العرب في بريطانيا | كيف أصبح تشارلز الثالث أكثر الملوك انفتاحا على ...

1445 رمضان 18 | 28 مارس 2024

كيف أصبح تشارلز الثالث أكثر الملوك انفتاحا على الإسلام في تاريخ بريطانيا ؟

كيف أصبح تشارلز الثالث أكثر الملوك انفتاحا على الإسلام في تاريخ بريطانيا ؟
فريق التحرير September 14, 2022

أثار  وصول ليز تراس إلى السلطة مخاوف من تكريس مفهوم الإسلاموفوبيا الذي زاد تأثيره في زمن حكومة جونسون، لكن اعتلاء الملك تشارلز الثالث للعرش قد يشكل مؤشرًا إيجابيًا لمسلمي المملكة المتحدة، فكيف كانت علاقة تشارلز بالإسلام والتراث الإسلامي؟

يعتبر الملك تشارلز الثالث من أصحاب الفكر الذين درسوا الإسلام بعمق، وقد تعلم تشارلز اللغة العربية من أجل فهم النص القرآني.

ويبدو أن الملك تشارلز الثالث هو أكثر الملوك انفتاحًا على الإسلام بعكس حكومة بلاده.

وترفض الحكومة البريطانية التفاعل مع اتحاد الهيئات الكبرى للمسلمين في بريطانيا، كما تعتمد على نظام أمن مستهجن اسمه (Prevent)، والذي عادةً ما يستهدف المسلمين بشكل خاص. فضلا عن ذلك، اتُّهِمت حكومة بريطانيا في وقت سابق من هذه الأسبوع بمعاملة المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية، وقالت إحدى الوزيرات إنها فُصلت من منصبها لأن البرلمان يشعر بعدم الراحة لكونها مسلمة.

ويعتقد أكثر من نصف أعضاء حزب المحافظين أن المسلمين يحيكون مؤامرات للإيقاع ببريطانيا.

 

الملك تشارلز الثالث والتراث الإسلامي

الملك تشارلز الثالث والتراث الإسلامي
الملك تشارلز الثالث والتراث الإسلامي

وعُرِف عن الملك تشارلز الثالث سابقًا دحضه لنظرية صراع الحضارات في خطاباته السابقة، ويرفض تشارلز الزعم القائل إن الإسلام في حالة صراع مع الغرب والعكس صحيح، وأكد تشارلز أن اليهودية والمسيحية والإسلام هي ديانات سماوية كبيرة فيها الكثير من الأمور المشتركة.

وتولى الملك الجديد رعاية مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية منذ عام 1993، وقد ألقى في ذلك العام خطابًا بعنوان: الإسلام والغرب، ولم يتوقع الناس أن يُلقي تشارلز خطابًا عميقًا عن الدين وبعيدًا عن الابتذال.

وأسهب تشارلز حينها في الحديث عن العلاقة بين الحضارة الإسلامية وأوروبا، وقال: “إن الإسلام هو جزء من ماضينا وحاضرنا في جميع المجالات الإنسانية، لقد ساعد الإسلام في إنشاء أوروبا الحديثة وهو جزء من تراثنا”.

وحث تشارلز المفكرين الغربيين على التجاوز عن بعض المحاولات لتحريف الفكر الإسلامي وتشويهه قائلًا: “إن المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية مقتبسة من القرآن مباشرة وتقوم على الإنصاف والرحمة”.

وأشار إلى منح المرأة المسلمة الحق في الملكية والميراث منذ 1400 سنة، وأشاد بالتسامح الملحوظ بين المسلمين في العصور الوسطى، وأعرب عن أسفه على جهل الكثيرين بأن “الحضارة الغربية تدين بالكثير من إنجازاتها للإسلام وحضارته”.

ووصف تشارلز الذي كان أميرًا على ويلز آنذاك الجالية المسلمة في بريطانيا بأنها مصدر قوة للبلاد و تساهم في إثرائها ثقافيًّا.

ولم يطلب تشارلز من المسلمين التخلي عن هُوِيتهم للاندماج في المجتمع البريطاني، بل دعاهم إلى تحقيق التوازن بين الحرية الشخصية وقِيَم الاندماج مع المجتمع، وقال حينها: إنه يجب على غير المسلمين احترام ممارسات المسلمين وشعائرهم وعدم التعرض لهم أو إهانتهم.

وقد كان لافتًا أن يقول تشارلز لمسلمي بلاده القادمين من المستعمرات السابقة للإمبراطورية البريطانية إنهم موضع ترحيب وهم يضيفون الكثير إلى المجتمع البريطاني حسب وصفه.

 

تشارلز: الأمير المثير للجدل

لقد أثارت مواقف تشارلز تجاه الإسلام جدلًا واسعًا في السنوات السابقة.

وكشف المراسل الملكي روبرت جوبسون في أحد الكتب التي نُشِرت عام 2018 أن تشارلز عارض غزو العراق عام 2003 واعترض حينها على سياسة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، واعتقد تشارلز أن رفع شعارات الديمقراطية الغربية في الشرق كان فعلًا متهورًا وعديم الجدوى، كما أخبر تشارلز قادة الخليج العربي بأنه لم يَعِد بالتوسط لهم من أجل شراء السلاح من الشركات البريطانية.

وقد أظهر تشارلز تعاطفًا مع المسلمين وهو السبب وراء أول زيارة لابنه وليام إلى الأراضي المحتلة في شهر حَزيران/يونيو 2018، في حين زار تشارلز الأراضي المحتلة للمرة الأولى عام 2020، وأعرب تشارلز عن أمنيته بتحقيق العدل والحرية والمساواة لجميع الفلسطينيين.

ولم يسبق لأي مسؤول بريطاني أن أصدرَ تصريحات مماثلة، وانتقد تشارلز علمانية فرنسا وبلجيكا عندما يتعلق الأمر بالمسلمين الأوروبيين، ولا يرى سببًا لحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وهو ضد المواقف المعادية للمسلمين في جميع أنحاء أوروبا.

تعرض تشارلز لانتقادات لاذعة بسبب أعماله الخيرية، وتصدَّر اسمه عناوين الصحف في حَزيران/يونيو الماضي بعد أن كشفت صحيفة صنداي تايمز أنه تلقى حقيبة تحتوي على مليون يورو من الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني رئيس الوزراء القطري السابق.

ونفى صندوق تشارلز الخيري ارتكاب أي مخالفات مؤكدًا أن الأمير لم يستفد من الأموال على الصعيد الشخصي.

قد يكون تشارلز مخطئًا في طريقة الحصول على النقود، لكن الخطاب الإعلامي الذي صدر بحقه اتسم بالجهل والعدوانية.

على سبيل المثال: تناولت العديد من الصحف في تموز/يوليو الماضي أن تشارلز تلقى من عائلة أسامة بن لادن مبلغًا بقيمة مليون باوند عام 2013، ولا يبدو في الأمر أي إشكالية؛ لأن عائلة بن لادن بطبيعة الحال من أثرى العائلات وأشدها تأثيرًا في المملكة العربية السعودية، ما يعني أن ربط ذلك بالإرهاب والقاعدة محض هراء.

 

رجل تقليدي و”متدين”!

ويسخر مناهضو الإسلام في بريطانيا من الملك الجديد بسب فضوله الفكري، وقد تساءل الأمريكي دانيال بايبس وهو أحد المحافظين الجدد عما إذا كان تشارلز قد اعتنق الإسلام، واستشهد المُعلِّق الأمريكي ساخرًا بعدة أمثلة من حياة تشارلز التي توحي بأنه قد اعتنق الإسلام مثل المشاركة في إفطار رمضان، وانتقاده لسلمان رشدي الذي تعرض لمبادئ المسلمين.

يعتنق الملك تشارلز العقيدة المسيحية الإنجيلية، وهو ينتمي إلى مدرسة فكرية تؤمن بوجود ارتباط عميق بين الديانات السماوية الثلاث، إذ تشترك هذه الديانات ببعض الحقائق التي يمكن للبشرية أن تستقي منها حلولًا لكثير من المشكلات.

شارك تشارلز بصفة خاصة في أعمال المفكر التقليدي رينيه جينون -وهو مثقف فرنسي كاثوليكي تعلَّم في جامعة السوربون- وانتقد رينيه ما بعد الحداثة في أوروبا واعتبرها شذوذًا عن تاريخ البشرية.

وقال تشارلز في خطاب ألقاه عام 2006: “يدافع التقليديون عن الماضي، لأن عالم ما قبل الحداثة تميزت فيه جميع الحضارات بقدسية معينة لم نعد نراها في عصر ما بعد الحداثة الذي يتسم بالتفكك والتدهور”.

وفي خطاب ألقاه تشارلز أمام الجمعية العامة لكنيسة اسكتلندا عام 2000، حذَّر من تجاهل ونسيان كل المعارف الروحية والمقدسات في العصر الحديث، وقد عبَّر تشارلز عن قلقه من أن الغرب أصبح جشعًا واستغلاليًّا في العصر الحديث.

لذلك يرى تشارلز أنه لا بد من تكريس قِيَم الأسرة والروحانيات الموجودة في الإسلام.

وكرَّس المفكر جينون الفرنسي وقته لدراسة العقائد الشرقية، وكتب العديد من المؤلفات عن الهندوسية والطاوية قبل أن يغادر باريس متوجهًا إلى القاهرة، حيث التحق بالطريقة الأحمدية الشاذلية في التصوف ودرس في الأزهر إحدى أشهر المؤسسات الدينية في العالم وتوفي في القاهرة عام 1951.

وقد أثار دور جينون في فكر تشارلز حيرة العديد من المعلِّقين والسياسيين، وفي مراجعة لكتاب الانسجام الذي ألفه تشارلز قال المؤرخ ماكس هاستينغز: “إن الخطر الذي يهدد مستقبل الحكم الملكي هو نية تشارلز الحسنة وأفكاره المشوشة”.

 

 كيف تعامل الإعلام البريطاني مع شغف تشارلز بالإسلام؟

 كيف تعامل الإعلام البريطاني مع شغف تشارلز بالإسلام؟
 كيف صوّر الإعلام البريطاني شغف تشارلز بالإسلام؟

لم يرتدع تشارلز من النقد اللاذع له في وسائل الإعلام البريطانية، واستخدم منصبه -إمارة ويلز سابقا- لتطبيق أفكاره بالمعنى العملي للكلمة، وبدأ في عام 1993 باستضافة برنامج الفنون المرئية والتقليدية الإسلامية.

وقدم الطلاب في المعرض المُنَمْنمات المغولية، والبلاط العثماني والخط العربي، كما شارك في المعرض اثنان من العلماء: أحدهما الفيلسوف سيد حسين نصر والباحث مارتن لينجز الذي تأثر كثيرًا بكتاب المفكر الفرنسي جينون وكتب سيرة ذاتية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وتحول المعرض إلى مدرسة الأمير تشارلز التأسيسية للفنون التقليدية عام 2004.

ويظهر حب تشارلز للتراث والفن الإسلامي في حياته الشخصية، حيث صمَّم حديقته الخاصة في منزله بشكل مستوحى من الحدائق الإسلامية، وقال سابقًا: “لقد زرعت في حديقة المنزل أشجار التين والزيتون والرمان التي ذُكِرت في القرآن”.

كل تلك المعطيات تضع الملك تشارلز الثالث على النقيض من حكومة ليز تراس، ومن المؤكد أن الملك تشارلز الثالث سيتعرض لنقد لاذع من اليمين المتطرف والمحافظين الجدد إذا أظهر دعمه للإسلام.

ويتساءل بعض الناس عما إذا كان تشارلز سيتحدث عن الأديان أثناء اعتلائه للعرش كما كان يفعل حين كان أميرًا لويلز، وقد يتبع الملك الجديد خُطى والدته التي عزفت عن التحدث في الخلافات العامة.

 

بيان جريء

عزَّت معظم المساجد في المملكة المتحدة بوفاة الملكة إليزابيث، وأشاد كثير من المسلمين بموقف الملك الجديد تجاه الإسلام.

وفي خطبة الشيخ عبد الحكيم مراد إمام مسجد كامبريدج وأستاذ كرسي الشيخ زايد للدراسات الإسلامية بجامع كامبريدج، اقتبس الرجل الكثير مما قاله تشارلز في خطابه حول الإسلام والغرب عام 1993، ما يعكس اهتمام تشارلز بالإسلام.

وهو ما يميز الملك عن معظم المنتمين إلى الطبقة السياسية في بريطانيا، وقد تعلَّم تشارلز العربية لقراءة القرآن، وتساءل الشيخ: كم عدد النواب البرلمانين الذين سيفعلون ذلك؟!

ويعتقد كثيرون أن الملك تشارلز سيحذو حذو والدته في احترام التقاليد البريطانية التي تراعي قِيَم التسامح والتنوع الثقافي، على عكس النزعة القومية المتطرفة لحكومتي تراس وجونسون.

هذا وقال تشارلز في خطابه: “لقد أصبح مجتمعنا متنوعًا للغاية، وهو يضم الكثير من الثقافات والأديان”، وتعهد الملك بخدمة شعبه بصرف النظر عن المعتقدات والخلفية الثقافية لكل مواطن.

 

 

المصدر : Middle East Eye


اقرأ أيضاً : 

تنصيب تشارلز الثالث رسميًّا ملكًا لبريطانيا

الملك تشارلز الثالث يلقي أول خطاب للشعب البريطاني بعد وفاة والدته

أحداث محورية تركت أثرها في حياة الملك تشارلز الثالث