دراسة تحذر: الأطعمة المُعالجة تدمر صحة البريطانيين واقتصادهم

كشفت دراسة حديثة عن أن الأطعمة الرخيصة والمُعالجة التي تغزو المتاجر الكبرى في بريطانيا لا تضر فقط بصحة المواطنين، بل تكبد الدولة خسائر بمليارات الباوندات سنويًا، في وقت تتفاقم فيه الفوارق الصحية والاقتصادية بين الفئات الاجتماعية.
وتحدث خبراء إلى وسائل إعلام بريطانية موضحين كيف صُممت قطاعات واسعة من صناعة الأغذية لاستغلال العوامل الجينية البشرية، وتحفيز الإقبال المفرط على الطعام، مع إزالة مكونات صحية أساسية مثل الألياف.
معادلة قاتلة: السكر والملح بدلاً من الألياف

يقول تايس فان رينس، أستاذ الاقتصاد بجامعة وارويك ورئيس قسم أبحاث الغذاء، إن تصنيع الطعام بشكل مفرط يهدف إلى خفض التكاليف عبر إضافة مواد حافظة كالسكر والملح وإزالة الألياف التي تقلل مدة صلاحية المنتجات وترفع تكاليف النقل والتخزين.
وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة الغذاء (Food Foundation)، فإن المنتجات الغنية بالدهون والملح والسكر تكلف 4.30 باوند لكل 1000 سعرة حرارية، في حين ترتفع تكلفة البدائل الصحية إلى 8.80 باوند، ما يعكس فجوة خطيرة في تيسير الوصول إلى الغذاء الصحي.
ويحذر تيم جاكسون، أستاذ الاقتصاد البيئي بجامعة سري، من أن غياب الألياف يضر بالأمعاء، ويؤدي إلى متلازمة تسرب الأمعاء والالتهابات ومقدمات الأمراض المزمنة.
إلى جانب دورها الحيوي في تحسين الهضم، تعمل الألياف على إبطاء امتصاص السكريات والكربوهيدرات، مما يسهم في الإحساس بالشبع. غيابها يؤدي إلى ارتفاع حاد في مستويات الإنسولين وزيادة الإحساس بالجوع.
ويرى رينس أن عمليات التصنيع الغذائي تخدم الربحية على حساب صحة الإنسان، موضحًا أن الشركات تعزز استهلاك المنتجات بإضافة سكريات بسيطة وملح، مما يطيل عمر المنتجات ويرضي رغبات الإنسان الموروثة من عصور الندرة الغذائية.
بحسب جاكسون، فإن ظهور صناعة معالجة الغذاء جاء نتيجة توجه ممنهج نحو توفير سعرات حرارية رخيصة وسريعة، مما خلق بنية اقتصادية ضخمة تسيطر عليها شركات قادرة على إجراء الاندماجات والاستحواذات، وتمتلك نفوذًا سياسيًا يتيح لها مقاومة أي تشريعات تنظيمية.
ويقول: “الصناعة صُممت لتوفير غذاء رخيص، لكنها تحولت إلى قوة اقتصادية ضخمة تختلف جذريًا عن قطاع الزراعة الذي ينتج طعامًا صحيًا ولكنه يظل أقل نفوذًا.”
وتملك شركات تصنيع الأغذية أدوات لدراسة تأثير المنتجات على الدماغ، وتعديل مكوناتها لجعل المستهلكين غير قادرين تقريبًا على مقاومة الاستهلاك المفرط.
ورغم أن اتحاد مصنعي الأغذية والمشروبات (FDF) أشار إلى أن تقريرًا حكوميًا عام 2023 لم يجد “أدلة كافية على أن الأطعمة بحد ذاتها تسبب الإدمان”، إلا أن الواقع الميداني يعكس صورة مغايرة.
وأضاف متحدث باسم الاتحاد أن الصناعات الغذائية خفضت مساهمتها بالسعرات الحرارية والسكر والملح في السوق البريطاني بنسبة الربع مقارنة بعام 2015، مؤكداً التزام المصنعين بالتعاون مع صانعي السياسات لتوفير خيارات غذائية صحية.
ورغم هذه التصريحات، تعكس تجارب الأفراد حجم الأزمة المتفاقمة.
أماندا باكهام، ممرضة من لينكولن تبلغ من العمر 45 عامًا، لاحظت أن محاولتها للتحول إلى غذاء صحي رفعت نفقات تسوقها الأسبوعي بنحو 70 باوند، رغم تقليل كميات الشراء.
وتقول باكهام: “اضطررت إلى التخلي عن أنشطتي الاجتماعية لأتمكن من شراء الخضروات والفاكهة والزبادي المناسب.”
وتضيف بأسى: “أنا محظوظة لأنني أستطيع تحمل الكلفة، ولا أدري كيف يمكن لأم عزباء تعيش على الإعانات أن تطعم أطفالها غذاءً صحيًا.”
ووفق مؤسسة الغذاء، فإن أسرة بريطانية تضم أطفالًا تحتاج إلى تخصيص 70% من دخلها المتاح – بعد خصم تكاليف السكن – لتستطيع الالتزام بالمعايير الغذائية الصحية الحكومية.
فقر الوقت عقبة إضافية

لا تقتصر تكلفة الغذاء الصحي على المال فقط، بل تشمل أيضًا عامل الوقت.
يشير رينس إلى أن الأسر ذات الدخل المحدود غالبًا ما تعاني من “فقر الوقت”، إذ يضطر كثيرون للعمل بوظيفتين أو أكثر لتغطية نفقاتهم.
كيري، 45 عامًا من مانشستر، أكدت أن زيادة ساعات عملها وزوجها للتماشي مع ارتفاع تكاليف المعيشة، أدت إلى صعوبة في العثور على وجبات صحية وسريعة. وتقول: “عندما أبحث عن بدائل سريعة في المتاجر، أجدها جميعًا غير صحية.”
وأضافت أن العودة الإلزامية للعمل من المكتب ثلاثة أيام أسبوعيًا حرمها من استغلال استراحة الغداء لتحضير وجبات أطفالها.
في المقابل، يرى بعض الأفراد، مثل شين جونسون من نوتنغهامشير، أن الالتزام بالطهي المنزلي رغم ساعات العمل الطويلة يمكن أن يجعل التغذية الصحية ميسورة التكلفة لمن ينظم وقته بعناية.
يحذر رينس من أن الفجوة في الأسعار بين الغذاء الصحي وغير الصحي أدت إلى “تفاوت غذائي صارخ” انعكس لاحقًا في تفاوتات صحية خطيرة.
وبحسب تقرير مؤسسة الغذاء، فإن أطفال المناطق الأفقر أكثر عرضة للسمنة وتسوس الأسنان، كما أن الأشخاص من الطبقات الأكثر فقرًا معرضون بثلاثة أضعاف لاحتمال بتر أطرافهم السفلية نتيجة الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، مقارنة بأغنى الطبقات.
ويحذر جاكسون من أن الطعام الرخيص الظاهر على رفوف المتاجر يكلف بريطانيا نحو 268 مليار باوند سنويًا بسبب الأمراض المزمنة الناتجة عنه، وهو رقم يعادل تقريبًا ميزانية القطاع الصحي بأكمله.
وتشمل هذه الكلفة 67.5 مليار باوند للرعاية الصحية المباشرة، و14.3 مليار باوند للرعاية الاجتماعية، و10.1 مليار باوند لدعم الرفاه الاجتماعي، و116.4 مليار باوند خسائر في الإنتاجية بسبب المرض والوفاة، إضافة إلى 60 مليار باوند كتكاليف إنسانية يتحملها الأقارب والمجتمع.
ويخلص جاكسون إلى أن هذه الكلفة تفوق بنحو أربع مرات الكلفة اللازمة سنويًا لدعم تحول السكان إلى نظام غذائي صحي.
تحركات حكومية محدودة

في مواجهة هذه الأرقام الصادمة، تؤكد الحكومة البريطانية أنها “تتصدى لأزمة السمنة بشكل مباشر”، عبر منح المجالس المحلية سلطات أقوى لمنع فتح مطاعم الوجبات السريعة قرب المدارس، وفرض قيود على الإعلانات الغذائية غير الصحية قبل الساعة التاسعة مساءً ابتداءً من أكتوبر.
كما أطلقت الحكومة برنامج “البداية الصحية” لدعم النساء الحوامل وأسر الأطفال الصغار ذوي الدخل المنخفض لشراء الفاكهة والخضروات والبقوليات والحليب وحليب الأطفال.
وتوفر الحكومة وجبات مدرسية مجانية لجميع الأطفال في السنوات الأولى بالمدارس الحكومية في إنجلترا، بالإضافة إلى وجبات مدعومة للأسر ذات الدخل المنخفض.
ويؤكد اتحاد صناعة الأغذية والمشروبات رغبته في “العمل بشكل تعاوني مع الحكومة لتطوير استراتيجية غذائية تضمن صحة المستهلكين واستدامة القطاع الغذائي في آن واحد”.
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇