عبادة نغفل عنها في شهر رمضان!
ما إن يبدأ شهر رمضان المبارك حتى يُمسك المسلمون عن الطعام من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ويجتهدوا في قراءة القرآن ويتسابقوا لختمه. يقفون في صفوف متراصة في صلاة التراويح والقيام والتهجُّد، ويعززون أواصر المحبة حول مائدة الإفطار والسحور.
شهر رمضان فرصة قد لا تتكرر!
وفي خِضمّ الانشغال بالعبادات الشعائرية والتقاليد الاجتماعية، يغفل كثير من المسلمين في رمضان عن أمر عظيم ألا وهو العبادات القلبية والتعاملية التي هي من ثمار العبادات الشعائرية، والتي ينبغي لكل مسلم أن يستزيد منها، وإلا تحولت عباداته الشعائرية إلى مجرد طقوس جوفاء وعادات.
ومع أهمية الشعائر والعبادات وكون بعضها أركانًا لا يجوز الاستهانة بها، فالإسلام دين شامل لا يقتصر على العبادات الشعائرية فحسب، بل هو دين الرحمة والرأفة والتكافل وحسن الخلق. فجبر الخواطر عبادة، وإطعام عائلة عفيفة عبادة، وتضميد جراح غائرة في قلوب يائسة عبادة، حتى الفرحة بقدوم رمضان عبادة.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. |
صحيح أن العيد شعيرة يُستحَب عدم استحضار الأحزان فيها، ولكن مع نهاية شهر رمضان يعتري قلب المسلم الخوف من إسلام الروح إلى بارئها، وألا يُبلّغنا الله رمضان الذي يليه، فنخسر فرصة الرجوع إلى الغفور الرحيم؛ بعد أن أثقلتنا الذنوب وفتنتنا الدنيا، وأغرتنا المناصب والأموال والجاه وشغلتنا الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها.
أعلم أن آلاف الكتب والدراسات والمقالات زاخرة بالأحكام الفقهية والفوائد الصحية والعلمية لشهر رمضان المبارك، ولكن هناك عبادة أخلاقية سامية دائمًا أحتاج إليها ودائمًا أسعى إلى ممارستها، وكثيرًا ما أُسَرُّ عندما تتردد ألفاظها على مسامعي: “الله يجبر بخاطرك”!
جبر الخاطر.. أثر الصيام في النفوس
عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “من أصبح منكم اليوم صائمًا؟”، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: “فمن تبع منكم اليوم جنازة؟”، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: “فمن أطعم اليوم منكم مسكينًا؟”، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: “فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟”، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة” [صحيح مسلم].
بعد إنعام النظر في هذا الحديث الشريف وتدبره، يتبيَّن لنا أن الرسول عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم سأل عن عبادة شعائرية واحدة، في حين سأل عن ثلاث عبادات تقوم على جبر الخواطر، وهي: اتباع الجنائز وإطعام المساكين وعيادة المريض.
معظمنا تذوَّق مرارة الفراق وألم فقدان شخص عزيز أو قريب أو غريب أو حتى حيوان أليف. فما أجمل جبر الخواطر في هذه الظروف! وما أجمل التربيت على الأكتاف وكفكفة الدموع والمواساة بكلمة تزيح بعض الأسى عن النفوس!
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان”. |
وفي رمضان يخوض المؤمن معركة مع نفسه لتزكيتها والانتصار على شرورها بعد عام من ملاحقة الملذات له، لذلك يستلذ المؤمن بالإمساك عن الطعام؛ لكبح جماح نفسه التي اعتادت نيل ما تريد.
ولكن هناك عائلات عفيفة لا تسأل الناس إلحافًا، ولا حيلة لها إلا ربها، تخوض هذه المعركة في أيام السنة كافة. وهناك أطفال يشعرون بزفرات الجوع وآلامه وهم يجولون الطرقات بأجساد هزيلة؛ لعلَّهم يجدون من يشتري منهم علكة أو كيس مناديل لملء بطونهم الخاوية!
فيا أخي المسلم إن كنت ميسور الحال فحاول المشاركة في الحملات التي تستهدف مساعدة الفقراء والمحتاجين ومكافحة الجوع، في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وإنْ لم تكن كذلك فقدِّم ما تستطيع وما تجود به نفسك، قدِّم طبق طعام لجارك الفقير، أو وفِّر ثمن زجاجة عطر إضافية أو ربطة عنق وخصِّصه لإعداد سلّة غذائية تحتوي على متطلبات المعيشة في شهر رمضان لعائلة فقيرة.
وهنا يظهر أثر الصيام في أخلاقك، وتشعر بلذة النصر على نفسك وأهوائها وتطهيرها بالإنفاق والصدقات.
كم نحن بحاجة لأن نغوص في معاني رمضان الروحية العظيمة، وأن نحبه بأفعالنا كما نعشقه بقلوبنا! اللهم هيِّئ قلوبنا للقاء رمضان، ووفِّقنا لصيامه وقيامه، واجبُر فيه كسرنا واغفر لنا فيه ذنوبنا وتقصيرنا، وأصلح لنا فيه أمرنا وارحم فيه أمواتنا، وأعتِق فيه رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا من النار.
رمضان كريم… خلود العيط
اقرأ أيضًا:
فعاليات إفطار خلال شهر رمضان 2023 في بريطانيا
الرابط المختصر هنا ⬇