تحذير حكومي من تداعيات إضراب الأطباء على سلامة المرضى في بريطانيا
في وقت تتعرض فيه المستشفيات البريطانية لضغوط غير مسبوقة بفعل تصاعد حالات الإنفلونزا، يتصاعد الخلاف بين الحكومة ونقابة الأطباء حول إضراب مرتقب، وسط تحذيرات رسمية من تداعيات محتملة على سلامة المرضى، في مقابل تأكيدات مهنية بأن خطط الطوارئ قادرة على الحد من المخاطر.
مخاوف حكومية من لحظة حرجة
حذّر وزير الصحة البريطاني ويس ستريتينغ من أن المضي في إضراب الأطباء المقيمين الأسبوع المقبل قد يضع هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) أمام اختبار بالغ الحساسية، مؤكدًا أنه لا يستطيع تقديم ضمانات كاملة بشأن سلامة المرضى في ظل الارتفاع الحاد في حالات الإنفلونزا.
ووصف ستريتينغ الضغط الحالي على النظام الصحي بأنه الأسوأ منذ جائحة كوفيد، معتبرًا أن NHS يقف عند «دقيقة واحدة قبل منتصف الليل»، في إشارة إلى اقترابه من حافة الانهيار. وأشار إلى أن أعداد المصابين قد تتضاعف ثلاث مرات مع بلوغ الذروة، واصفًا المشاهد داخل بعض المستشفيات بأنها «غير مقبولة»، ومحذرًا من أن الإضراب قد يشكّل العامل الذي يدفع النظام إلى حافة الانهيار.
نقابة الأطباء تنفي تعريض المرضى للخطر
في المقابل، نفى رئيس الجمعية الطبية البريطانية (BMA) الدكتور توم دولفين أن يؤدي الإضراب إلى تعريض المرضى للخطر، رغم تسجيل حالات إنفلونزا عند مستويات قياسية لهذا الوقت من العام، بعد ارتفاعها بنسبة 55 في المئة خلال أسبوع واحد.
وقال دولفين إن أزمة NHS «ليست شتوية فحسب، بل ممتدة على مدار العام»، مؤكدًا أن المستشفيات قادرة على استدعاء أطباء استشاريين لتغطية غياب الأطباء المقيمين، وفق نموذج جرى تطبيقه في الإضرابات السابقة بهدف الحفاظ على سلامة المرضى.
مواعيد الإضراب وخلفياته
من المقرر أن يبدأ الإضراب في الساعة السابعة صباحًا يوم 17 كانون الأول/ديسمبر، ويستمر حتى 22 من الشهر نفسه، بعد اتهام النقابة للحكومة بعدم إحراز «تقدم كافٍ نحو اتفاق قابل للحياة بشأن الوظائف والأجور».
ويأتي ذلك في وقت سجّلت فيه إنجلترا متوسطًا يوميًا بلغ 2,660 مريض إنفلونزا في المستشفيات خلال الأسبوع الماضي، ما يثير قلقًا متزايدًا بشأن قدرة النظام الصحي على تحمّل الإضراب.
انتقادات لتوقيت الإضراب
ووجّه ستريتينغ انتقادات مباشرة للنقابة لاختيارها كانون الأول/ديسمبر موعدًا للإضراب، معتبرًا أن ذلك يتم مع علمها بأن هذه الفترة هي «الأكثر إيلامًا» بالنسبة لـNHS.
وقال في تصريحات لإذاعة( LBC) إن المشهد «مخيف»، موضحًا أن تزامن الإضراب مع تفشي الإنفلونزا، وامتلاء الممرات بالنقالات، وارتفاع الطلب على الخدمات، يجعل من الصعب ضمان سلامة المرضى، مهما توفرت الموارد أو التمويل.
تحذيرات من الحكومة وقيادات صحية
دعا مكتب رئاسة الوزراء النقابة إلى التراجع عن خطط وصفها بـ«الصادمة»، محذرًا من أن الإضراب سيجبر زملاءهم على إلغاء خطط عيد الميلاد لتغطية المناوبات، وسيتسبب في إلغاء عمليات جراحية، مع استعداد NHS «للأسوأ» في موسم إنفلونزا غير مسبوق.
من جانبه، قال دانيال إلكليس، الرئيس التنفيذي لمقدمي خدمات NHS، إن النظام الصحي يواجه «موجة عاتية من الإنفلونزا» تتطلب تضافر جميع الجهود، مشيرًا إلى أن حجم مكالمات الطوارئ 999 وعدد حالات الدخول إلى المستشفيات بلغا مستويات مرتفعة للغاية.
مخاوف مهنية إضافية
أعربت الدكتورة جانيت ديكسون، رئيسة أكاديمية الكليات الطبية الملكية (AOMRC)، عن قلقها من تأثير خمسة أيام إضافية من الإضراب في هذا التوقيت الحساس، لافتة إلى أن عدد مرضى الإنفلونزا الذين يشغلون الأسرّة يزيد عشرة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها قبل عامين.
وفي المقابل، شدد دولفين على أن الضغط على المستشفيات مستمر منذ الصيف، وليس مرتبطًا بفصل الشتاء وحده، موضحًا أن المستشفيات تعيد توزيع الكوادر أو تؤجل بعض الرعاية المخططة عند الضرورة، وهو ما اعتبره نهجًا أثبت فاعليته في الحفاظ على سلامة المرضى خلال الإضرابات السابقة.
عرض حكومي أخير ومحاولات لاحتواء الأزمة
في محاولة أخيرة لتفادي الإضراب، عرض وزير الصحة صفقة على الجمعية الطبية البريطانية تتضمن إعطاء أولوية لخريجي كليات الطب والأطباء داخل المملكة المتحدة في برامج التدريب التخصصي، إلى جانب إنشاء 4,000 مقعد تدريبي إضافي، وتعويض رسوم العضوية والامتحانات بالكليات الملكية.
لكن نائب رئيس الجمعية الدكتور شيفام شارما أبدى تشككًا في قبول الأعضاء لهذا العرض، واصفًا إياه بأنه «حزمة مختلطة» قد لا تلبي تطلعات القاعدة النقابية.
توتر سياسي وآفاق التفاوض
شهدت الأشهر الأخيرة توترًا متزايدًا بين حكومة حزب العمال ونقابة الأطباء، مع اتهام ستريتينغ للجمعية بالتصعيد غير المسؤول من خلال التخطيط لإضراب يمتد خمسة أيام متتالية قبيل عيد الميلاد.
ورغم ذلك، أبدى دولفين قدرًا من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى تفاهم، معتبرًا أن نهج حزب العمال في العلاقات العمالية يمثل تحولًا مقارنة بالحكومة السابقة، لكنه شدد على أن تجنّب جولات إضراب جديدة العام المقبل يتطلب تقديم «عرض جاد» يمكن طرحه على الأعضاء.
أزمة NHS بين الطوارئ والبنية
تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن إضراب الأطباء في بريطانيا يأتي في لحظة كاشفة لهشاشة التوازن داخل NHS، حيث تتقاطع أزمة الإنفلونزا مع نقص الكوادر والتوترات المهنية المزمنة. وبين تحذيرات الحكومة وطمأنة النقابة، يبدو أن سلامة المرضى لم تعد مرتبطة فقط بإدارة أيام الإضراب، بل بقدرة النظام الصحي نفسه على معالجة أزماته البنيوية قبل أن تتحول الطوارئ المؤقتة إلى وضع دائم.
المصدر: الإندبندينت
اقرأ أيضاً
الرابط المختصر هنا ⬇
