حين تصبح الشوكولاتة «خطرًا»… ماذا يريد التابلويد البريطاني أن يقول؟
مرة أخرى، تستيقظ الصحافة الصفراء في بريطانيا على “خطر جديد” يتهدد المستهلكين، وهذه المرة ليس فيروسًا، ولا سلاحًا، ولا مادة كيميائية غامضة، بل… شوكولاتة.
عنوان صادم في ديلي ميرور (أو ديلي ريكورد): تحذير لمتسوقي بريطانيا من عدة ألواح شوكولاتة «دبي» قد تكون خطيرة للأكل.
العنوان وحده كفيل بإثارة القلق، لكنه كفيل أيضًا بإثارة سؤال أكبر:
ما الذي يجعل قطعة شوكولاتة تحمل صفة جغرافية عربية تُقدَّم فجأة بوصفها تهديدًا؟
الخبر، عند قراءته بتأنٍ، لا يكشف عن مؤامرة غذائية ولا عن مادة سامة جديدة، بل يدور – كما في حالات كثيرة مشابهة – حول قضايا وسم غذائي، أو مكونات غير مصرح بها، أو اختلاف معايير الاستيراد. وهي أمور معتادة في سوق الغذاء العالمي، وتحدث مع منتجات أوروبية وآسيوية وأميركية دون أن تتحول إلى “حكاية رعب” أو تحذير جماعي مشحون.

وبطبيعة الحال، فإن وجود مكونات قد تسبب الحساسية دون الإعلان عنها يُعد مسألة خطيرة فعلًا، ولا يمكن التقليل من شأنها. منتجو الشوكولاتة، كما غيرهم من منتجي الأغذية، ملزمون قانونيًا وأخلاقيًا ببيان جميع المكونات بوضوح، ومن حق المستهلك أن يُحذَّر من أي خلل حقيقي في هذا الجانب.
لكن الإشكال لا يكمن في أصل التحذير، بل في الطريقة التي جرى بها تضخيمه. فعنوان ضخم القصة وأوحى بوجود كارثة، بينما نحن في الواقع أمام مخالفة تنظيمية معروفة، لها آليات واضحة في المعالجة والمتابعة. وهنا تحديدًا تصبح الصحافة، حتى الشعبية منها، معنية بتغطية أكثر مهنية، تفرّق بين التحذير الضروري والتهويل الذي يوحي بما هو أبعد من الحقيقة.
اللافت هنا ليس المعلومة، بل اللغة. لغة تُحمِّل الاسم – “Dubai chocolate” – أكثر مما يحتمل، وتدفع القارئ لا شعوريًا إلى ربط الخطر بالمصدر الثقافي أو الجغرافي، لا بالإجراء التنظيمي البحت.
ولا ينبغي أن تُفهم هذه القراءة بوصفها دفاعًا عن منتج بعينه، ولا تلميعًا لأي علامة تجارية. الانحياز المطلوب هنا هو للمنتج النظيف فقط، أياً كان مصدره، ولمبدأ التجارة العادلة (Fair Trading) التي تحمي المستهلك وتُلزم المنتجين بالشفافية، وفي الوقت نفسه تُلزم الصحافة بعدم التهويل أو التلميح بما يتجاوز الوقائع.

فحين يُطرح الخلل بصفته مخالفة تنظيمية محددة، ويُعالج في سياقه الصحيح، نكون أمام صحافة مهنية تحمي المستهلك. أما حين يُحمَّل الاسم أو المنشأ ما لا علاقة له بالمسألة، فإننا نبتعد عن حماية الناس، ونقترب من صناعة انطباعات غير عادلة.
هل كان العنوان سيُصاغ بالطريقة نفسها لو كانت الشوكولاتة قادمة من بلجيكا أو سويسرا؟
أم كنا سنقرأ حينها خبرًا تقنيًا هادئًا عن “استدعاء منتج” أو “مراجعة ملصق”؟
ليست المشكلة في التحذير، بل في تغليفه.
وليست في الشوكولاتة، بل في القصة التي تُنسج حولها.
ويبقى السؤال معلقًا بعد انقضاء ضجة الشوكولاتة:
هل نحن أمام نقاش صحي حقيقي… أم أمام مثال جديد على كيف يمكن لعنوان واحد أن يقول أكثر مما يصرّح به؟
اقرأ أيضا:
الرابط المختصر هنا ⬇
