخ بما يحاكي أسلوب المقاومة الفيتنامية، إذ جهزت شبكة من الأنفاق بطول 400 كيلومتر؛ لحماية المقاتلين من الغارات الإسرائيلية، وبما يمكّن المقاتلين من الالتفاف على الخطوط الأمامية للقوات المهاجمة.
ومع توغل القوات الإسرائيلية في عمق قطاع غزة، فمن المرجح أن تستخدم حماس أسلوب الكمائن والضربات الخاطفة والقنابل المموهة لتشتيت الجيش الإسرائيلي وجر قواته إلى حرب شوارع مُنهِكة.
وبهذا الشأن قال بلال صعب في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن: “إن عقيدة حماس القتالية تجمع بين عدة أساليب بحيث يتمكن مقاتلو الحركة من إلحاق أكبر ضرر ممكن بالقوات الإسرائيلية، عبر استخدام أساليب القتال التقليدية والهجينة”.
وأضاف: “إن حركة حماس تتبع أسلوبًا لا مركزيًّا في القتال، بحيث تعمل كل مجموعة بمفردها”.
المصدر : فاينانشيال تايمز
اقرأ أيضاً :
الرابط المختصر هنا ⬇