كيف تتجاهل كبرى وسائل الإعلام الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل؟
على الرغم من أن وسائل الإعلام تدّعي أن وظيفتها الأساسية هي التحقيق في تصرفات الأقوياء وأصحاب النفوذ في المجتمع ومحاسبتهم، فإن التغطية الإعلامية للدعم العسكري البريطاني لإسرائيل تثير تساؤلات بشأن مدى التزامها بهذا المبدأ.
فالمبادئ التوجيهية التحريرية لصحيفة “بي بي سي” تنص على ضرورة فحص الحجج ومحاسبة السلطة بطريقة محايدة، ويؤكد ناشر صحيفة نيويورك تايمز، أي جي سولزبيرجر، دور الصحفيين في فضح الفساد وسوء المعاملة.
ولكن التغطية الإعلامية لجرائم العدوان التي ارتُكِبت في غزة منذ الـ7 من أكتوبر تكشف عن تناقض كبير. فقد أشار النقاد إلى أن وسائل الإعلام تهمّش الفلسطينيين، وتؤكد حق إسرائيل في “الدفاع عن النفس” دون مناقشة أو تحقيق.
ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل تجاهلت وسائل الإعلام السياق التاريخي والمجازر السابقة التي ارتكبتها إسرائيل، وتواطأت مع الإبادة الجماعية، وتلاعبت باللغة بوصف المجازر بأنها “ضربات جوية”.
وقد ركز النقاد على التحيز الواضح في التغطية الإعلامية، لكن الجانب الآخر من المشكلة يكمن في القصص التي لا تُغطَى، والحقائق التي لا يُعترف بها.
تعزيز التعاون الدفاعي بين المملكة المتحدة وإسرائيل
وينطبق هذا بصفة خاصة على مسألة مشاركة الجيش البريطاني في الهجوم الإسرائيلي على غزة. ففي 2 ديسمبر، أصدرت وزارة الدفاع بيانًا بشأن النشاط العسكري البريطاني في المنطقة، زاعمة أنه يستهدف تأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين فقط.
وعمدت بي بي سي، مع وسائل إعلام أخرى، إلى نشر القصة بنفس النص تقريبًا كما ورد في البيان، متجاهلة حقيقة أن أكثر من 15 ألف فلسطيني قد استُشهِدوا في غارات جوية منذ الـ7 من أكتوبر.
وتبع ذلك تغطية إدخال جنود آخرين لتعزيز دعم المملكة المتحدة لإسرائيل، وذلك وفقًا لاتفاقية “خارطة الطريق” الموقعة في عام 2023، وهي اتفاقية بين المملكة المتحدة وإسرائيل تسعى إلى تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وبخاصة في الدفاع والأمن، إضافة إلى مجالات أخرى، منها التكنولوجيا والابتكار، والتجارة والاستثمار، والتعليم والثقافة.
وتشير الاتفاقية إلى تغطية مشاركة المملكة المتحدة في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحوثيين في البحر الأحمر، وتغطية نشر طائرات تايفون البريطانية لإسقاط الطائرات الإيرانية المسيرة، بعد الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق.
الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل: القصص التي لا تُروى
لم تركز وسائل الإعلام البريطانية كثيرًا على العلاقات العسكرية الوثيقة بين بريطانيا وإسرائيل، ما يثير تساؤلات بشأن التزام الصحافة بمبدأ محاسبة السلطة ونقل الحقيقة على نحو شامل وعادل.
ورغم هذا الافتقار إلى الاهتمام بالروابط العسكرية للحكومة البريطانية مع إسرائيل، فإن ذلك لا يعني أن هناك نقصًا في الموضوعات التي تستحق التحقيق.
فقد نشرت صحيفة (Declassified UK) عدة مقالات بشأن الإجراءات الغامضة التي اتخذتها حكومة المملكة المتحدة، وتجاهلتها وسائل الإعلام الكبرى. ومنها: مقال عن إرسال الحكومة فريقَ تجسس بريطانيًّا إلى الاحتلال الإسرائيلي بعد الـ7 من أكتوبر، وعشرات الرحلات الجوية التي أجرتها الطائرات العسكرية البريطانية إلى إسرائيل، وأنشطة المراقبة لدعم إسرائيل، وتدريب الجنود الإسرائيليين في المملكة المتحدة. إلا أن هذه الموضوعات لم تحظَ بمتابعة تُذكر في النشرات والمقالات الإخبارية.
ولكن هناك جانب واحد حظي ببعض الاهتمام الإعلامي، وهو مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل، التي بلغت قيمتها 576 مليون باوند منذ عام 2008، وفقًا لحملة مكافحة تجارة الأسلحة.
انحياز وسائل الإعلام
وعلى الرغم من المخاوف الجدية من أن المملكة المتحدة متواطئة في جرائم العدوان، من خلال صادراتها من الأسلحة إلى الجيش الإسرائيلي، بدأ اهتمام وسائل الإعلام الكبرى بالموضوع فقط عندما أصبح البريطانيون، لا الفلسطينيون، هم القصة.
والأهم من ذلك، كان هذا الاهتمام المحدود بمثابة استجابة لمخاوف النخبة بشأن المخاطر الجيوسياسية، وليس الأخلاقية، التي ينطوي عليها تزويد إسرائيل بالمُعَدات العسكرية.
وخارج هذه الفترة القصيرة الفاصلة والتدخلات العسكرية التي نوقشت، من الصعب الحصول على تفاصيل محددة عن الدعم العسكري البريطاني للإبادة الجماعية الإسرائيلية في وسائل الإعلام الكبرى في المملكة المتحدة.
لذلك اقتصر ذكر القصص المتعلقة بالمراقبة والجواسيس والتدريب والدعم اللوجستي للقوات الإسرائيلية إما على صحف مستقلة مثل: (Declassified UK)، وإما على مواقع أمنية عالية التخصص مثل: (Airforce Technology) أو (UK Defense Journal).
إضافة إلى أن إخفاق وسائل الإعلام الكبرى في تناول قضية الإبادة الجماعية في غزة واضح للغاية، ولا سيما عند النظر إلى اللغة المُلطفة التي تستخدمها والمصادر التي تسلط الضوء عليها.
ولكن يجب أيضًا النظر إلى القصص التي اختارت وسائل الإعلام إغفالها؛ لأنها قد تلفت الانتباه إلى تواطؤ البريطانيين الذين ساعدوا في تسهيل جرائم العدوان على غزة.
المصدر: declassifieduk
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇