صحيفة بريطانية تشيد بممرضة فلسطينية “تنير مستشفى تيسايد بابتسامتها”

وسط صخب الطوارئ اليومية في مستشفى “جيمس كوك الجامعي” بمقاطعة تيسايد، تبرز الممرضة الفلسطينية الشابة آية ياسين بابتسامة لا تفارق مُحيّاها، وحضور يفيض بالعطاء والتفاني. هذه الابتسامة، كما وصفتها الصحفية البريطانية بيتر بارون، “تُنير ممرات المستشفى وتُلهم من حولها”.
في تقرير نُشر بالتزامن مع أسبوع اليوم العالمي للتمريض، سلّطت الصحفية الضوء على قصة آية، اللاجئة الفلسطينية التي انتقلت من لبنان إلى بريطانيا قبل نحو عامين، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، حيث تعمل في قسم الحوادث والطوارئ في واحد من أكثر مستشفيات الشمال الإنجليزي ازدحامًا.
من اللجوء إلى النجاح في مستشفى بريطاني
آية، البالغة من العمر 24 عامًا، وُلدت في لبنان لأسرة فلسطينية لاجئة. درست التمريض وعملت في عدة أقسام طبية، منها رعاية مرضى كورونا، كما كانت مُقدّمة رعاية صحية خاصة. لكن مع غياب آفاق التقدم المهني في بلدها، تقدمت من خلال مؤسسة (Talents Beyond Boundaries) التي تربط اللاجئين بفرص عمل دولية، حتى أُتيحت لها فرصة الانتقال إلى بريطانيا.
تقول آية، متذكرة يوم وصولها في الـ29 من يونيو 2023: “هذا التاريخ لا يُنسى. لحظة الوصول كانت بمنزلة ولادة جديدة وفرصة لتحقيق حلم طال انتظاره”.
بدأت عملها مساعدة صحية، ثم اجتازت اختبارات التأهيل الثلاثة المطلوبة -من بينها اختبار اللغة الإنجليزية الطبية- وهي الآن على وشك الحصول على اعتراف رسمي بوصفها ممرضة مُسجّلة في المملكة المتحدة.
بيئة عمل تحتضن وتُشجّع
ورغم القلق الأولي من احتمال التعرض للتمييز، أكدت آية أنها وجدت في مدينة ميدلسبره دعمًا يفوق التوقعات، سواء من المجتمع المحلي أو زملائها في مستشفى “جيمس كوك”.
تقول آية: “منذ اليوم الأول، أشعر أنني في بيتي الثاني. زملائي عاملوني بمحبة واحترام، حتى إن بعض المرضى يحيونني بتحية ‘السلام عليكم’، وهذا يُشعرني بسعادة غامرة”.
وقد نالت احترامًا خاصًّا من فريق العمل خلال شهر رمضان، إذ استجابت إدارة المستشفى لاحتياجاتها، وسمحت لها بأداء الصلاة وأداء نوبات ليلية. كما احتفلت مع زملائها بعيد الفطر، مُقدّمة الحلويات وزينة العيد، في أجواء امتزجت فيها الثقافات والقلوب.
ومع تصاعد الحاجة للممرضين في بريطانيا، يُعَدّ انضمام كفاءات مثل آية إلى (NHS) مكسبًا ثمينًا. فوفقًا للإحصاءات، أكثر من 27 في المئة من طواقم التمريض في بريطانيا هم من خلفيات دولية.
يقول جومر بيرون، المشرف على تدريب الممرضين الدوليين في المؤسسة الصحية: “التعدد الثقافي هو قلب (NHS) النابض. وآية تُجسّد هذا القلب النابض. بإصرارها وإنسانيتها، تُثبت أن التمريض الدولي ليس مجرد وظيفة، بل رسالة تُعزّز جودة الرعاية الصحية وتُثري المجتمع”.
بين قلق الحرب وسكينة الطبيعة
ورغم نجاحها المهني في بريطانيا، تبقى آية أسيرة القلق على عائلتها، التي اضطرت قبل عام إلى الانتقال لمخيم لاجئين شمال لبنان هربًا من القصف. تقول: “أبدأ يومي كل صباح بتفقّد الأخبار. عائلتي قد تكون في خطر في أي لحظة، لكن زملائي هنا لم يتركوني وحدي، وقدّموا لي دعمًا إنسانيًّا حقيقيًّا”.
بعيدًا عن الطوارئ والقلق، تجد آية راحتها في التنزه بحديقة “ألبرت”، وتتعلّم السباحة، وتُخطّط لتعلّم ركوب الدراجة. ومع ذلك، تقول: إن سعادتها الحقيقية تجدها في قسم الطوارئ، بين زملائها ومرضاها.
“الأيام ليست سهلة دائمًا، لكنني اخترت أن أعيش بشكر وامتنان. لا أشكو، بل أستقبل كل يوم بروح إيجابية وأمل جديد”.
وتتطلع آية إلى بناء مسار مهني طويل داخل (NHS)، ربما في تخصّص التمريض المُتقدّم أو الإدارة الصحية. وتختم حديثها بتأكيد امتنانها للنظام الصحي البريطاني: “في لبنان، إذا لم تملك المال، لا تدخل المستشفى. أما هنا، فالرعاية الصحية مجانية، وهذا ما يجعل (NHS) نظامًا يستحق كل التقدير والدعم”.
قصة آية ليست فقط قصة نجاح شابة طموحة، بل هي شهادة حيّة على أن اللجوء لا يعني العجز، بل يمكن أن يحمل معه نورًا يضيء حياة الآخرين، وابتسامة تُلهم مجتمعًا بأسره!
المصدر: The Northern Echo
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇