هل تغيّر بريطانيا قوانين حقوق الإنسان بسبب قضايا اللاجئين؟
تتجه بريطانيا تدريجيًا إلى إعادة صياغة علاقتها بقوانين حقوق الإنسان، لا عبر إصلاحات واسعة، بل من بوابة الهجرة واللجوء. ومع تصاعد الضغوط السياسية لمعالجة ملف الترحيل، تحاول الحكومة اختبار هامش الحركة المسموح داخل الاتفاقية الأوروبية، في لحظة يتغيّر فيها المزاج العام ويتراجع فيها الحاجز بين خطاب الوسط وخطاب اليمين.
وفي مقال نُشر في صحيفة الغارديان، دعا رئيس الوزراء كير ستارمر إلى إجراء تغييرات عاجلة على كيفية تطبيق الاتفاقية من أجل مواجهة ما وصفه بـ“قوى الكراهية والانقسام” التي تتصاعد في أوروبا.
لماذا أرسلت بريطانيا نائب رئيس الوزراء والنائب العام إلى ستراسبورغ؟

شارك نائب رئيس الوزراء ووزير العدل ديفيد لامي، والنائب العام اللورد هيرمر، في اجتماع غير رسمي لمجلس أوروبا إلى جانب ممثلين عن 45 دولة أخرى. وناقش الاجتماع كيفية تأثير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على سياسات الهجرة.
ووقّعت الدول الأعضاء في مجلس أوروبا على الاتفاقية عام 1950 لحماية الحقوق والحريات الأساسية. وتشمل عضوية المجلس 46 دولة، من بينها الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ويحق لأي شخص يرى أن إحدى الدول الأعضاء انتهكت حقوقه المنصوص عليها في الاتفاقية أن يرفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فيما يتولى المجلس الإشراف على الاتفاقية وتوجيه كيفية تنفيذها.
انقسامات أوروبية
ظهر انقسام واضح داخل القاعة؛ إذ وقّعت 27 دولة، من بينها بريطانيا، على بيان يحدد المواد التي ترى أنها بحاجة إلى تعديل؛ لمنع استخدامها في وقف قرارات الترحيل.
أما مشروع البيان الختامي الذي وافقت عليه الدول الـ46 جميعًا، فقد تضمّن الدعوة إلى مواصلة النقاشات على أن تُطرح نتائجها في اجتماع مقرر في أيار/مايو 2026 في مولدوفا.
المواد الأكثر إثارة للجدل داخل الاتفاقية

شملت المناقشات سبل مواجهة شبكات التهريب، وكيفية إنشاء “مراكز إعادة” في دول ثالثة تكون متوافقة مع معايير حقوق الإنسان لإسكان طالبي اللجوء مؤقتًا عند تعذّر إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
وتطرّقت أيضًا إلى التعقيدات القانونية المتعلقة بالمادة الـ8 الخاصة بالحق في الحياة الأسرية، والمادة الـ3 التي تحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وهما مادّتان يتكرر الاستناد إليهما في ملفات اللجوء والهجرة.
قضايا الهجرة أمام المحكمة الأوروبية
يشير خبراء إلى أن نحو 420 ألف شخص تقدّموا بشكاوى إلى المحكمة الأوروبية خلال العقد الماضي بدعوى انتهاك حقوقهم، من بينهم 7,000 حالة مرتبطة بالهجرة. ومع ذلك، لم تصدر المحكمة أحكامًا ضد الدول إلا في 450 حالة فقط.
هل يمكن لاجتماع أيار/مايو 2026 فرض تغيرات كبيرة؟
يأمل مجلس أوروبا إصدار “إعلان” سياسي في أيار/مايو 2026، وهو بيان يقدّم مبادئ توجيهية ذات وزن سياسي غير ملزم قانونيًّا. ويمكن لمثل هذه الإعلانات التأثير على مسار الاجتهاد القضائي، مع أن القضاة غير ملزمين باتباعها.
وتشير مصادر إلى إمكانية تمرير “قرار” أكثر قوة إذا توفرت أغلبية الثلثين (31 دولة)، وهو قرار قد يوجّه تفسير المادتين الـ3 والـ8، وهما محور الخلاف في قضايا الهجرة.
وخلال كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير ستُجرى نقاشات تقنية وقانونية بين ممثلي الدول؛ لتهيئة الأرضية للنقاش السياسي، وتحديد ما إذا كان سيُفتَح ملف المادتين الـ3 والـ8 في اجتماع أيار/مايو 2026.
قضية قد تشكل مستقبل ستارمر

يواجه رئيس الوزراء ضغوطًا من حزب المحافظين وحزب ريفورم يو كيه (Reform UK) اليميني، اللذين يدعوان إلى انسحاب كامل من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
لكن حكومة ستارمر العمالية ترفض هذا الخيار، وتدعو بدلًا من ذلك إلى تعديل طريقة العمل بالاتفاقية في الواقع، ويشمل ذلك كيفية تفسير موادها في المحاكم البريطانية.
وأصبحت عضوية بريطانيا في الاتفاقية محورًا للخلاف في النقاش بشأن عبور القوارب الصغيرة للقنال الإنجليزي. ويرى منتقدو الاتفاقية أن تسريع إعادة المرفوضين قد يردع كثيرين عن محاولة العبور.
تحوّل في المزاج العام أكثر من كونه جدلًا قانونيًّا
تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن الحديث عن قوانين حقوق الإنسان في بريطانيا يعكس تغيرًا أعمق في المزاج العام، حيث يتقلص الفارق بين خطاب الحكومة وخطاب اليمين التقليدي بشأن الهجرة واللجوء. ومع انتقال الجدل من حماية الحقوق إلى البحث عن مخارج قانونية تسمح بالتشدد، تبدو بريطانيا متجهة نحو مساحة سياسية تسعى تدريجيًّا إلى التحلّل من التزامات حقوقية شكّلت جزءًا من هُويتها لعقود. وترى المنصة أن مستقبل الضمانات الحقوقية بات مرهونًا باتجاهات الرأي العام أكثر من ارتباطه بالنصوص القانونية ذاتها.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضاً
الرابط المختصر هنا ⬇
