العرب في بريطانيا | سقوط نحو القاع.. بي بي سي في مواجهة تقرير يُدين...

1446 ذو الحجة 21 | 18 يونيو 2025

سقوط نحو القاع.. بي بي سي في مواجهة تقرير يُدين تغطيتها للحرب على غزة

WhatsApp Image 2025-06-17 at 11.49.35 PM
صلاح عبدالله June 18, 2025

تحوّلت جلسة نقاشية عُقدت يوم الثلاثاء الـ17 من يونيو 2025 في إحدى قاعات البرلمان البريطاني إلى ما يشبه المحاكمة الإعلامية العلنية لأداء هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، بعد أن وُضع مدير تحرير الأخبار في الشبكة، ريتشارد بورجس، في قلب دائرة النقد والمساءلة، على خلفية التقرير الجديد الصادر عن “مركز رصد التغطية الإعلامية” التابع للمجلس الإسلامي البريطاني.

الجلسة، التي حملت طابعًا تحليليًّا في ظاهرها، كانت مخصصة لمناقشة نتائج تقرير رصدي شامل أعده المركز بشأن تغطية البي بي سي لحرب إسرائيل على غزة بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024. إلا أن مجريات النقاش سرعان ما اتخذت منحى تصادميًّا، حيث لم ينجُ ممثل البي بي سي من الانتقادات اللاذعة التي وُجهت له من معظم المشاركين، سواء من الصحفيين أو البرلمانيين أو الشخصيات الدبلوماسية.

ريتشارد بورجس، الذي شغل موقع الدفاع منذ اللحظة الأولى، حاول أن يستعرض التزام مؤسسته بمعايير “الموضوعية والتوازن”، مؤكدًا أن البي بي سي “تواجه صعوبات معقدة في تغطية صراع شديد الحساسية”، وأنها تسعى دومًا لتقديم تغطية عادلة وموثوقة من خلال مصادر متعددة. لكن هذا الدفاع لم يقنع الحضور، بل أثار موجة من الردود الغاضبة.

الصحفية كاريشما باتيل كانت من أوائل من تصدوا لبورجس. تحدثت بنبرة شخصية وشجاعة، مشيرة إلى أنها شهدت بنفسها، من داخل غرف الأخبار، كيف يُدار التحيّز بطريقة ممنهجة، ولا سيما بعد هجمات السابع من أكتوبر. قالت: “رأيتُ كيف تُقصى الرواية الفلسطينية من القصص. يُطلب منا حذف كلمات مثل ‘احتلال’ و’حصار’، بينما نُشجع على استخدام مصطلحات مثل ‘هجوم’ و’إرهاب’ عندما يتعلق الأمر بحماس، وكأننا موظفون في قسم العلاقات العامة لدولة الاحتلال”.

من جانبه قدّم النائب البرلماني آندي ماكدونالد مداخلة قوية طالب فيها إدارة البي بي سي بمراجعة جادة لسياساتها التحريرية. وقال: “عندما تطغى رواية طرف على حساب الآخر بهذه الطريقة الفجّة، فنحن لا نتحدث عن تغطية إعلامية متحيزة فقط، بل عن تواطؤ في تزييف الحقيقة وتشويه الضحايا”. واعتبر أن البيانات التي وردت في التقرير “صادمة ومقلقة، وتضرب في صميم ما يُفترض أن تكون عليه الصحافة الحرة من إنصاف وتوازن”.

أما الصحفي والمعلق السياسي المخضرم بيتر أوبورن، فذهب أبعد من ذلك في نقده، قائلًا: إن ما كشفه التقرير ليس جديدًا، بل هو “مجرد توثيق لما لاحظه المراقبون المستقلون منذ سنوات”. وأضاف: “البي بي سي تعاني من انحياز مؤسسي تجاه إسرائيل، وهذه ليست مبالغة. إنها مؤسسة تنقل الرواية الإسرائيلية كما لو كانت الحقيقة المطلقة، في حين تُعامل الرواية الفلسطينية بريبة وجفاء”.

في المقابل، بدا ريتشارد بورجس في موقف محرج، ولا سيما مع تزايد المداخلات التي تسلط الضوء على الفجوات الكبيرة في تغطية البي بي سي. وبينما كان يحاول تبرير التفاوت في اختيار الضيوف والمصطلحات، قاطعه الحضور أكثر من مرة، متهمين إياه بـ”التمويه والتبرير” بدلًا من الاعتراف بأخطاء المؤسسة.

السفير الفلسطيني في بريطانيا، حسام زملط، وصف التغطية الإعلامية البريطانية بأنها “تحرم الفلسطينيين من إنسانيتهم”. قال: “نُعامل وكأننا مجرد أرقام. الإعلام، وخصوصًا البي بي سي، لم يخصص دقيقة واحدة لفهم حياة الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم، أو الأطباء الذين استُهدفوا وهم يؤدون عملهم”.

بدوره أشار كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، إلى أن دور الإعلام يجب أن يكون “البحث عن الحقيقة”، لا إعادة تدوير بيانات الجيوش. وقال: “ما نراه هو انحياز بنيوي، لا مجرد أخطاء فردية”.

وخلال الجلسة قدّمت رضوانة حميد، مديرة مركز رصد التغطية الإعلامية، ملخصًا للتقرير الذي بُني على تحليل دقيق لأكثر من 35 ألف مادة إعلامية نشرتها أو بثتها البي بي سي بين الـ7 من أكتوبر 2023 والـ6 من أكتوبر 2024. ومن أبرز ما توصل إليه التقرير:

أن ضحايا إسرائيل نالوا تغطية إعلامية تفوق تغطية الضحايا الفلسطينيين بـ33 ضعفًا.

وأن البي بي سي استخدمت مصطلحات عاطفية تجاه الإسرائيليين أربع مرات أكثر من الفلسطينيين، واستعملت كلمة “مجزرة” 18 مرة أكثر لوصف القتلى الإسرائيليين.

وأشار التقرير إلى أن التغطية أشارت إلى هجمات حماس في 40 في المئة من المقالات، لكنها لم تذكر سوى 0.5 في المئة فقط من المواد المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي.

وذكر أيضا أن 38 ضيفًا طُلب منهم إدانة أحداث الـ7 من أكتوبر، دون أي سؤال مماثل عن الانتهاكات الإسرائيلية.

وتناول التقرير استضافة بي بي سي 2,350 إسرائيليًّا على شاشاتها مقارنة بـ1,085 فلسطينيًّا فقط، بينما رُددت الرواية الإسرائيلية 2,340 مرة مقابل 217 مرة للرواية الفلسطينية.

التقرير أشار أيضًا إلى فضيحة داخلية تتعلق بتأجيل بث فيلم وثائقي بعنوان “غزة: أطباء تحت النار”، رغم إتمامه وموافقة القسم القانوني عليه، ما يعكس -بحسَب التقرير- وجود رقابة ذاتية غير مبررة داخل المؤسسة.

في ضوء ما كُشف، بدا واضحًا أن البي بي سي تواجه أزمة ثقة متزايدة، ليس في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية فقط، بل حتى بين سياسيين وصحفيين بريطانيين يخشون من أن تفقد هيئة الإذاعة البريطانية دورها كمؤسسة وطنية تمثل جميع البريطانيين.


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
10:25 am, Jun 18, 2025
temperature icon 23°C
broken clouds
62 %
1025 mb
6 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 51%
Visibility 10 km
Sunrise 4:42 am
Sunset 9:20 pm