العرب في بريطانيا | صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في بريطانيا ...

1447 رجب 7 | 27 ديسمبر 2025

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في بريطانيا وهل تستحق الاستثمار؟

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟
صبا الشريف December 11, 2025

أبرز المشغل الوطني لنظام الطاقة في بريطانيا حجم الإنفاق المتوقع لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، ما أثار جدلاً واسعًا حول تكلفة التحول إلى الطاقة النظيفة مقارنة بالفوائد الاقتصادية والبيئية المحتملة.

تشير البيانات إلى أن مشاريع الطاقة النظيفة، واستبدال السيارات والمواقد التي تعمل بالوقود الأحفوري بمصادر منخفضة الانبعاثات، تتطلب مليارات باوندات. ورغم ذلك، يمكن أن تكون التكلفة أقل إذا اختارت بريطانيا مسارًا أقل طموحًا، مع الإشارة إلى أن أي تباطؤ في تنفيذ هذه الخطط سيؤخر بشكل كبير الفوائد المرتبطة بانخفاض تكاليف الطاقة.

المليارات المطلوبة لمسار بريطانيا نحو الحياد الكربوني

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟

في أول تحليل شامل من نوعه، قدّم المشغل الوطني لنظام الطاقة (Neso) تقديراته لتكلفة تحقيق عدة سيناريوهات تتماشى مع أجندة الحكومة الخضراء. وتشير البيانات إلى أن بريطانيا تخصص نحو 10% من ناتجها المحلي الإجمالي للاستثمارات المرتبطة بالحياد الكربوني، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة خلال السنوات المقبلة وتظل مرتفعة حتى ثلاثينيات القرن الحالي.

وفي السيناريو الأكثر طموحًا، تصل التكاليف إلى نحو 460 مليار باوند بحلول 2029، قبل أن تنخفض تدريجيًا لتبلغ حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050، أي نحو 220 مليار باوند سنويًا. أما سيناريو “التراجع”، الذي يعكس تباطؤ العمل المناخي وفشل البلاد في تحقيق أهدافها مع تجاهل تكلفة الأضرار المناخية، فيقدر بحوالي 350 مليار باوند.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحسابات لا تشمل “تكاليف الكربون”، أي الضرائب المفروضة على التلوث لتقليل انبعاث الغازات الدفيئة وتعويض الأضرار الاقتصادية للوقود الأحفوري. وعند إضافتها، يصبح السيناريو الأخضر الأكثر طموحًا أقل تكلفة على مدى 25 عامًا المقبلة، موفرًا نحو 36 مليار باوند سنويًا مقارنة بمسار أبطأ، رغم ارتفاع التكاليف على المدى القصير.

التحول الأخضر وفواتير الأسر : ما يجب معرفته

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟

ليست التكاليف الأعلى بالضرورة مرادفًا لفواتير طاقة أكبر للأسر. فقد أثار التقرير عناوين تشير إلى إمكانية توفير الأسر نحو 500 باوند سنويًا في حال تباطأت بريطانيا في تحقيق الحياد الكربوني، إلا أن هذه التقديرات تتجاهل تكاليف الكربون، فيما تمرير هذه التكاليف على المستهلكين يعد أكثر تعقيدًا.

تشمل الفاتورة الإجمالية استثمارات واسعة في مشاريع منخفضة الانبعاثات لا تظهر مباشرة في فواتير الطاقة، مثل استبدال السيارات القديمة بسيارات كهربائية، أو استبدال المواقد والمراجل القديمة بمضخات حرارية وأجهزة طهي كهربائية. كما يعتمد توزيع التكاليف على الحكومة، التي يمكنها جدولتها على فترة طويلة لتخفيف العبء عن الأسر والشركات. على سبيل المثال، قد يصل الاستثمار في محطة الطاقة النووية Sizewell C خلال العقد المقبل إلى 38 مليار باوند، إلا أن تكلفة ذلك للمستهلكين ستوزع على مدى 60 عامًا.

وتقول الحكومة إن تكاليف الطاقة المفروضة على فواتير الأسر، مثل تحديث الشبكات ودعم الكهرباء منخفضة الانبعاثات، ستساعد على تقليل الاختناقات المكلفة في الشبكات وتقليل الحاجة لشراء الغاز من الأسواق العالمية المتقلبة. ومع ذلك، فإن ارتفاع حجم الاستثمارات يزيد من احتمال دفع الأسر لمبالغ أكبر.

وحذرت المستشارة البريطانية الأولى للمناخ، إيما بينشبيك، من أن ضمان توزيع تكاليف إزالة الكربون بشكل عادل عبر المجتمع يجب أن يكون أولوية للوزراء، مشيرة إلى أن ذلك يعزز الدعم الشعبي لأهداف الحياد الكربوني ويمكّن الحكومة من تقديم “حجة قوية وواثقة” تجعل من إزالة الكربون محركًا للنمو الاقتصادي.

هل يؤدي تباطؤ بريطانيا نحو الحياد الكربوني إلى وفورات حقيقية؟

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟

يرى منتقدو أجندة الحكومة أن بريطانيا يمكن أن توفر نحو 14 مليار باوند سنويًا إذا تخلت عن الهدف القانوني للحياد الكربوني بحلول 2050، متخذة مسارًا أبطأ وفق سيناريو “التراجع” الذي عرضته Neso.

غير أن هذا النهج يتجاهل تكلفة تفاقم الأضرار المناخية. ويشير التقرير إلى أن إهمال تكاليف الكربون سيؤدي إلى تكاليف أعلى بعد عام 2050 بسبب ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري. كما أن بريطانيا ستفقد العديد من “الفوائد غير المالية للحياد الكربوني”، بما في ذلك تحسين الصحة العامة، وحماية البيئة الطبيعية، وتعزيز الرفاه الاجتماعي، إضافة إلى احتمال تأثير سلبي على التجارة مع الشركاء الاقتصاديين الذين يسرعون جهودهم لتقليل الانبعاثات.

وحذر التقرير من أن “تأجيل هذه التكلفة لا يعني تجنبها تمامًا”، مؤكّدًا أن أي تباطؤ في التحول نحو الحياد الكربوني قد يضاعف الأعباء الاقتصادية والبيئية على المدى الطويل.

هل تعكس توقعات Neso التكلفة الحقيقية للتحول الأخضر؟

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟

تعد Neso سلطة مملوكة للحكومة، وتشكل سيناريوهاتها الأساس الذي يعتمد عليه صانعو السياسات ورواد الأعمال في توقعاتهم، لكنها لا تعكس صورة دقيقة ونهائية لتكاليف التحول نحو الحياد الكربوني.

ومن غير المرجح أن يتطابق المسار الذي تتبعه الحكومة تمامًا مع أي سيناريو فردي، إذ تعتمد التكلفة النهائية على مجموعة من القرارات التنظيمية. وأوضحت Neso أن نماذجها “ليست محسّنة بالكامل لتقليل التكاليف”، ما يعني إمكانية تحقيق مزيد من التوفير، كما أن هذه النماذج مبنية على افتراضات مستقبلية تتعلق بأسعار الوقود وتكاليف التكنولوجيا منخفضة الكربون.

وأشار التقرير إلى أن “الكفاءة في تنفيذ أي مسار محدد قد تكون مهمة بقدر أهمية اختيار المسار نفسه”، مؤكّدًا أن جودة التنفيذ قد تؤثر بقدر كبير على النتائج النهائية للتكاليف والفوائد.

الحكومة توضح حدود التقديرات وتؤكد فوائد التحول الأخضر

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟

أكدت الحكومة أن التقرير لا يعكس بدقة تكلفة تحقيق الحياد الكربوني، مع الإقرار بالنتائج المتعلقة بالفوائد المصاحبة للتحول للطاقة النظيفة. وقالت المتحدثة الرسمية: “نرفض تمامًا فكرة أن هذه السيناريوهات التوضيحية تمثل التكلفة الفعلية للتحول للطاقة النظيفة، التي توفر فوائد كبيرة تشمل خفض الفواتير، وتعزيز أمن الطاقة، وتأمين وظائف جيدة الأجر ومهارات متقدمة”.

وأضافت: “توضح Neso أن التحول للطاقة النظيفة يحقق وفورات من خلال حماية الأجيال القادمة، ويقلل من التعرض لتقلبات أسواق الوقود الأحفوري التي ساهمت في نصف حالات الركود منذ سبعينيات القرن الماضي. كما تشير Neso إلى أن هذه السيناريوهات لا تعكس التكلفة الفعلية للحياد الكربوني، إذ أن المسار المتوقع يعتمد بشكل كبير على أسعار الوقود المستقبلية وتقدم القطاع الخاص في نشر تقنيات الحياد الكربوني”.

التحول للطاقة النظيفة : ضرورة عاجلة لبريطانيا

صفر انبعاثات: تكلفة الطاقة النظيفة في المملكة المتحدة وهل تستحق الاستثمار؟

يشدد خبراء عالميون على أهمية تعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة. وقالت ميل إيفانز، رئيسة قسم المناخ في منظمة غرينبيس بريطانيا: “يوضح التقرير التأثيرات الإيجابية لبريطانيا نتيجة التزامها بالتحول نحو الطاقة النظيفة”.

وأضافت: “يساعد هذا في القضاء على الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، ويضع بريطانيا في موقع الريادة عالميًا في العمل المناخي، كما يساهم في خفض تكاليف الطاقة إلى النصف”.

وأشارت إيفانز إلى أن التقرير لم يحسب “التكاليف الضخمة لعدم التحول للطاقة النظيفة، إذ بلغت الأضرار الناتجة عن الأزمة المناخية نحو 13 مليون باوند في الساعة خلال العشرين عامًا الماضية، ما يجعل الحجة الاقتصادية للاستثمار في الحياد الكربوني قوية بنفس قدر الحجة البيئية”.

التحول إلى الطاقة النظيفة يمثل استثمارًا طويل الأمد في استقرار الطاقة، وتحسين الصحة العامة، وتعزيز رفاه المجتمع. أي تأجيل لتحقيق أهداف الحياد الكربوني قد يؤدي إلى تكاليف أكبر في المستقبل، بالإضافة إلى فقدان فرص بريطانيا في ريادة مجال الطاقة النظيفة عالميًا. الطريق الأمثل يبدو في المضي قدمًا بالتحول الأخضر مع توزيع التكاليف بشكل متوازن بين جميع الفئات، لضمان تحقيق فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية مستدامة.

المصدر : الجارديان


إقرأ أيضًا :

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة