شهدت بريطانيا تحولًا مثيرًا في نظرة المجتمع إلى الكيتامين، الذي كان يُعتبر سابقًا عقارًا هامشيًا يُستخدم في النوادي الليلية واشتهر كمخدر للحيوانات. ومع تصاعد استخدامه غير القانوني بين الشباب إلى مستويات قياسية، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية عن دراسة إعادة تصنيف الكيتامين كمخدر من الفئة “أ”، وهو التصنيف الذي يحمل أشد العقوبات القانونية.
أرقام قياسية واستخدام منزلي
أفادت بيانات وزارة الداخلية بأن 299الف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و59 عامًا في إنجلترا وويلز أبلغوا عن استخدام الكيتامين خلال العام المنتهي في مارس 2023، وهو أعلى رقم سُجل حتى الآن.
وتشير الأدلة إلى تحول في ثقافة استخدام الكيتامين؛ حيث انتقل من الحفلات إلى الاستخدام المنزلي اليومي، مما يزيد من احتمالية الإدمان. ويُعرف الكيتامين بآثاره التخديرية والنفسية التي تجذب الشباب الباحثين عن “الهروب من الواقع”، بحسب الخبراء.
دوافع استخدام الكيتامين
قال روبرت رالفس، أستاذ علم الجريمة والسياسات الاجتماعية بجامعة مانشستر متروبوليتان: “الكيتامين لم يعد مجرد عقار للنوادي الليلية، بل أصبح يُستخدم لأغراض متعددة”.
وفي أبحاث أُجريت في مانشستر الكبرى، تبين أن الشباب يتناولون الكيتامين للاسترخاء بعد يوم عمل أو دراسة، بينما يستخدمه آخرون بكميات كبيرة يوميًا لتخفيف مشكلات نفسية مثل القلق والصدمات.
وأضاف هاري شابيرو، مدير مؤسسة “دراج وايز” الخيرية: “استخدام الكيتامين يمثل هروبًا من الواقع، وهو جذاب للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. معالجة هذه الظاهرة تبدأ بتحسين خدمات الصحة النفسية”.
بلغت نسبة البالغين الذين دخلوا برامج علاج الإدمان بسبب الكيتامين 2.3% في العام 2023-2024، مقارنة بـ1.6% في العام السابق. كما ارتفع عدد المرضى الجدد إلى ثمانية أضعاف ما كان عليه في 2014، العام الذي أُعيد فيه تصنيف الكيتامين من الفئة “ج” إلى الفئة “ب”.
جدل حول إعادة التصنيف
يثير الحديث عن نقل الكيتامين إلى الفئة “أ” جدلًا واسعًا بين الخبراء. ويعني التصنيف الجديد عقوبات أشد، تصل إلى السجن 7 سنوات لحيازة العقار والسجن مدى الحياة لتوريده.
وصف رافي داس، أستاذ علم الأدوية النفسي بكلية لندن الجامعية، الخطوة بأنها “غير منطقية”، مضيفًا: “تصنيف الكيتامين كمخدر من الفئة ‘ج’ في 2006، ثم ترقيته إلى الفئة ‘ب’ لم يوقف زيادة استخدامه. إذا كان الهدف هو ردع المستخدمين، فهذا النهج لا ينجح”.
واتفق معه روبرت رالفس، الذي قال: “أستخدم الكيتامين كدراسة حالة لتوضيح عدم فعالية نظام تصنيف المخدرات في المملكة المتحدة. هذه الخطوات تُظهر فقط أن الحكومة تتخذ إجراءات سطحية دون معالجة القضايا الأساسية”.
المخاطر الصحية المتصاعدة
بالرغم من أن عدد الوفيات المرتبطة بالكيتامين لا يزال منخفضًا مقارنة بالمخدرات الأخرى، إلا أن الأرقام تشهد ارتفاعًا مستمرًا، حيث سجلت 37 وفاة في 2022 مقارنة بـ21 في 2019. وفي أكتوبر 2023، توفي الممثل ماثيو بيري بجرعة زائدة من الكيتامين.
تتجاوز المخاطر الصحية التأثيرات الحادة للعقار لتشمل مشكلات مزمنة مثل السلس البولي وأمراض المثانة والكلى، والتي قد تتطلب جراحات كبرى أو زراعة الكلى. وقال د. نيكولاس ريزون، استشاري الجراحة البولية بمستشفى كينغز كوليدج: “المرضى يدمنون الكيتامين بسبب الألم الذي يتسبب به، مما يدخلهم في دائرة مفرغة تزيد من حدة المشكلة”.
دعا د. إيميرت روبرتس، محاضر أول في كلية كينغز لندن واستشاري في طب الإدمان، إلى استثمارات إضافية في أبحاث إدمان الكيتامين. وأكد أن هناك نقصًا في الدراسات حول فعالية علاجات الإدمان. وأضاف: “نشهد زيادة في عدد المرضى الذين يدمنون الكيتامين رغم استخدامه بوصفة طبية”.
الكيتامين بين الاستخدام الطبي والإدمان
تشير الأبحاث إلى استخدام الكيتامين في بعض السياقات الطبية، مثل علاج الاكتئاب تحت إشراف طبي، مما يثير تساؤلات حول تأثير الرسائل المختلطة بشأن سلامته. بينما يدعو الخبراء إلى تصعيد الجهود لمعالجة الإدمان، تبقى خطوة إعادة التصنيف مثيرة للجدل، حيث تنقسم الآراء بين الحاجة إلى تشديد العقوبات وبين التركيز على تحسين خدمات الصحة النفسية.