العرب في بريطانيا | دعوة للندم! - العرب في بريطانيا - AUK

1445 رمضان 18 | 28 مارس 2024

دعوة للندم!

غلاف مقال عادل يوسف - دعوة للندم
عادل يوسف June 15, 2022

الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة هي أننا جميعًا سوف نموت، ولا يمكننا أن نتغاضى عن ذلك مطلقًا، وقد نعتقد بتجاهلنا ذكر الموت بأننا نطيل أعمارنا، لكن في الحقيقة إن التفكير في الموت يحثنا على استثمار حياتنا على الوجه الصحيح.

مع ذلك يعيش البعض منا حياة لا تشبهه؛ حياة في الظل لا لون لها ولا طعم ولا رائحة! لكنهم لا يدركون فظاعة ما اقترفوه إلا بعد تصرم سنوات العمر وفوات الأوان.

دعوة للندم من الكلمات التي تردَّدنا في البوح بها، الفرص التي تهاونَّا في انتهازها. دعوة للندم عندما توقفنا في الوقت الذي كان يتحتم علينا المضي قُدمًا؛ فلم نُفصِح عن مشاعرنا، ولم نعتنِ بآلامنا، ولم نُنصِت إلى أفراحنا..

“بروني وير” ممرضة أسترالية تعمل في قسم (الرعاية التلطيفية)، وهو من أقسام العناية المركزة. وظيفته أن يسعى إلى منع تفاقم معاناة المرضى نفسيًّا أو تخفيفها (الميؤوس من حالاتهم)، وبمعنى أدق أولئك الذين يودعون حياتنا ببطء.

من خلال عملها لسنوات لاحظت أن غالبية المرضى يدور ندمهم على خمسة أشياء رئيسة. كتبت ذلك في مقال قرأه الملايين حول العالم، وتُرجِم إلى 29 لغة، ثم حولته بعد ذلك إلى كتاب (The Top 5 Regrets of Dying)، أو أكثر خمسة أشياء ندموا عليها.

(آمل أن تجد الكلمات طريقها إلى قلبك؛ فالسعيد من اتعظ بغيره).

 

أولًا: تمنيت أن أعيش الحياة التي تناسبني، وليس كما يريده الآخرون

قد يعيش معظمنا في هاجس ماذا سيقول عنه الناس، فيقضي جُلَّ وقته في كسب رضاهم على الرغم من الألم النفسي الذي يكابده، فيبقى قلقًا إزاء ما يتوقعه منه الآخرون؛ ليكتشف في النهاية أن أحدًا لم يكن يكترث به من الأساس!

“المصيبة في الحياة ليست في عدم تحقيق ما نريد؛ بل هي في عجزنا عن دفع ما لا نريد!”

 

ثانيًا: تمنيت لو أني لم أسخّر كل وقتي للعمل

وهو فعل يقع فيه أناس كثيرون، وخصوصًا الرجال؛ فبعضهم يحمل عمله معه إلى البيت. وتحت بند توفير لقمة العيش والحياة الكريمة تضيع كثير من الأوقات والمناسبات التي لا تُقدَّر بثمن. المال وسيلة وليست غاية، كما تقول “بروني”: المنصب المرموق يفقد بريقه على فراش الموت، ولا يبقى إلا اللحظات السعيدة مع الأهل والأصدقاء.

“أعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه”

 

ثالثًا: تمنيت لو كانت لدي الشجاعة لأعبر عن مشاعري

depression

أحبك. اشتقت إليك. لم يكن يومي جميلًا بدونك …إلخ.

كم هو مؤلم أن يعيش الإنسان ويحمل في طياته مشاعر متأججة لم يفتح لها الباب في الوقت المناسب! فكثير من المرضى – على حدِّ قولها – ندموا لأنهم كانوا متحفظين أكثر من اللازم، فاكتفوا بالعيش حياة رتيبة، وهذا ما ضاعف عذابهم.

“كلمات لها مفعول السحر في ردم هوة الخلافات، ومدِّ جسور المحبة والتواصل بيننا وبين من نحب”

 

رابعًا: تمنيت لو حافظت على علاقتي بأصدقائي

أتذكر مقولة جميلة تنمي عن إحساس وذوق رفيع للكاتبة غادة السمان عندما قالت: “أنا ممتنة لكثرة الأطباق التي أغسلها؛ لأنها تخبرني بأنني لست وحيدة!”.

سيُدرِك المفرط في علاقته مع أصدقائه – وخصوصًا أصدقاء الطفولة – أنه قد فرط في شيء عظيم جدًّا، ًوليس من السهل تعويضه؛ فلا شيء يضاهي متعة الجلوس ومسامرة أشخاص يحبونك، لا لشيء إلا لأنك أنت أنت! وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل الجنة من باب المدح حين قال:

{عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [سورة: الحجر – الآية: 47].

 

خامسًا: تمنيت لو أني أدركت مبكرًا المعنى الحقيقي للسعادة

منظمة الصحة العالمية لها مفهوم عميق للصحة من شأنه أن يعيد صياغة الأشياء وترتيبها من حولك؛ حيث تقول: الصحة هي جودة الحياة، وليست الخلو من المرض.

أزعم أن أولى مشكلاتنا تكمن في عدم معرفتنا لماهية الأشياء من حولنا، ومن ثَمّ عدم وضعها في مكانها الصحيح؛ فقد نظن السعادة أمرًا قد نجده مُلقى على قارعة الطريق بالصدفة، بينما هو قرار تتخذه قبل أن تخرج من بيتك.

اضحك حتى تؤلمك معدتك! غنِّ حتى لو كان صوتك منفِّرًا! ارسم حتى لو لم يأبه أحد بلوحاتك! ارقص كما لو خلت المدينة إلا منك!

إذن هي دعوة للندم، ولكن للندم الإيجابي كما ذكرت ذلك لبنى الخميس:

“أن تسقط بوعي، لا أن تُغمض عينيك بخجل. هو أن تنجو، لا أن تغرق. هو أن تحيا لا أن تموت..”.

 

تذكَّر إذا لم يعجبك مكان وجودك فارحل؛ فأنت لست شجرة!

 


اقرأ أيضًا: 

كتب جديرة بالقراءة

الوطنية والتفاؤل والإصرار على النجاح.. الجانب الذي يُتجاهَل تجاه مسلمي بريطانيا

الغربة ونعمة الأخوة