العرب في بريطانيا | ديفيد هيرست: لماذا يستميت الغرب حتى يرى أردوغان...

1446 جمادى الأولى 6 | 08 نوفمبر 2024

ديفيد هيرست: لماذا يستميت الغرب حتى يرى أردوغان خاسراً؟

الانتخابات الرئاسية التركية
ديفيد هيرست May 14, 2023

لم تدخر صحيفة الإيكونوميست جهدًا في انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تزعم الصحيفة البريطانية أن مستقبل الديمقراطية في تركيا يتوقف على نتائج الانتخابات الرئاسية الحالية.

وقالت الإيكونوميست:” في زمن يصبح فيه الحكم حكرًا على القادة، فإن الانتقال السلمي للسلطة في تركيا وخروج أردوغان من المعادلة السياسية، سيثبت لأنصار الديمقراطية في كل العالم أن السلطة لا تكمن فقط في قبضة القادة”.

لكن الصحيفة أغفلت أن تركيا في ظل النظام الرئاسي الذي أرساه أردوغان ما زالت توفر المساحة المطلوبة لإقامة انتخابات حرة ونزيهة، على عكس القاعدة السائدة لدى الأنظمة المستبدة.

وإلى جانب كون هذه الانتخابات حرة، فهي أيضًا ذات طابع شعبوي حيث يسعى كل طرف جاهدًا لاستقطاب مؤيديه، وعلى الرغم من أن التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية غير متكافئة، إلا أن الانتخابات تحتكم لمعايير صارمة ونزيهة.

وربما واجه النظام الانتخابي في تركيا بعض إشارات الاستفهام بعد إلغاء نتيجة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول التي فاز بها أكرم إمام أوغلو عام 2019، متفوقًا على نظيره في حزب العدالة والتنمية بفارق ضئيل، لتعاد الانتخابات ويحسمها إمام أوغلو بفارق أكبر هذه المرة، لكن ذلك لم يمس بمعايير النظام الانتخابي في تركيا.

هذا وسيشرف ممثلو الأحزاب على آلية فرز الأصوات في مراكز الاقتراع، بالإضافة إلى نقل الصناديق الاقتراع، وحساب الحصيلة النهائية للأصوات.

هكذا إذًا يخوض أردوغان الذي وصفته الإيكونوميست “بالديكتاتور” انتخاباته السابعة، منذ أن أصبح رئيسًا لبلدية اسطنبول عام 1994.

رموز الاستبداد الحقيقي

لقد خصصت صحيفة الإيكونوميست ستة أعداد لمهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن لماذا لم تفرد الإيكونوميست العدد نفسه من الصفحات لمهاجمة رموز الاستبداد الحقيقي في المنطقة؟

ألم تسمع صحيفة الإيكونوميست بقائمة الإرهاب التي أعدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقد أضاف إليها 81 اسمًا جديدًا لصحفيين وناشطين في حقوق الإنسان ليصبح عدد المدرجين في القائمة 6300 اسم، من بينهم 32 صحفيًا في قناة الجزيرة، وصحفيون من مؤسسات إعلامية مثل الشرق ومكملين والوطن وشبكة رصد وغيرها من المواقع الأخرى التي تنتقد الحكومة.

ولماذا تصمت الأصوات المتشدقة بقيم الديمقراطية الغربية عما يجري في مصر التي يقبع في سجونها 60 ألف سجين سياسي.

وليس بعيدًا عن مصر، يجبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان معارضيه على التخلي عن أملاكهم، بعد تورطه في قتل الصحفي جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله، في الوقت الذي تتحدثه فيه الإيكونوميست عن إصلاحات محمد بن سلمان في السعودية وتطوريه للنظم الاجتماعية فيها.

بكل الأحوال فإن صحيفة الإيكونوميست هي واحدة فقط من المنابر الإعلامية الغربية التي تفتقر إلى العقلانية في تعاطيها مع الملف التركي.

حيث نشرت صحيفة دير شبيجل الألمانية رسمًا كاريكاتوريًا لأردوغان يظهر فيه جالسًا على عرش متصدع، ومن خلفه يظهر رمز الهلال المتداعي.

وعلقت ديرشبيجل:” بعد مضي مئة عام على تأسيس الجمهورية التركية، يخشى مراقبون من أن فوز أردوغان بمنصب الرئاسة للمرة الثانية سيحول البلاد إلى ديكتاتورية، وقد يلغي الانتخابات، ليشرع حكمه مدى الحياة”.

هل لنا إذًا أن نتخيل الضجة التي كانت دير شبيجل ستحدثها لو أنها وضعت رسمًا لبنيامين نتيناهو وهو جالس على العرش المتصدع بدلًا من أردوغان.

أما صحيفة لو بوينت فقد قارنت بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأشارت إلى أن كلا الرجلين ينتابهما وهم استعادة الإمبراطورية البائدة، وفي سبيل ذلك فقد وظفا الدين، وشنا الحروب.

واستشهدت لو بوينت بغزو تركيا لشمال قبرص عام 1974 ، عندما كان مصطفى بولنت إجفيت رئيسًا للبلاد ولم تغفل الصحيفة توغل القوات التركية في سوريا وكذلك ليبيا.

لكن يبدو أن ديرشبيجل تناست الوجود الأمريكي والروسي والإيراني في سوريا، إلى جانب المحاولات الغربية الفاشلة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وتجاهلت الصحيفة دور تركيا في التخلص من زعيم تنظيم داعش الذي ما زالت التحالف الغربي يستهدف فلوله في الشرق الأوسط.

أما في ليبيا فلم تتدخل الطائرات التركية من دون طيار إلا لمنع الهجمات على طرابلس من قبل قوات حفتر المدعومة من جماعة فاغنر الروسية بالإضافة إلى الإمارات ومصر.

سقوط المنطق الأوروبي

بريطانيا تدرس تكوين علاقات مع الاتحاد الأوروبي على النمط السويسري
ما سبب تحيز الخطاب الأوروبي ضد حزب العدالة والتنمية؟ 

يمكن القول إذا أن الإعلام الغربي أغفل تمامًا العديد من الحقائق في تغطيته للملف التركي، لكن المشكلة الحقيقة هي أن الخطاب الأوروبي أصبح يفتقر لأدنى درجات العقل.

إذا ما زال الإعلام الغربي يصف أردوغان بالسياسي “الإسلامي”، رغم أنه دعا الرئيس المصري السابق محمد مرسي إلى اعتماد النهج العلماني في أولى زيارته لتهنئة مرسي بالفوز بالانتخابات المصرية آنذاك.

وإلى جانب وصفه بالمستبد، يتهم الإعلام الغربي أردوغان بتهديد قيم الديمقراطية في أوروبا لأنه مسلم بالدرجة الأولى.

هذا لا يعني بطبيعة الحال أن أردوغان لا يواجه تحديًا كبيرًا في الانتخابات الحالية ، وهي أصعب انتخابات يواجهها أردوغان منذ عشرين عامًـا، حيث تظهر معظم استطلاعات الرأي أن المرَشَحَين الرئاسيين سيحصلان على عدد متقارب من الأصوات.

ومن المتوقع أن يخسر أردوغان الجولة الأولى من الانتخابات اليوم الأحد، فإذا سيطرت أحزاب المعارضة على معظم مقاعد البرلمان فإن النتيجة النهائية للانتخابات ستحسمها أصوات الناخبين من جميع الأحزاب.

وإذا خسر أردوغان الانتخابات، فإن ذلك سيعود لعدة أسباب من بينها التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الاقتصاد، وليس بسبب “الاستبداد” كما يزعم البعض.

وقد سبق وصوت الأتراك لصالح أردوغان في انتخابات عام 2018، لأنهم فضلوا الاستقرار على التغيير، لكن الأمر تغير اليوم حيث يرغب العديد من الأتراك بتغيير السياسات الاقتصادية.

كما أن العديد من ناخبي حزب العدالة والتنمية يرغبون في اختيار نظام اقتصادي يساعدهم في تحمل تكاليف الإيجار التي أصبحت لا تطاق في المدن الكبيرة مثل اسطنبول، ما يعني أنهم سيختارون رئيسهم على أساس الجدارة وليس العلاقات السياسية.

نظام الحكم الرئاسي

يعتمد نظام الحكم الرئاسي في تركيا على أردوغان بالدرجة الأولى، حيث يطلب توقيع رئيس الجمهورية في معظم القرارات المتخذة ضمن الهيكل التنظيمي للحكومة، ما عرقل عمل العديد من المسؤولين الحكوميين، وهو أمر لا بدَّ من تغييره.

لذلك فإن وعود كمال كيلتشدار أوغلو العودة إلى النظام الديمقراطي البرلمان، وتعزيز سلطة المؤسسات، قد تبدو حلًا جيدًا للكثير من الأتراك.

لكن ما لا يعمله البعض هو أن التيار الداعم لكيلتشدار أوغلو هو تيار ليبرالي أوروبي الهوى، يتغذى من الشعبوية والعنصري الموجهة ضد اللاجئين السوريين، والمهاجرين العرب بشكل عام، وقد ظهر ذلك واضحًا في أعقاب الزلازل الأخيرة التي ضربت البلاد.

وكان كيلتشدار أوغلو قد وعد بالتقرب من أوروبا ومنح الأتراك فرص دخول الاتحاد الأوروبي دون فيزة شنغن بعد ثلاثة أشهر فقط من وصوله إلى الحكم، لكن أليس هذا ما حاول أردوغان فعله عندما تقرب من الاتحاد الأوروبي عام 2016؟!

لقد تعلم أردوغان من تجربته المريرة مع العواصم الأوروبية أنه ما من حجة يمكن أن تقنع الأوربيين بضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لأن المشكلة تكمن في رفض الاتحاد الأوروبي، وليست في هوية تركيا بحد ذاتها.

فقبل 11 عامًا من وصول أردوغان إلى السلطة كانت ألمانيا ترسل رسائل متضاربة بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما أكده وزير الخارجية الألماني في ذلك الوقت.

لكن كشف المستشار الألماني السابق هليلموت كول في رسالة نشرها معهد التاريخ المعاصر في ميونيخ أن ألمانيا تعارض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، في وقت كان التيار الليبرالي يزدهر في أوروبا، فهل يمكن أن تفتح أوروبا ذراعيها لتركيا اليوم، بوجود اليمين المتطرف في كل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وأوروبا الشرقية؟!

كراهية لا متناهية

ديفيد هيرست لماذا يستميت الغرب حتى يرى أردوغان خاسراً؟
الإعلام الغربي يستمر في حملته الإعلامية ضد أردوغان (فلكر)

أصبحت كراهية الإسلام والمسلمين ركيزة أساسية للمد اليميني المسيطر على أوروبا، حيث ينعم السياسيون من أنصار التيار القومي بحياة سياسية مديدة، دون أي إدانة لتصريحاتهم العنصرية.

ويسوق كيلتشدارأوغلو لنفسه على أنه النسخة التركية من المستشار الألماني أولا شولتز، وقد يشبهه البعض بجو بايدن التركي، لكن هذه المقارنات سرعان ما ستسقط بوصول أوغلو إلى سدة الحكم، خاصة إذا فشل في الوفاء بوعوده أمام ملايين الناخبين.

بكل الأحوال فإن الحقبة الرئاسية لأردوغان لا تزال أفضل بسنوات ضوئية من أنظمة الحكم العربية التي يجاهر قادتها بأن شعوبهم ما زالت غير مؤهلة لخوض انتخابات ديمقراطية ونزيهة.

وسوف يدرك كمال كيليتشدار أوغلو يومًا ما أن السبب الحقيقي الذي جعل الغرب يعبّر عن مثل هذا العداء لأردوغان؛ لا علاقة له من قريب أو بعيد بكونه سلطويًا، أو لأنه مارس القمع أو اتخذ إجراءات ضد الصحافة الحرة، وإنما السبب هو أنه جعل من تركيا دولة مستقلة لديها قوات مسلّحة قوية، دولة لا تنصاع تلقائيّا لما يُوجّه لها من إملاءات”.

في الواقع، إن شعبية أردوغان كقائد بارز في العالم الإسلامي تشكل تهديدًا لسياسات الغرب الفاشلة، لذلك يتبع الغرب مع أردوغان النهج نفسه الذي اتبعه مع عدد من الزعماء في العالم الإسلامي مثل مرسي أو عمران خان.

وقد هوجم أردوغان كثيرًا لقربه من بوتين رغم ذلك فقد نجح إلى حد ما في الحفاظ على صفقة الحبوب تصدير الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود، كما أن تركيا من الدول القليلة القادرة على بدء أي مفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين الروس والأوكرانيين.

إذ يرجح البعض بأن أي مفاوضات محتملة بين طرفي النزاع الأوكراني ستقام على الأراضي التركية.

وفي حال تمكن أردوغان من الفوز بالانتخابات فهذا يعني أنه أقنع العديد من ناخبيه المحافظين بالالتحاق بصفوف حزب العدالة والتنمية مجددًا، وقد لا يحضر هؤلاء الناخبون في استطلاعات الرأي لأنهم لا يتركزون في المدن الكبيرة، ولكنهم يمتلكون تأثيرًا كبيرًا في الانتخابات.

وعلى الرغم من كل العداء الموجه لأردوغان، إلا أن هناك العديد من السيناريوهات التي ترجح فوزه، ولعل أبرز دليل على ذلك هو تجمع مئات الآلاف من مؤيديه في مطار أتاتورك القديم، وقد لبى الحشد الكبير دعوة أردوغان ضمن أحد الدوائر الانتخابية التي تسيطر عليها المعارضة، وهو ما أربك منافسي الرئيس التركي.

‏يمكن القول إذا إن أوروبا تصلّي من أجل سقوط أردوغان، وهي إذ تفعل ذلك إنما تمنح الأتراك أكبر سبب يجعلهم يقرّرون بأنفسهم ما الذي يرغبون فيه، هذا إذا أرادوا الحفاظ على استقلالهم الذي ناضلت في سبيله بلادهم زمنًا طويلًا، وبذلت في سبيله الغالي والنفيس”.

المصدر: Middle East Eye


اقرأ أيضًا:

منح كاملة مخصصة للمتضررين من زلزال سوريا وتركيا

كل ما تود معرفته قبل السفر إلى بريطانيا في عام 2023

السفارة الفلسطينية في بريطانيا تنظم لقاء لإحياء الذكرى الـ75 للنكبة

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
4:04 am, Nov 8, 2024
temperature icon 9°C
overcast clouds
Humidity 86 %
Pressure 1027 mb
Wind 8 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 100%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 7:06 am
Sunset Sunset: 4:21 pm