ديفيد هيرست يتحدث عن غزة بعد 100 يوم من العدوان
تصادف نهاية الأسبوع الجاري مرور مئة 100، منذ أن شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة المحاصر، حيث أفادت التقارير الواردة أن الجيش الإسرائيلي سينتقل إلى مرحلة جديدة، تعتمد على تقليل عدد القوات والتخفيف من حدة القصف، مع تركيز الغارات على أهداف معينة فقط، بحسب ما ورد في مقال الصحفي البريطاني ديفيد هيرست ورئيس تحرير موقع (Middle East Eye).
وأشار ديفيد هيرتس إلى أن ما يدعيه الجيش الإسرائيلي من السيطرة على أحياء شمال غزة، ليس إلا محاولة لتبرير سحب قواته والادعاء أن قرار سحب القوات صدر عن دولة ذات سيادة، وليس نتيجة الضغوط الأمريكية المستمرة.
يأتي ذلك بعد إعلان الجيش الإسرائيلي إصابة ما لا يقل عن 103 جنود خلال ال 24 ساعة الماضية، ليعلن بعدها بيوم عن مقتل تسعة جنود.
وخلال الفترة نفسها، أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد 126 من سكان قطاع غزة نتيجة الغارات الإسرائيلية، واستشهاد 147 آخرين خلال ال 24 ساعة الأخيرة.
ووفقًا لهيرست فإن الخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي وأعداد الشهداء من المدنيين في غزة تتعارض مع ادعاءات الجيش الإسرائيلي التخفيف من حدة الحرب.
ديفيد هيرست: هل نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها ؟
ويؤكد ديفيد هيرست أن التفسير الوحيد لارتفاع أعداد الخسائر البشرية بعد مئة يوم من الحرب، هو أن الحرب ما زالت تدور بالزخم نفسه والشراسة التي كانت عليها في اليوم الأول، مشيرًا إلى أن حماس لم تلوح بالعلم الأبيض.
ورغم إعلان إسرائيل السيطرة على أحياء شمال غزة حيث سارع وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت إلى تعديل المعلومة ليدعي أن جيشه فرض السيطرة على الأحياء الواقعة فوق الأرض فقط.
ويتساءل ديفيد هيرست: ما الذي حققته إسرائيل بعد الزج بكامل قوتها الجوية والبرية في قطاع غزة، بغض النظر عن الخسائر المدنية، واستهداف الأحياء السكنية؟
وللإجابة عن ذلك يذكر هيرست أهداف الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة وهي: القضاء على حركة حماس، بغض النظر عن الرهائن، وإحداث تغيير ديموغرافي عبر التهجير القسري لأكبر عدد ممكن من سكان قطاع غزة، ووأد أي مقاومة مسلحة قد تنشأ في غزة، بعد الهجوم المنظم للمقاومة الفلسطينية حماس على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وبالنظر إلى كل الأهداف التي حددتها إسرائيل فإنها لم تحقق أيًّا منها بعد، خاصةً بعد تصريحات غالانت الذي حذر من استمرار الحرب لفترة أطول في المستقبل، بعد أن نجحت القوات الإسرائيلية في تحرير رهينة واحدة فقط وهي أوري مجيديش التي زعمت أن القوات الإسرائيلية تمكنت من الوصول إليها، رغم قول بعض المصادر أن حركة حماس هي التي أطلقت سراح الرهينة.
لكن السؤال الأهم من ذلك:” ماذا عن تفكيك شبكة الأنفاق التي تشكل العمود الفقري لحركة حماس، المحظورة في العديد من الدول؟
يمتلك الجيش الإسرائيلي التكنولوجيا العسكرية الأكثر تقدمًا في العالم من حيث القدرة على رسم الخرائط وكشف الأنفاق وتدميرها، ومع ذلك فإن المهمة لم تكن بالسهولة التي توقعها، حيث وقعت قواته الخاصة في عدد من الفخاخ المتفجرة.
وفي هذا الصدد كتبت دافني ريتشموند باراك الأستاذة المساعدة في جامعة ريشمان الإسرائيلي:” لقد اكتشفت الوحدات المقاتلة جيلًا جديدًا من أنفاق حماس، التي عمدت إلى تدعيم الهياكل البدائية للأنفاق المحفورة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بالاعتماد على ألواح خشبية، لكن شبكات الأنفاق الحالية تبدو أكثر تماسكًا وعمقًا، وتشبه شبكة الأنفاق المستخدمة في كوريا الشمالية، وقد حفرت حماس هذه الأنفاق بالاعتماد على تقنيات حفر متقدمة، لاستغلال نقاط القوة التي توفرها هذه الأنفاق”.
وأضافت:” إن الجهد الذي بذلته حماس في حفر الأنفاق أتى بثماره، إذا لم يسبق في تاريخ حرب الأنفاق أن يصمد المقاتلون المدافعون، مدة أشهر في هذه الأماكن الضيقة، كما أن طرق الحفر المبتكرة وأساليب الوصول إلى الأنفاق تحت الأرض تعتبر غير مسبوقة”.
لكن ديفيد هيرست أكد أن ريتشموند وعلى الرغم من إشادتها بجهود حماس لم تشر إلى العمل الأكثر نجاحًا في الحرب، وهو طول الأنفاق الممتدة لمئات الكيلومترات، والتي تفسر ربما قدرة حماس على قصف تل أبيب بوابل جديد من الصواريخ في الساعات الأولى من بداية العام الجديد.
ويؤكد هيرست أن الأنفاق مكنت حماس من الاحتفاظ بقدراتها القتالية وإلحاق الخسائر بالدبابات والجنود الإسرائيليين رغم مرور مئة يوم على أعنف حملة قصف شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
أما فيما يتعلق بالكشف عن أعداد المصابين فقد أشار هيرست إلى أن السلطات الإسرائيلية تتعامل بحساسية وتحفظ تجاه الخسائر التي تتكبدها القوات.
وقال ديفيد هيرست إن الجيش الإسرائيلي أنشأ صفحة خاصة على الإنترنت ونشر فيها أعداد الجنود القتلى خلال الهجوم البري والذي وصل إلى 186 جنديًا، ووفقًا للموقع نفسه فإن عدد المصابين وصل إلى 2500.
لكن الصورة الحقيقية للخسائر أسوأ من ذلك بكثير وفقًا لهيرست، فبحسب صحيفة يديعون أحرونوت، وصل عدد المعاقين في الجيش الإسرائيلي إلى 12500 جندي بسبب إصاباتهم في غزة، وفي رواية أخرى لإحدى الشركات المستأجرة من وزارة الدفاع الإسرائيلية فإن العدد قد يصل إلى 20 ألف حالة إعاقة فيما يخضع 60 ألف جندي إسرائيلي لجلسات إعادة التأهيل.
إسرائيل وسياسة التهجير من غزة
يرى ديفيد هيرست أنه بغض النظر عن القرار الذي ستتخذه محكمة العدل الدولية في لاهاي بعد الدعوة التي رفعتها جنوب إفريقيا بشأن مسؤولية إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية في غزة، لكن المؤكد هو أن إسرائيل هي من تسبب بالكارثة الإنسانية في غزة، وعن سابق إصرار.
إذ خلص تقرير أعدته الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر إلى أن80 في المئة من حالات نقص التغذية الحاد في العالم موجودة في قطاع غزة، وقد أعد التقرير بناءً على أدلة مقدمة من طريق 17 وكالة إغاثية مختلفة.
لكن المشكلة تكمن في أن غزة أصبحت موطنًا للأوبئة التي ليس من السهل القضاء عليها حتى لو توقفت الحرب غدًا، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أن كل 4500 شخص في غزة يستخدم حمامًا واحدًا، بينما يستخدم كل 220 شخصًا مرحاضًا واحدًا، ويضيف هيرست:” إذ أخذنا هذه العوامل في الحسبان فإن استمرار الوضع على ما هو عليه لمدة عام آخر سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات لتتجاوز أعداد الضحايا الذي سقطوا بالقصف الإسرائيلي”.
ويقول ديفيد هيرست أن سياسة التهجير الإسرائيلية تتجلى واضحة في تصريحات جيور آيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والذي قال: إن قطع الكهرباء والمياه والوقود عن غزة ليس كافيًا”.
وذكرت تصريحات هيرست كدليل على نية إسرائيل ارتكاب حرب إبادة جماعية عن سابق إصرار، خلال الدعوة التي رفعتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية.
لكن آيلاند صرح أيضًا:” لكي يصبح الحصار فعالًا يجب منع دخول أي مساعدات لغزة، بحيث يقف الناس أمام خيارين إما المغادرة أو البقاء والتضور جوعًا”.
ورغم نجاح إسرائيل في إحداث كارثة إنسانية في غزة إلا أنها فشلت كما يرى هيرست في تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة، وهو ما يطمح إليه الجناح الصهيوني المتطرف.
ويعترف ديفيد هيرست بمغادرة بعض الرعايا الأجانب قطاع غزة، إلى جانب المصابين بأمراض خطيرة، ولكن بشكل عام، لم تشهد مدينة رفح الحدودية أي محاولة جماعية لاقتحام الحدود مع مصر، ولا يوجد حتى الآن أي بادرة على اندلاع ثورة شعبية ضد حماس.
ويستشهد هيرست بتصريحات الفلسطينية هناء أبو شرخ التي تقيم في خيمة بجوار منازلها المدمر حيث قالت الأخيرة:” عند قيامي بالأعمال المنزلية مثل الاغتسال وإعداد الطعام وجمع الحطب، أتذكر ما مر به أسلافنا بعد طردهم من أرضهم وتشريدهم، كنت أستغرب فكرة إقامتهم في الخيام، لكنني أعيش اليوم في خيمة، بالطبع ليس من السهل أن تهجر من أرضك ووطنك، خاصة أننا نشأنا هنا وهذا متجذر في ذاكرتنا”.
“أفكر باستمرار: متى سأعود لمنزلي؟” وتضيف: “سأحتفظ بهذه الخيمة بجوار منزلي إلى أن يأتي الوقت المناسب لإعادة بناء المنزل…لن نغادر منازلنا ولن نسمح بتنفيذ ما يسمى بخطة إسرائيل الكبرى، إذا كان على أحدهم أن يغادر هذه الأرض فهم الإسرائيليون وليس نحن”.
وخاطبت أبو شرخ إسرائيل قائلةً:” لقد نجحتم في تهجيرنا عام 1948، وعام 1967 لكنكم لن تنجحوا في عام 2023، وسنبقى صامدين في أرضنا”.
يؤكد ديفيد هيرست أن صوت “أبو شرخ” يصف إصرار الفلسطينيين على البقاء في غزة رغم الجحيم الذي خلقته إسرائيل هناك.
هل تعيد إسرائيل رسم خارطة الشرق الأوسط؟
قد يبدو إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط هدفًا بعيد المنال بالنسبة لمجلس الحرب في إسرائيل، لكن مع استمرار الحرب في غزة فإن مجلس الحرب الإسرائيلي يواصل تمسكه بهذا الهدف، خاصة بعد ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بداية الحرب، والذي أكد بصريح العبارة أن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط، وقد تكررت مثل هذه التصريحات على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت.
وكان غالانت قد صرح لصحيفة وول ستريت جورنال أن إسرائيل لم تعد تقاتل عدوًا واحدًا بل تقاتل محورًا كاملًا،”، وأشار غالانت إلى أن إيران تعزز قوتها في الشرق الأوسط من أجل استخدامها ضد إسرائيل”.
ويرى هيرست أن تصريحات غالانت دفعت المحللين للتفكير بأن اندلاع الحرب الإسرائيلي اللبنانية على الحدود الشمالية ليس سوى مسألة وقت، حيث ستحاول إسرائيل دفع ألوية النخبة في حزب الله إلى شمال نهر الليطاني.
وبحسب هيرست فإن موعد اندلاع الحرب مع إيران لن يتأخر كثيرًا في حال أقدم الإسرائيليون على فتح الجبهة مع لبنان، لكن الخطاب الإسرائيلي كما يقول هيرست يخفي وراءه حالة التخبط والتشكيك بقدرة الجيش الإسرائيلي على أن ينجز في لبنان ما لم يستطع إنجازه في غزة.
وبينما كان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن يتوجه إلى إسرائيل لمنع خطر الحرب مع لبنان، نفذت إسرائيل عمليتي اغتيال ضمن المناطق التي ينتشر فيها حزب الله في لبنان.
واستهدفت صالح العاروري الرجل الثاني في قيادة حماس ضمن مكتبه في الضاحية الجنوبية المكتظة بالسكان، رغم أن الرجل لم يكن على دراية بموعد هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وبعد أيام من استهداف العاروري في قلب الضاحية الجنوبية حاضنة حزب الله في جنوب لبنان، اغتالت إسرائيل أحد قياديي وحدات الرضوان في حزب الله، في رسالة واضحة تعبر عن استعداد إسرائيل لضرب حزب الله في عقر داره.
المصدر: Middle East Eye
اقرأ أيضاً :
الرابط المختصر هنا ⬇