العرب في بريطانيا | تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين ك...

1447 رجب 1 | 21 ديسمبر 2025

تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين كولومبيين لصالح حرب السودان

تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين كولومبيين لصالح حرب السودان
اية محمد December 20, 2025

على مقربة من ملعب توتنهام هوتسبير في لندن، يقع مبنى سكني صغير وغير لافت. غير أن تحقيقًا صحفيًّا كشف أن شقة ضيقة من غرفة نوم واحدة في الدور الثاني داخله اتُّخِذت -وفق سجلات حكومية بريطانية- عنوانًا قانونيًّا لشركات مرتبطة ببعضها عبر عدة دول، كان لها دور في تنظيم وتمويل عملية تجنيد مقاتلين أجانب للقتال في السودان إلى جانب قوات الدعم السريع، المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم قد ترقى إلى الإبادة الجماعية.

شبكة شركات وتجنيد واسع النطاق لمرتزقة كولومبيي

تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين كولومبيين لصالح حرب السودان
السودان

تشير المعطيات إلى تجنيد مئات من أفراد الجيش الكولومبي السابقين للقتال مع قوات الدعم السريع، وهي جماعة شبه عسكرية ارتكبت عمليات اغتصاب جماعي وعمليات قتل على أساس عرقي، إضافة إلى القتل المنهجي للنساء والأطفال.

بحسَب ما خلص إليه التحقيق، شارك مرتزقة كولومبيون مباشرة في العملية التي أفضت إلى سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في جنوب غرب السودان أواخر أكتوبر/تشرين الأول. ويرى محللون أن سقوط المدينة أعقبه عنف واسع النطاق وإبادة جماعية، قدّروا أنها راح ضحيتها ما لا يقل عن 60 ألف شخص.

ومع تتابع التقارير عن الفظائع وازديادها، كشف التحقيق عن صلات مباشرة بين المرتزقة المشاركين في اجتياح الفاشر وشركات مسجّلة في لندن، استُخدِمت عناوينها القانونية ضمن شبكة التنظيم والتمويل.

“Zeuz Global”: شركة مسجلة في لندن وأسماء معاقبة أميركيًّا

تظهر سجلات بريطانية أن الشقة الواقعة قرب طريق كريتون (Creighton Road) في شمال لندن مسجلة لشركة تُدعى Zeuz Global. وقد أسس الشركةَ شخصان فرضت عليهما وزارة المالية الأميركية عقوبات “الأسبوع الماضي” على خلفية دورهما في استقدام مرتزقة كولومبيين للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع.

وتُظهر وثائق Companies House (سجل الشركات في بريطانيا) أن الرجلين -وهما مواطنان كولومبيان في الخمسينيات من العمر- مُدرجان بوصفهما مقيمين في بريطانيا، في وقت يرى خبراء أن ذلك يثير أسئلة عن كيفية تمكن أشخاص دانتهم الولايات المتحدة علنًا بسبب “دورهم في تغذية الحرب في السودان” من تأسيس شركة وتشغيلها داخل لندن.

انتقال مفاجئ إلى قلب لندن: عناوين فنادق فاخرة بلا تفسير

تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين كولومبيين لصالح حرب السودان
السودان

وبينما تؤكد الوثائق أن الشركة “نشطة”، يظهر أنها عدّلت عنوانها بسرعة بعد إعلان العقوبات الأميركية. فبعد يوم واحد من إعلان وزارة الخزانة الأميركية العقوبات في الـ9 من ديسمبر/كانون الأول، قدمت الشركة في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول “تفاصيل عنوان جديدة”.

ويطابق الرمز البريدي الجديد موقع (One Aldwych)، وهو فندق خمس نجوم في كوفنت غاردن. غير أن السطر الأول في العنوان جاء بصيغة مربكة: “4dd Aldwych”، وهو ما يتوافق مع فندق (Waldorf Hilton) الواقع على بعد نحو 100 متر.

وأكد الفندقان أنهما لا يرتبطان بأي صلة بشركة Zeuz Global، وأنهما لا يعرفان سبب استخدام الشركة لرموزهما البريدية.

ردود محدودة من الجهات الرسمية

عندما سُئلت (Companies House) عمّا إذا كانت تعلم طبيعة نشاط (Zeuz Global)، لم ترد، كما لم تؤكد ما إذا كان الأشخاص المعاقبون أميركيًّا يقيمون فعليًّا في بريطانيا.

كما لم تفلح محاولات التواصل مع الشركة؛ إذ بدا موقعها الإلكتروني الذي أُنشئ في مايو/أيار “قيد الإنشاء” دون بيانات اتصال.

من يقود الشبكة؟ اتهامات أميركية بتنسيق التجنيد من الإمارات

تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين كولومبيين لصالح حرب السودان

وفق وزارة الخزانة الأميركية، يتصدر الشبكة شخص يدعى Álvaro Andrés Quijano Becerra، وهو ضابط عسكري كولومبي متقاعد يحمل الجنسية الكولومبية والإيطالية، ومقيم في الإمارات العربية المتحدة.

وتتهمه وزارة الخزانة الأميركية بأداء دور محوري في تجنيد جنود كولومبيين سابقين وإرسالهم إلى السودان عبر وكالة توظيف مقرها بوغوتا شارك في تأسيسها. كما فرضت عقوبات على زوجته Claudia Viviana Oliveros Forero بتهمة امتلاك الوكالة وإدارتها.

شركات مسجلة في لندن ورأسمال قدره 10 آلاف باوند

كما فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على شخص آخر يحمل الجنسيتين الكولومبية والإسبانية هو Mateo Andrés Duque Botero، بوصفه مديرًا لعمل تجاري متهم بإدارة الأموال وكشوف الرواتب الخاصة بالشبكة.

وأضافت الخزانة الأميركية أن شركات أميركية مرتبطة بدوكي نفذت خلال عامي 2024 و2025 تحويلات مالية متعددة بلغ مجموعها “ملايين الدولارات”.

وبحسَب السجلات البريطانية، عمد دوكي وأوليفيروس في الـ8 من إبريل/نيسان من هذا العام إلى تسجيل شركة في شمال لندن باسم (ODP8 Ltd) قبل أن يُعاد تسميتها لاحقًا إلى Zeuz Global، وبرأسمال قدره 10,000 باوند.

وفي الـ17 من يوليو/تموز 2025 عُيّن دوكي مديرًا في الشركة، كما أُدرج أيضًا بوصفه مقيمًا في بريطانيا.

ويشير التحقيق إلى تسلسل زمني لافت: فبعد ثلاثة أيام من تسجيل الشركة في لندن، شنت قوات الدعم السريع هجومًا على مخيم زمزم للنازحين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1,500 مدني. وبعد السيطرة على المخيم، سُلِّم لمرتزقة كولومبيين بدأوا التحضير للهجوم على الفاشر التي تبعد نحو ثمانية أميال إلى الشمال.

الموقف السياسي: إدانة بريطانية واتهامات أميركية بالإبادة

تحقيق يكشف تورط شركات بريطانية بتجنيد مقاتلين كولومبيين لصالح حرب السودان
السودان

كانت وزيرة الخارجية البريطانية Yvette Cooper قد أدانت قوات الدعم السريع؛ بسبب “عمليات القتل المنهجي والتعذيب والعنف الجنسي” عقب سيطرتها على الفاشر، فيما تتهم الولايات المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية.

وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية: إن بريطانيا تدعو إلى “إنهاء فوري للفظائع”، وحماية المدنيين، ورفع العوائق أمام وصول المساعدات الإنسانية من جميع أطراف النزاع، مضيفًا أن بريطانيا “فرضت مؤخرًا عقوبات على قادة من قوات الدعم السريع” لدورهم في الفظائع التي وقعت في الفاشر.

الإمارات وملف التسليح والتجنيد

يربط التحقيق كذلك بين الإمارات العربية المتحدة، التي تُتهم منذ فترة طويلة بتسليح قوات الدعم السريع، وبين ملف تجنيد المرتزقة الكولومبيين.

وأشار إلى تقرير صادر “الشهر الماضي” عن منظمة التحقيقات (The Sentry) يزعم وجود صلات بين رجال أعمال إماراتيين يزودون قوات الدعم السريع بمقاتلين كولومبيين وبين مسؤول حكومي إماراتي رفيع. وتنفي الإمارات هذه الاتهامات باستمرار.

ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن ما يورده هذا التحقيق يكشف ثغرة مقلقة في آليات تسجيل الشركات والرقابة المالية في بريطانيا، ويعيد طرح سؤال المسؤولية على الدول التي تُعد مراكز أعمال عالمية: كيف يمكن منع استغلال البنية القانونية لتكون واجهة لأنشطة تُغذي الحروب وتفاقم معاناة المدنيين؟

وتؤكد المنصة ضرورة أن تتحرك الجهات البريطانية المختصة بحزم وشفافية؛ لضمان عدم اتخاذ الشركات والعناوين المسجلة في بريطانيا غطاء لتمكين شبكات المرتزقة أو لتسهيل التمويل والدعم اللوجستي لأي طرف متورط في فظائع بالسودان، بما ينسجم مع التزامات بريطانيا القانونية والأخلاقية في حماية المدنيين ومنع الجرائم الجسيمة.

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة