بريطانيا تغلق أبوابها تدريجيًا: تشديد تأشيرات العمل وتضييق الخناق على المهاجرين

في مسعى جديد للحد من أعداد الوافدين إلى البلاد عبر المسارات القانونية، أعلنت الحكومة البريطانية عزمها تشديد متطلبات الحصول على التأشيرات، في إطار إصلاحات شاملة تهدف إلى إعادة رسم سياسات الهجرة وربطها بحاجات سوق العمل المحلي، وسط تصاعد الضغوط السياسية والشعبية.
وبحسب مسودة ورقة الهجرة البيضاء المرتقب صدورها يوم الإثنين، ستفرض السلطات شروطًا جديدة للحصول على تأشيرات العمالة الماهرة، من بينها ضرورة امتلاك مؤهلات تعليمية بمستوى الدراسات العليا، إلى جانب فرض قيود على تأشيرات العمالة منخفضة المهارات، بحيث لا تُمنح إلا عند توفر أدلة واضحة على وجود نقص حاد في الأيدي العاملة، وبشروط تتضمن التزام أرباب العمل باستراتيجيات لتطوير مهارات القوى العاملة المحلية.
تأشيرات أكثر صرامة وربط الهجرة بسوق العمل
إلى جانب تلك الإجراءات، ستكشف وزارة الداخلية عن تعديلات موسّعة على قواعد الترحيل، تهدف إلى تسهيل إخراج الأجانب المدانين بجرائم داخل بريطانيا، حتى لو لم تصدر بحقهم أحكام بالسجن، في تحرك قالت عنه الحكومة إنه “تحول جذري” في فلسفة الهجرة.
وفي تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، قالت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر: “ما نقوم به هو إعادة ربط نظام الهجرة بالمهارات والتدريب داخل البلاد. هذه التغييرات ستدخل حيز التنفيذ خلال العام الجاري، ونتوقع أن تؤدي إلى تقليص عدد تأشيرات العمالة منخفضة المهارات بما يصل إلى 50 ألف تأشيرة خلال عام واحد”.
وأضافت كوبر أن الحكومة ستُقيّد أيضًا استقدام العاملين الأجانب في قطاع الرعاية، مشيرة إلى أن تمديد التأشيرات الحالية لا يعني الاستمرار في جلب عمالة جديدة من الخارج، في خطوة قد تُحدث تحولات كبيرة في قطاع يعتمد إلى حدّ بعيد على المهاجرين.
وتأتي هذه السياسات في أعقاب تضاعف عدد تأشيرات العمالة الماهرة ثلاث مرات منذ إطلاق البرنامج في عهد بوريس جونسون عام 2020، والذي رُوّج له كوسيلة لبسط السيطرة على الحدود عقب انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
لكن رغم ذلك، تسجل البلاد معدلات هجرة صافية غير مسبوقة، إذ وصل عدد المهاجرين إلى 906 آلاف في عام واحد حتى يونيو 2023. كما ارتفعت طلبات الإقامة الدائمة بنسبة 80% بين 2021 و2024، وقفز عدد المرافقين الداخلين بنسبة 360% بين 2021 و2023.
تصاعد الانتقادات ومجاراة اليمين المتطرف
رغم تأكيد الحكومة على أن هذه السياسات تهدف إلى “تخفيف الضغط على الخدمات العامة”، إلا أنها واجهت انتقادات حادة من منظمات حقوقية واقتصادية، خاصة في ظل تفشي استغلال المهاجرين في بعض القطاعات، مثل الرعاية، حيث تم الإبلاغ عن حالات اتجار بالبشر واستعباد مالي.
وتعتزم وزارة الداخلية استخدام صلاحيات أوسع في الترحيل، تشمل جميع الأجانب المدانين بجرائم، وليس فقط من حُكم عليهم بالسجن، مع إمكانية اتخاذ إجراءات فورية ضد الوافدين الجدد ممن يثبت تورطهم في مخالفات.
ومع أن هذه الإجراءات لاقت دعمًا من بعض الأوساط السياسية، إلا أن حزب المحافظين يرى أنها “لا ترقى إلى مستوى التحدي”. وطالب وزير داخليته في حكومة الظل، كريس فيلب، بفرض سقف قانوني للهجرة وإلغاء قانون حقوق الإنسان في ما يخص قضايا المهاجرين، في تصعيد واضح للخطاب المناهض للهجرة.
وفي المقابل، رفضت وزيرة الداخلية تحديد هدف رقمي للهجرة الصافية، مشيرة إلى فشل الحكومات السابقة في الالتزام بأي من الوعود السابقة بهذا الشأن، وقالت: “شهدنا وعودًا كثيرة من المحافظين ولم يُنفَّذ منها شيء. ومع ذلك، نحن ملتزمون بخفض الأعداد لكن بشكل مدروس وعادل”.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن الحكومة البريطانية بقيادة كير ستارمر لا تسعى فعليًا إلى معالجة جذور قضية الهجرة أو حماية حقوق المهاجرين، بل تميل أكثر نحو مجاراة الخطاب اليميني المتطرف، خاصة بعد النجاح اللافت الذي حققه حزب الإصلاح اليميني المتطرف بقيادة نايجل فاراج – المعروف بمواقفه المناهضة للهجرة – في الانتخابات المحلية الأخيرة.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇